نهى عبد الله
ترافقا في سفر معرفة الله. وضع الأوّل شرطاً لرفقة الثاني: الصبر والتروّي، وحذّره لأن مسيره لغزٌ لن يُبيّن أسراره حتى نهاية السفر. أمّا الثاني فقد تعهّد بالصبر والتريّث ﴿سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ (الصافات: 102) وعدم الحكم قبل بيان السرّ، فكان شرط ذلك السفر.
خرق الأوّل سفينة الفقراء، واستنكر فعلَه الثاني، فذكّره بعهد الصبر ﴿لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ (الكهف: 67). ثم قتل غلاماً فتيّاً، فاستنكر الثاني قتل نفسٍ بغير نفس، فذكّره صاحبه بصعوبة العهد. وأخيراً، حين أصلح الأوّل جداراً في مدينة البخلاء، استنكرَ الثاني مقابلة سوئهم بعمل لا يصلحهم، بل ربما يزيدهم طمعاً وسوءاً، فكان الاستنكار الأخير حين أعلن له الأوّل ﴿هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ﴾ (الكهف: 78).
كان السفر خاصّاً، وكان الثاني نبيّاً معصوماً، طلب في هذا السفر علماً خاصاً علّمني ﴿مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ (الكهف: 66)، فيما كان الأوّل وليّاً مأموراً بأمر خاصّ، له ظروفه الخاصة، وكان استنكاره طبيعياً ﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا﴾ (الكهف: 68)؟!؛ فلمَ ترافقا إذا كانا سيفترقان؟
ربما لنكتشف على الأقل، أنّ ظواهر الأمور في حياتنا البسيطة والخاصّة هي النظام الحاكم، لكنّها لا تمنع من احتوائها أسراراً خاصة، تحتاج للتعامل معها ومعالجتها حرفة الصبر. وتحمّل عبء هذا الصبر قد يكون بدايات الحكمة. والقانونان معاً، هما الحياة. فلا نتسرّع في إصدار الأحكام بسهولة، لأنّ الصبر مسيرةٌ شاقّة قبل معرفة السبب، "فإذا عُرف السبب، بطل العجب". هذا إن أتيحت معرفته.