مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

من تجليات الولاية : قضاء الحوائج


الشيخ محمد شقير


دروس في الأخلاق ترمي إلى الارتقاء بمستوى الواقع السياسي لقناعتنا أن القيم الأخلاقيَّة والدينيَّة هي السبيل لإصلاح الواقع السياسي، كما أنَّها تُسهم في رفد واقعنا العملي بمجموعة من المواعظ المعنويَّة والعِبَر الأخلاقيَّة التي نراها حاجة ملحّة لكلّ العاملين في سبيل الله تعالى ولأي عملٍ يهدف إلى تحمّل الأمانة الإلهيَّة وخدمة المجتمع والإنسان.

إن الولاية لله ولرسوله وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين لا بد أن تتجلى أفعالاً وتحكي حقيقة تلك الولاية، فإذا كانت الولاية لله تعالى فإن صفة الرحمة سوف تتجلى لأن الرحمة من صفاته تعالى وتجليها هي ظهور الرحمة على يد أصحاب الولاية رحمة الناس أجمعين المؤمنين منهم بمودتهم وغيرهم بهدايتهم. إن الرحمة كانت سبب الولاية لأنه لولا الرحمة ما كان هناك رسول ولا رسالة أن حقيقة الرسالة الرحمة يقول تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ إن رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله لم تكن إلا من أجل رحمة العالمين وسعادة الإنسان وهذا يعني التعاطي معهم بكل ما من شأنه أن يؤلف قلوبهم للإيمان ويجلبهم للهداية ولا شك أن قضاء الحوائج وخدمة الناس من أهم الأمور التي تؤدي إلى هداية الآخرين وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "يا علي لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس".

بل إن التخلق بأخلاق الله والسير إليه يقتضيان قضاء الحوائج لأن قاضي الحاجات هو الله تعالى وهذه الصفة هي من الصفات الجميلة لله عز وجل ومن أراد الاقتراب من الله سبحانه عليه أن يأخذ هذه الصفة بعين الاعتبار فيرى فيها مرضاة وقربا لان الاقتراب هو في تكامل النفس واتصافها بتلك الصفات الجميلة والنفس إنما تتكامل بفعل الإنسان مخلصا عمله ناويا رضى ربه فإنه إذا فعل ذلك اتصفت النفس بتلك الصفة وهو كلما عمل أكثر وأخلص لله أكثر كلما تكاملت نفسه ورقي جوهره. إن يمسك بزمام من أزمّة الولاية تتهيأ له فسحة من قضاء الحوائج وخدمة الناس لأنه قد يصبح مرهوب الجانب أو مطاع الكلام ومهاب المقام فتنقاد له الناس وتسمع قوله وتطيع أمره.

وهنا نسأل كيف هو مفهومه عن الولاية؟
فإذا كان يرى في الولاية ولاية لله وأهل بيت رسوله صلى الله عليه وآله وإذا كان يعني حقيقة الولاية بأنها أمانة في عنقه وأنه مستأمن عليها وأن مقتضى الأمانة هو التصرف فيها بما لا يخالف حقيقتها فعندها سيسعى إلى وضعها في مكانها فيتمثل صفات أصحاب الولاية والتي منها قضاء حوائج المحتاجين. أما إذا كان يرى في الولاية سبباً للجاه والرفعة وأداة للعلو والمنعة وأن بها يتميز عن الأخوان ويتفاضل مع الأقران وإنها ليست إلا وسيلة إلى جاه أرفع ومقام أمنع فهنا قد أضل حقيقة الولاية وتاه عن معرفتها وحرم بركاتها والتي منها قضاء حوائج المحتاجين وبالأخص منهم المؤمنين وبالأخص منهم المتعففين من أصحاب الورع والدين. يقول الله تعالى في القران الكريم واصفا رسول الله صلى الله عليه وآله: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ التوبة/128. إن العنت والمشقة والآلام التي تصيب الناس عزيزة على رسول الله‏ صلى الله عليه وآله وإن نفسه الكريمة لا تقبل بها وهو حريص على الناس على سعادتهم وكرامتهم وراحتهم وهو رؤوف بالمؤمنين وينظر إليهم بعين الرحمة والعطف. لقد كان الإمام الخميني قدس سره نموذجا يحكي صفات رسول الله‏ صلى الله عليه وآله يقول أحد المقربين من الإمام متحدثا عنه في الأيام الأولى لانتصار الثورة:

كان يستقبل الناس يومياً أكثر من ست ساعات ولم يكن يصدر منه أبدا ما يدل على تبرمه أو تعبه من ذلك. كان الناس يتوافدون من الثامنة صباحا وحتى الواحدة ظهرا.. ومنذ الرابعة عصرا حتى الثامنة ليلا وفي بعض الليالي كانت وفود الناس تظل حتى العاشرة متجمهرة أمام منزل الإمام يقولون نحن ننتظر الخميني وكان الإمام يخرج إلى لقائهم. في كثير من الأيام كان يجتمع أكثر من مائة وخمسين شخصا في غرفة واحدة حيث الحر الشديد ونور المصابيح الكاشفة لمصوري التلفزيون تزيد الحرارة.. وأنفاس الحاضرين تزيد الجو اختناقا حتى تتخيل نفسك في جحيم.. كانت صدورنا أحيانا تضيق فنخرج من الغرفة.. والإمام جالس لعدة ساعات يستمع إلى الناس ويتحدث إليهم بعد كل كلمة تلقى. لا أنسى أن الشهيد مطهري جاء قبل استشهاده بأسبوع.. وقد كان ضغط الزائرين على الإمام كبيراً إلى حد أن الشهيد انتظر من الساعة الثالثة صباحا إلى الثامنة ليلاً بجوار غرفة الإمام ولم يتوفق للقائه.. وبعد أن انتهت زيارات الناس.. كان الإمام دائما يحذر أعضاء مكتبه: "إياكم أن تسيؤوا معاملة الناس وليس لكم الحق أن تمنعوا الناس". إن تفاني الإمام في تلبية مطالب الناس وإبداء المحبة لهم وقضاء حوائجهم لأنه يرى الولاية على حقيقتها ويرى فيها سببا لخدمة العباد وقضاء حوائجهم فهو كان كذلك قبل أن يصبح زعيماً فعلياً للدولة الإسلامية قبل انتصارها. يقول احد مرافقي الإمام في النجف: كنا أحيانا نذهب إلى الإمام ونقول: إن فلاناً جاء وهو بحاجة إلى مساعدة فيعطيه الإمام مبلغا كبيرا.. في هذا المجال يقول أحدهم: كل من كنت أقصده لمساعدتي كان يعطيني مبلغاً قليلاً.. ولكنني عندما جئت إلى الإمام ورغم عدم معرفه لي فقد أنقذ حياتي بهذه المساعدة.

وكان الإمام كذلك بعد انتصار الثورة الإسلامية:
"ذات يوم خرج الإمام لاستقبال الناس قبل الموعد المعتاد.. وكان المكان يغص بالناس الذين تجمهروا خلف الحواجز التي وضعت هناك.. وكان يشتد تدافعهم عند مجي‏ء الإمام بالخصوص.. فنظر الإمام إلى من حوله وقال إن لم تزيلوا كل هذه الحواجز فسأحرقها.. أردنا ذات مرة أن نضع فوق رأسه مظلة فغضب وقال: والناس ماذا يفعلون؟ .. لقد بلغت جماهيريته إلى هذا الحد رغم كل مشاغله ومسؤولياته.. كان البعض يأتون أحيانا لطرح مشاكلهم العائلية أو مسائل مشابهة". إن الولاية الحقيقية التي بها يرتقي الإنسان وعليها يثاب لا بد أن تتجلى في جوارحه كما استقرت في جوانحه وإن من إشراقات تلك الولاية قضاء الحوائج وخدمة العباد لأن جوهر الولاية الحب وأحب الناس إلى الله أنفعهم لعياله لأن الله تعالى لا يحب إلا من اتبع الهدى ورقي في كماله ﴿فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ. إن اتباع رسول الله صلى الله عليه وآله هو أن يكون حالنا حال ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ، وهذا الذي وصل إلى مقام الحب فأحبه الله فإن مقامه كالكوكب الدري الذي له نوره وإن نوره بين العباد وفي البلاد هو في إيصال النفع إليهم نفع العاجل والأجل وإن كان نفع الأجل أجل وأسمى. وما الولاية الظاهرية وأسباب القوة إلا وسيلة لتحقيق تلك الولاية الحقيقية إن من لا يرى فيما تولى من مقام أو سلطان سبباً لخدمة العباد ونفع عيال الله فهو ممن لا يعلم إلا ظاهراً من الحياة الدنيا وهو غافل عن الآخرة وباطن الدنيا.

إن من لا يشغل فكره ولا يتعب نفسه فهذا دليل الحرمان، الحرمان من مقام الحب، وهو علامة الجهل عن حقيقة الدنيا وما يوصل للآخرة. فيا حسرة على أولئك الذين تصيبهم العزة مما نالوا من جاه ظاهري أو مقام دنيوي فغفلوا عن أن المقام في ترك المقام ورأوا في مقامهم وسيلة لنيل دنيا وتلبية هوى فأعرضوا عن قضاء الحاجات وتنفيس الكربات وإقالة العثرات فوقعوا في نار الحرمان وأصابهم ضلال من الشيطان. فيا أيها الحبيب اسع إلى حقيقة الولاية التي بها البداية فستخرق الحجب وترى بعين القلب أن ولايتك التي نلت إنما كانت من أجل عيال الله وعباده.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع