التحرير
هو موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب، سابع الأئمّة عليهم السلام الذي قال فيه والده الإمام الصادق حينما سُئل عن
مدى حبّه له: "وددت أن ليس لي ولدٌ غيره لئلّا يشركه في حبّي أحد". وكان
قوله بدافع أن يبيّن الإمام الصادق لشيعته أن ابنه موسى الكاظم هو الإمام الشرعيّ
من بعده.
كنيته "أبو إبراهيم" و"أبو الحسن"، ومن ألقابه: العبد الصالح، النفس الزكية، زين
المجتهدين، الوفيّ، الصابر، الأمين والزاهد. ومن أشهر ألقابه عند الشيعة "باب
الحوائج" لما له من كرامات عظيمة، وسُمّي "الكاظم" لكظمه الغيظ. تزوّج الإمام
الكاظم عليه السلام من زوجات عدة أنجبن له سبعة وثلاثين ولداً ذكراً وأنثى، وهو
أكثر الأئمة أولاداً.
أمّا خلفاء الدولة العباسية في عصره فهم: المنصور، المهديّ، الهادي وهارون
العباسيّ.
*ولادته ونشأته
ولد الإمام موسى بن جعفر الكاظم في قرية "الأبواء". وكانت ولادته يوم الأحد السابع
من شهر صفر من سنة 128 وقيل سنة 129 هجرية، في أيام حكم مروان بن محمد. وبعد فترة
وجيزة من ولادته ارتحل أبوه الإمام جعفر الصادق إلى يثرب فأطعم الناس إطعاماً
عامّاً لمدة ثلاثة أيام تيمناً بولادته عليه السلام. ويشير بعض المصادر إلى أنّ
الإمام الصادق كان يوليه عناية ومحبّة خاصّة.
أمّه هي (أمّ ولد) واسمها حميدة، أندلسية الأصل ويُقال بربرية، ويُقال رومية،
وتكنّى لؤلؤة. قال عنها الإمام الصادق عليه السلام: "حميدة مصفّاة من الأدناس
كسبيكة الذهب"(1).
وردت روايات تشير إلى أنّ الإمام جعفراً الصادق كان ينبّه شيعته دائماً إلى أنّ
موسى الكاظم عليه السلام هو الإمام من بعده، وذلك منذ أن كان الكاظم عليه السلام
صغيراً لم يتجاوز الخامسة من العمر، فقد ورد في الكافي عن صفوان الجمّال: "عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: قال له منصور بن حازم: بأبي أنت وأمي إنّ الأنفس يغدى
عليها ويراح ، فإذا كان ذلك فمن؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: إذا كان ذلك
فهو صاحبكم وضرب بيده على منكب أبي الحسن عليه السلام الأيمن - في ما أعلم - وهو
يومئذٍ خماسيّ وعبد الله بن جعفر جالس معنا" (2).
*حياته العلمية وإمامته عليه السلام
عاش الإمام موسى بن جعفر 55 عاماً، قضى منها 20 عاماً في حياة والده جعفر الصادق
و35 بعد وفاته. وقد عاش تلك الفترة في زمن أبيه وارتاد مدرسته العلميّة الكبرى التي
أنشأها في الكوفة.
عاش الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام مدّة إمامته بعد أبيه في فترة صعود
الدولة العباسية وانطلاقتها. وهي فترة تتّسم عادة بالقوّة والعنفوان. وتسلّم شؤون
الإمامة في ظروف صعبة وقاسية، نتيجة الممارسات الجائرة للسلطة وعلى رأسها المنصور
العبّاسيّ.
*أفقه أهل زمانه
وكانت الفترة التي عاشها في أواخر حياة والده الصادق وبعد وفاته هي فترة علميّة
هامّة جدّاً في تاريخ المسلمين حيث سيطرت فيها الفلسفة اليونانية على الفكر العامّ،
وكثرت فيها الاتّجاهات الفكرية وتنوّعت، وامتدَّ ذلك إلى صلب العقيدة والدين، فواصل
منهج أبيه الصادق في رئاسة المدرسة التي أسّسها أبوه وقبله جدّه الباقر عليهما
السلام. وكانت مدرسته في داره في المدينة وفي المسجد، وتخرَّج من هذه المدرسة نخبة
من الفقهاء ورواة الحديث، قدّر عددهم بـ(319) عالماً وفقيهاً.
وحتّى بعد أن سُجن الكاظم في عهد هارون العباسي، فإنه لم ينقطع عن العمل العلميّ
فكانت الأسئلة تأتيه إلى السجن ويجيب عنها.
*بعض أصحاب الإمام عليه السلام
1- ابن أبي عمير: وقد لازم الإمام الكاظم عليه السلام وبعده الإمام عليّ
الرضا عليه السلام ثم الإمام محمد الجواد عليه السلام. أُلقي القبض عليه، وطلبوا
منه الاعتراف على شيعة العراق، ولكنّه رفض ذلك، فتعرّض إلى ألوان من التعذيب، ومكث
في السجن 17 سنة، وصادروا جميع أمواله.
2- عليّ بن يقطين: عيّنه هارون وزيراً له ، وكان يهبّ لمساعدة المظلومين
والمقهورين؛ لذا حظي بمباركة الإمام الكاظم عليه السلام. وقد عرض على الإمام
الاستقالة ولكن الإمام عليه السلام كان يشجّعه على البقاء.
3- مؤمن الطاق: وهو من تلامذة الإمام الصادق عليه السلام أيضاً. كان عالماً
كبيراً ومتكلّماً لبقاً، وكان له دور في التصدّي للحركات الإلحاديّة والضالّة، وفي
ردّ الشبهات العقائديّة.
*حياته السياسية
كانت العلاقة التي تربط العلويين بالخلافة متأزّمة دائماً فقد ورث الإمام موسى
الكاظم عليه السلام تاريخاً دامياً من تعامل السلطة مع آبائه وأجداده.
لقد أُعتقل الإمام موسى الكاظم عليه السلام في زمن حكم الخليفة المهديّ الذي أمر
عامله على المدينة باعتقال الإمام وإرساله إلى بغداد. لكن سرعان ما أطلق سراحه
وأُعيد إلى المدينة. وتقول الروايات إنّ المهديّ رأى حلماً أفزعه فقام بإطلاق سراح
الكاظم عليه السلام على الفور.
ومع تربّع الخليفة الهادي على سدّة الحكم، زاد التشنّج مع العلويين ليتوّج ذلك في
موقعة فخّ التي ذهب ضحيّتها ثلَّة من أعيان العلويين، الأمر الذي زاد من التضييق
على الإمام الكاظم عليه السلام الذي كان يراه الخليفة هو المسؤول والمحرّض للحسين
بن عليّ وأصحابه المقتولين في فخ حيث قال الخليفة الهادي: "والله ما خرج حسين
إلّا عن أمره، ولا اتّبع إلّا محبّته، لأنّه كان صاحب الوصيّة في أهل هذا البيت،
قتلني الله إن أبقيت عليه" (3). لكن أَجَل الخليفة الهادي كان أسرع إليه حيث
توفّي بعد مدة قليلة من وَقعة فخّ.
*الاعتقال والسجن
تسلَّم الحكم بعد وفاة "الهادي" أحد أبطش الخلفاء العباسيين "هارون" الذي لم يختلف
كثيراً عن آبائه في الحرص على التضييق على الشيعة وعلى رأسهم الإمام موسى الكاظم
عليه السلام. فبروز الإمام يظهر للناس أنّ الأئمّة الاثني عشر هم الخلفاء الحقيقيون
وأن لا شرعية لأيّ حاكم في وجودهم. في 20 من شوال 179هـ أمر هارون العباسيّ باعتقال
الإمام الكاظم عليه السلام وهو يصلّي في المسجد النبويّ واقتيد وبشكل سريّ إلى
البصرة.
*في سجن البصرة
أودع الكاظم عليه السلام في سجن البصرة تحت إشراف رئيس سجنها عيسى بن أبي جعفر الذي
تأثّر بشخصيّة الإمام عليه السلام، فكان لهذا أثر أيضاً في تمكين العلماء من الوصول
إليه بشكل سريّ ورواية الحديث عنه. وقد تكون السلطات في بغداد وَجِلت من أنباء
تأثير الكاظم على مَن حوله فطلب الخليفة من عيسى بن أبي جعفر أن يغتال الكاظم، فردّ
عيسى برسالة يقول فيها إنه اختبر الكاظم ولم يجد منه سوءاً ويطلب إعفاءه من تنفيذ
هذه المهمّة. فأمر الرشيد بحمل الكاظم إلى بغداد بعد أن قضى عاماً بحبس البصرة.
لمّا وصل الكاظم إلى بغداد حُبس في بيت الفضل بن الربيع. وقد يكون السبب في ذلك
الخشية من تأثير الكاظم عليه السلام على الناس. وبعد فترة غير معروفة أمر الرشيد
بإطلاق سراح الكاظم لكنّه بقي في بغداد تحت الإقامة الجبريّة. وخلال هذه الفترة كان
يلتقي بصورة متواصلة مع هارون ويخوضان المناقشات الدينية.
*شهادته
نقل هارون الإمام الكاظم عليه السلام إلى سجن السنديّ بن شاهك الذي جهد لإرهاق
الإمام عليه السلام. ثم إنَّ الإمام الكاظم عليه السلام لم يمت حتف أنفه، كما حاول
هارون أن يشيع، وإنّما جرى تسميمه. والمشهور أنّه عمد إلى وضع السمّ في الرطب وأمر
السنديّ أن يجبر الكاظم على أكله. ثمّ عمدت السلطات إلى تبرئة نفسها من أيّ
مسؤوليّة.
واستشهد عليه السلام في الخامس والعشرين من شهر رجب سنة 183هـ.
*باب الحوائج في بغداد
وضع الإمام عليه السلام، بعد ذلك، على جسر الرصافة في بغداد تنظر له المارة. ويرى
الشيعة أنّ القصد من ذلك هو إذلال الإمام والحطّ من كرامته.
ثم حمل الجنود نعشه وصاروا يصيحون: هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنّه لا
يموت، فانظروا له ميتاً. وحُمل الجثمان وسط الجماهير المجتمعة ليوارى في الثرى في
المقبرة المعروفة بمقبرة قريش حيث مرقده الآن في مدينة الكاظميّة.
ويعرف الإمام الكاظم عليه السلام عند أهل العراق بباب الحوائج إلى الله، وذلك
لقضائه حوائج المتوسّلين.
1- الوافي، الكاشاني، ج3، ص798.
2- م. ت، ج2، ص 352.
3- بحار الأنوار، المجلسي، ج48، ص 151.