مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الآداب المعنوية للصلاة: في التطهيرات الثلاثة



إن الطهارة شرط أساسي للصلاة، فقد جاء في الروايات الشريفة: "لا صلاة بدون طهور". ولكي يتمكن المصلي من نيل حقيقة الصلاة فعليه أن يطهر ظاهره وباطنه من جميع الأرجاس والقذارات. لأن للصلاة ظاهراً وباطناً ولبطونها بطون أيضاً، هي المسماة بمراتبها الباطنية. فبحسب مرتبة طهارة المصلي يدرك مرتبة الصلاة الموازية لها.

وحيث إن الحديث يدور حول الآداب المعنوية للصلاة والأحكام الباطنية للعبادات فسنترك الحديث عن الطهارة الظاهرية للأبحاث الفقهية والرسائل العملية للفقهاء أعلى الله كلمتهم.

إن الطهارة الظاهرية التي تشمل الوضوء والغسل والتيمم هي الطريق إلى الطهارة البانطية، ومنها يتمكن السالك من عبور مراتب الطهارة وإزالة القذارات بشرط رعاية شؤونها. يقول الإمام الخميني قدس سره:

"فليعلم أنه طالما كانت حقيقة الصلاة هي العروج إلى مقام القرب والوصول إلى مقام حضور الحق جلّ وعلا، فللوصول إلى هذا المقصد الأعلى والغاية القصوى لا بد من طهارات غير هذه الطهارات [الظاهرية]".

إن الوصول إلى مقام الصلاة الحقيقي والعروج إلى مقام القرب الرباني لا يمكن أن يتحقق بدون الطهارة من الأرجاس المعنوية التي هي موانع هذا السلوك وأشواك هذا الطريق:
"وأشواك هذا الطريق وموانع هذا العروج هي قذارات لا يتمكن السالك مع اتّصافه بواحدة منها من الصعود إلى هذه المرقاة والعروج بهذا المعراج" (الآداب المعنوية). وهكذا فعلى المصلي أن يتعرف إلى هذه الموانع والقذارات لكي يتمكن من إزالتها والتطهر منها ويرد إلى حرم الصلاة بأمن واطمئنان.
"ويلزم للسالك إلى الله في بداية الأمر رفع الموانع أولاً لكي يتّصف بالطهارة ويتيسّر له الطهور الذي هو عالم النور. وما دام السالك لم يتطهر من جميع القذارات الظاهرية والباطنية، العلنية والسرية لا يكون له أي حظ من المحضر والحضور".

فما هي هذه القذارات المعنوية، وكيف يتم تطهيرها؟
يعدد الإمام بعد مرتبة القذرة البدنية ثلاثة أنواع من القذارات وهي:
1. قذارة المعاصي الجوارحية الظاهرية.
2. قذارة الأخلاق الفاسدة.
3. قذارة فساد القلب وهي تعلقه بغير الله تعالى.
ويوجد ثلاثة أنواع من القذارات التي بإزائها ثلاث مراتب من التطهير وهي خاصة بالأولياء لم يذكرها الإمام في كتاب الآداب المعنوية للصلاة حيث يقول:
"وحيث إن هذه الرسالة قد كتبت وفق ذوق العامة فقد أمسكنا عن التطهيرات الثلاثة للأولياء..." (الآداب).

1. المرتبة الأولى:
التطهر من قذارة المعاصي الظاهرية.
يقول الإمام الخميني قدس سره:
أ. "... وليعلم أن جميع القوى الظاهرية والباطنية التي أعطانا الله إياها وأنزلها من عالم الغيب هي أمانات إلهية، وقد كانت طاهرة عن جميع القذارات. وكانت طاهرة عن جميع القذارات. وكانت طاهرة مطهّرة بل كانت متنورة بنور الفطرة الإلهية وبعيدة عن ظلمة تصرف إبليس وكدورته...".

ب. "...فلما نزلت إلى ظلمات عالم الطبيعة وامتدت يد تصرف شيطان الواهمة ويد الخيانة الإبليسية خرجت عن الطهارة الأصلية والفطرة الأولية وتلوثت بأنواع القذارات والأرجاس الشيطانية".
وهذا الأمر يعني أن أعضاء الإنسان وجوارحه من حيث الأفعال طاهرة بالأصل، وأن الإنسان هو الذي يدنسها بكدورة المعاصي حينما تمتد إلى حرمات الله تعالى.. يقول الإمام: "فأحد الموانع الكبيرة لهذا السلوك هو قذارات المعاصي التي لا بد أن تطهر بماء التوبة النصوح الطاهر الطهور".

ولكن بعض الناس قد يتصورون أنه بإمكانهم عبور المراتب المعنوية والدخول إلى المقامات الباطنية دون تطهير المقامات الظاهرية. وحسبما يقول الإمام فإن "هذا الظن غرور من الشيطان ومن مكائده العظيمة لأن الكدورات والظلمات القلبية تزداد بالمعاصي".

بالطبع، القلة من الناس قد يذكرون هذا الأمر بشكل نظري، ولكن أكثر هؤلاء الذين يسلكون طريق المعنويات يشتبهون من الناحية العملية حيث يدخلون في برامج تهذيب الباطن قبل التخلص من عشرات المعاصي الجوارحية.. قد يكون أحدنا مبتلًى بكثرة الكلام أو مرض الغيبة [مرض اللسان] وهو يتوقع أن يصبح من أصحاب المقامات والمشاهدات الملكوتية. وهذا اشتباه محض ناشئ من الجهل بمقامات الإنسان ومراتبه النفسية. فإن الظاهر هو القناة إلى الباطن وأن الباطن ينعكس ويظهر في الأعضاء والجوارح. فمن أراد طهارة الباطن ونورانية القلب عليه أن يبدأ من الظاهر ولا يمكن أن يسري النور الإلهي في مملكة وجود الإنسان بغير هذه الطريقة. وإذا كنا نظن أنه من الممكن أن يكون القلب نورانياً والأعضاء متكدّرة بظلمة المعاصي فهذا الظن خاطئ وبعيد عن الصواب. لأن الأعضاء والجوارح صورة الباطن تأتمر بإمرة القلب. فإذا كان القلب حقانياً فسوف تكون مملكة الإنسان الظاهرية حقانية. وعندما نجد في أنفسنا صدور الأفعال المخالفة للشرع الأنور، أي صدور المعاصي فلنعلم يقيناً أن القلب ما زال بعيداً عن الحق ولم يذعن لسلطان الحق حتى الآن.

يقول الإمام الخميني قدس سره:
"ولا يظنن أحد أنه يمكن أن يرقى إلى مقام حقيقة الإنسانية من دون تطهير ظاهر مملكة الإنسانية.." (الآداب).
وإلى هنا نكون قد ذكرنا المرتبة الأولى من مراتب التطهير وسوف نكمل الحديث بإذن الله عن المراتب الأخرى في العدد المقبل.

وقد تحصل مما مر النقاط التالية:
1. إن للصلاة ظاهراً وباطناً.
2. ولا يمكن تحقق حقيقة الصلاة بدون الطهور.
3. وللوصول إلى باطن الصلاة لا بـ"من الطهور الباطني.
4. وحيث إن القذارات الباطنية على مراتب فالطهور الباطني على مراتب أيضاً.
5. وأول مراتب الطهور المعنوي هو الطهارة من قذارة المعاصي الجوارحية.

ما لم يتخلص الإنسان من المعاصي الظاهرية والأخلاق الفاسدة والتعلق بغير الله تعالى، فلن يتمكن من الرقي إلى مقام حقيقة الإنسانية.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع