مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أول الكلام: صاحب السجدة الطويلة


الشيخ بسّام محمّد حسين


يعدُّ السجود أعظم مظهر للخضوع بين يدي الله تعالى، لما فيه من فناء الأنانيّة وذلّ العبوديّة. وقد مدح الله تعالى الساجدين وجعل سجودهم من حالات القرب الإلهيّ، التي وصف بها أنبياءه وأولياءه عليهم السلام، فقال سبحانه: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ* وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ (الشعراء: 218-219)، وقال عزّ من قائل: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ﴾ (الحجر: 98)، ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ (الفتح: 29)، إلى غير ذلك من الآيات.

وقد عُرف الإمام الكاظم عليه السلام بسجوده بين يدي الله تعالى، فكان كثير السجود، بل طويل السجود. وممّا روي عنه في هذا المجال:

روى هشام بن أحمر: "كنت أسير مع أبي الحسن عليه السلام في بعض أطراف المدينة، إذ ثنّى رجله عن دابته، فخرّ ساجداً، فأطال وأطال، ثمّ رفع رأسه وركب دابته، فقلت: جعلت فداك قد أطلت السجود؟ فقال عليه السلام: إنّني ذكرت نعمة أنعم الله بها عليّ، فأحببت أن أشكر ربّي"(1).

وروي: أنّه عليه السلام كان يصلّي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح، ثمّ يعقّب حتّى تطلع الشمس، ويخرّ لله ساجداً فلا يرفع رأسه من الدعاء والتمجيد حتّى يقرب زوال الشمس. وكان عليه السلام يدعو كثيراً فيقول: "اللهم إنّي أسألك الراحة عند الموت، والعفو عند الحساب"، ويكرّر ذلك. وكان يبكي من خشية الله حتّى تخضلّ لحيته بالدموع.

"العبد الصالح" لقبٌ لطالما أُشير به إلى الإمام الكاظم عليه السلام؛ لكثرة عبادته واجتهاده. وقيل: إنّه دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسجد سجدة في أوّل الليل، وسُمع وهو يقول في سجوده: "عظم الذنب من عبدك، فليحسن العفو من عندك، يا أهل التقوى، ويا أهل المغفرة" وجعل يردّدها حتّى أصبح(2).

وعندما دخل عليه السلام سجن هارون الرشيد، كان يرى ذلك من النعم الإلهيّة عليه، ويقول في دعائه وهو محبوس: "اللهمّ إنّك تعلم أنّي كنت أسألك أن تفرّغني لعبادتك، اللهمّ وقد فعلت فلك الحمد"(3).

أمّا عن حاله في السجن، الذي كان محراب عبادته عليه السلام، فقد روى عن ذلك أحمد بن عبد الله، عن أبيه قال: "دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح، فقال لي: أشرف على هذا البيت وانظر ما ترى؟ فقلت: ثوباً مطروحاً، فقال: انظر حسناً، فتأمّلت فقلت: [رجلاً ساجداً]، فقال لي: تعرفه؟ هو موسى بن جعفر عليه السلام، أتفقّده الليل والنهار فلم أجده في وقت من الأوقات إلّا على هذه الحالة، إنّه يصلّي الفجر فيعقّب إلى أن تطلع الشمس، ثمّ يسجد سجدة، فلا يزال ساجداً حتّى تزول الشمس وقد وكّل من يترصّد أوقات الصلاة، فإذا أخبره وثب يصلّي من غير تجديد وضوء، وهو دأبه، فإذا صلّى العتمة أفطر، ثمّ يجدّد الوضوء، ثمّ يسجد فلا يزال يصلّي في جوف الليل حتّى يطلع الفجر"(4).

عبادة مستمرّة وسجدةٌ قليلٌ إن قيل عنها "طويلة"، كلّ يوم بعد انقضاض الشمس إلى وقت الزوال، حتّى قال عنه هارون لمّا رآه: أما إنّ هذا من رهبان بني هاشم!(5).

فسلام عليك يا مولاي، يا صاحب السجدة الطويلة، والدموع الغزيرة، يوم ولدت، ويوم مضيت شهيداً، ويوم تُبعث حيّاً.

1- الكافي، الكلينيّ، ج 2، ص 98.
2- الإرشاد، المفيد، ج 2، ص 231- 232.
3- (م. ن.)، ج 2، ص237 وما بعدها.
4- مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 4، ص 318.
5- عيون أخبار الرضا عليه السلام، الصدوق، ج 1، ص 88.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع