مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الآداب المعنوية للصلاة: الحفاظ على العبادة من الشيطان


إن الشيطان الرجيم الذي هو عدو الإنسانية اللئيم منذ أن طرد من جوار رب العالمين بسبب استكباره وشقوته وهو يتوعد الإنسان ويقطع أمامه الطريق إلى كماله: ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ .

هذا الصراط الذي ينتهي إلى الله: ﴿إنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ لا يمكن أن يتحقق في حياة البشر إلا بالعبودية الخالصة: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين فإبليس اللعين يعلم أنه لن يقدر على أولئك الذين ساروا في صراط العبودية الخالصة، ولذلك فهو قد قطع الأمل في غوايتهم وإخراجهم عن طريق كمالهم الحقيقي، ولكنه ما زال يطمع في إضلال السالكين الذين لم يصلوا بعد إلى الخلوص الذاتي.

وسر ذلك، أن الشيطان إنما يحتاج لإعمال غوايته ووسوسته إلى أرضية مناسبة وساحة ملائمة. والساحة الملائمة التي يمكن أن تستمع إلى الإغواء هي ساحة مشابهة ومسانخة للحقيقة الإبليسية: ألا وهي ساحة الاستعلاء والأنانية ورؤية النفس.

إن كل مخلوق لا يفهم إلا على من يخاطبه بلغته، ولا يعاشر ولا يلائم إلا من يشابهه في نفيته، وإبليس هذا لا يمكنه أن يخاطب إلا من يستمع إليه ويفهم لغته: لغة الاستكبار والاستعلاء.
أما عندما يخرج الإنسان من ذل الأنانية وحب النفس والاستغراق في النظر لها، فإن إبيس لن يجد ما يمكن أن ينفذ من خلاله، وبالتالي لن يتمكن من الإضلال والإغواء.

وإذا أراد هذا السلك أن ينعتق من أسر الأنانية والاستعلاء، فليس عليه إلا أن يدخل في عز طاعة الإله والفناء في إرادته ون هذا الرجوع والامتثال يمثل ضربة قاصمة للأهواء الذاتية وتحطيماً للصنم النفساني الذي هو أبو الأصنام: ﴿فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاه .

فالعبودية لله والخضوع لإرادته هي أركان الخروج من تأثيرات إبليس اللعين الذي يريد للإنسان أن يكون في أسفل السافلين. فماذا يفعل إبليس عندها؟
إنه يعمل جاهداً لأجل منع الإنسان من الدخول في خط العبودية، فإذا لم يقدر لا ييأس، بل يحاول جاهداً أن يتصرف في هذه العبادة، فيزينها لصاحبه لتكون حجاباً غليظاً بدل أن تكون عاملاً وحيداً لنجاته والوصول إلى كماله.

إبليس هذا يعلم كيف يأتي كل واحد منا، فهو يعلم أن بعضنا لا يفكر بالحرام لذلك من غير المناسب أن يوسوس لنا بارتكاب المحرمات منذ البداية. فيجدنا نحب العبادة، ونتلذذ بها، فيأتينا عبرها متصرفاً، لتكون النتيجة أن تفقد العبادة جوهرها وأصلها الذي قامت عليه إلا وهو خرق حجاب الأنا والفناء التام في إرادة الله، ولا بأس عندها، بالنسبة للشيطان، أن يبقى أحدنا مصلياً طالما تكون الصلاة عاملاً لضلاله. "فلعل خمسين سنة من الصلاة لا تزيد القلب إلا كدورة وظلمانية، ذلك لأننا نكون قد اقتنعنا من الصلاة بقشيرها وظاهرها". (الآداب المعنوية للإمام).

من هنا لا يكفي لمن يريد أن يتحرر من وسوسات عدوه الماكر أن يدخل في زمرة المصلين، بل يجب عليه أن يلتفت دائماً إلى هذا الخبيث الذي سيستعمل الصلاة وسيلة لشن المزيد من الهجمات وإخراجنا من صراط القرب. لهذا قال إمامنا الراحل- قدس سره-: "من الآداب القلبية للصلاة وغيرها من العبادات: الحفاظ عليها من التصرفات الشيطانية. وهذا الحفاظ يعد في الوقت نفسه من أمهات الآداب القلبية. أما القيام به فإنه من عظائم الأمور وأدق المشكلات (الصعوبات)" (الآداب- ص 52).

ويذكر الإمام قول الله تعالى في وصف المؤمنين الذين هم على صلواتهم يحافظون، فيعتبر أن هذا الحفاظ يتجلى بأهم مراتبه في منع تصرفات الشيطان.

إن الإنسان إذا لم يراقب غذاءه ولم يعتن بنظافته، فإنه سيتعرض للآفات من الفساد والتعفن، وتكون النتيجة أن يصاب بشتى أنواع الأمراض التي تؤدي إلى هلاكه. فغذاء الأبدان هو الطعام اللائق لها ولا بد من رعاية أصوله.

أما روح الإنسان، فإنها بالإضافة إلى خفائها عند الكثيرين تتطلب غذاء مميزاً وكبيراً للغاية. بل أن استعمال وصف الكبير هنا ليس دقيقاً، لأن الروح لا تقاس بالجهات المادية لعظم سعتها ومرتبتها الوجودية، ولكن هذه السعة هي في عين الفقر والاحيتاج، فجوعها أشد وطلبها أعظم. كما أننا إذا أردنا أن نقارن مدى احتياج الفيل للغذاء مقارنة مع احتياج النملة (مع ضعف المثال طبعاً).

من هنا، فإن الغذاء المناسب للروح لا يمكن أن يحدد بحد،  بل يكون من عالمها. قال الإمام الخميني قدس سره: "والغذاء المناسب لنشأة الأرواح هو المعارف الإلهية، اعتباراً من معرفة مبدأ المبادئ للوجود إلى منتهى النهاية للنظام الوجودي، وكذلك.. فإن تغذي القلوب يستمد من الفضائل والمناسك الإلهية".

فهذه الروح لها مراتب عديدة كالعقل والقلب، وعلى الإنسان أن يعطي لكل مرتبة غذاءها. فللعقل العلم، وللقلب العبادة والفضائل. ثم يضيف إلى هذا، الحفاظ على هذين الغذائين من تصرف إبليس اللعين. فماذا تكون النتيجة؟

"وليعلم أن كلا من هذه الأغذية إذا خلص من تصرف الشيطان، وأعد على يد الولاية للرسول الخاتم وولي الله الأعظم صلوات الله عليهما وآلهما، يتغذى الروح منه والقلب، فينالا الكمال اللائق بالإنسانية، ويعرجان إلى الله" (الآداب- ص 53).

فالغذاء هو المعارف الإلهية المصحوبة بالعبادات الشرعية، وهذا الغذاء ينبغي أن يكون من إعداد ولاية الرسول وأمير المؤمنين عليهما السلام وعلى آلهما.

وكيف يمكن أن يحصل الخلاص من تصرف إبليس؟
يقول إمام العارفين في الآداب المعنوية:
"ولا يحصل الخلاص من تصرف الشيطان، هذا الخلاص الذي هو مقدمة للإخلاص الحقيقي، إلا أن يكون السالك في سلوكه طالباً لله، ويضع حب النفس وعبادتها الذي هو المنشأ للمفاسد كلها وأم الأمراض الباطنية تحت قدميه".

ويعلم من هذا الكلام أن مجرد حصول التوجه الأولى في نفس السالك إلى الله ممكن ومتيسر على نحو الإجمال، وهو مقدمة للإخلاص الحقيقي.
ولا شك أنه يتطلب جهداً خاصاً: "فعلى سالك طريق الآخرة- لزوماً حتماً- أن يخلص معارفه ومناسكه من تصرف الشيطان والنفس الإمارة مهما بلغ من الجهد وأن يغوص في تحركاته الباطنية وتغذياته الروحية" (الآداب).

ورغم أنه قد يكون شديداً إلى الدرجة التي قد يحمله على الترك والإعراض عن هذا المسير المعنوي: "ولكن على السالك ألا ييأس من الألطاف الباطنية (الخفية) لله سبحانه، فإن اليأس من روح الله رأس كل برودة و فتور ومن أعظم الكبائر" (الآداب؛ ص 53).

ومن الشروط الأخرى الضرورية للحفاظ على العبادة من تصرف إبليس:
"ولا يغفل عن حيل النفس والشيطان وحبائل النفس الإمارة وإبليس- وأن يسيء ظنه بشكل كامل في جميع حركاته وأفعاله- ولا يخلي نفسه على رسلها آناً ما".

وهكذا يمكن عدّ الشروط الأساسية لتحصيل الخلاص من تصرف إبليس حسبما ذكره الإمام الخميني قدس سره:
أولاً: التوجه الأولى إلى الله وطلب لقائه.
ثانياً: ترك حب النفس وعبادتها.
ثالثاً: بذل الجهد لتخليص معارفه ومناسكه.
رابعاً: عدم اليأس من روح الله ورحمته.
خامساً: الالتفات إلى حيل النفس والشيطان.
سادساً: إساءة الظن بأفعاله وحركاته.
سابعاً: عدم ترك النفس آناً ما.

وجميع هذه الشروط التي ذكرها الإمام تحتاج إلى شرح تفصيلي ربما يحتاج إلى عشرات الصفحات، بل الكتب. ولكن لا بأس بذكر بعضها على سبيل الإجمال.

1- فإن التوجه الأولي إلى الله يحصل بعد إدراك حقيقة الغاية التي خلق الإنسان لأجلها، والعلم الإجمالي بفناء هذه الدنيا وزوالها. وعلى السالك أن يعمق هذه المعارف في نفسه من خلال التفكر الدائم والعبادة المستمرة.

2- أما ترك حب النفس وعبادتها، فإنه وإن كان لا يحصل بتمام معناه إلا عند الإنسان الكامل واتباعه من خلص أوليائه، إلا أن الطلب المستمر والتوجه الدائم يقرب الإنسان من نجاته: "إن لله في أيام دهركم نفحات، إلا فتعرضوا لها ولا تعرضوا عنها".

كذلك قال إمامنا الكاظم عليه السلام: "كن لما لا ترجو أرجى مما ترجو، فإن موسى عليه السلام خرج يقتبس ناراً لأهله فرجع نبياً..".

3- وتخليص المعارف والمناسك إنما يحصل من خلال التعلم والغوص في الحركات الباطنية والأغذية الروحية، وذلك باتباع المراقبة، والمواظبة عليها.

4- وعندما يعلم السالك أن رحمة الله وسعت كل شيء، وإذا آمن بقدرة الله المطلقة وأن الله لا يعجزه شيء. فلن يكون عزيزً (صعباً) على الله أن يشمله بلطفه مهما كان. وقد ورد في الأحاديث الشريفة: "ما عبد الله بأفضل من حسن الظن به".

5- ولأجل الالتفات إلى حيل النفس والشيطان ينبغي الاستماع الدائم المواعظ البليغة وخصوصاً لعارف مجرِّب وأستاذ حكيم.

6- أما سوء الظن بأفعاله وحركاته فهو من علامات المتقين وشيمة الأبرار لأنه إدراك لحقيقة النفس التي هي عين الظلم والجهل كما قال تعالى. ﴿إنه كان ظلوماً جهولاً.
وقال عزّ من قائل: ﴿والعصر * أن الإنسان لفي خسر.
فأثبت للإنسان ظلمه وخسرانه، وقال سبحانه: ﴿إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، مستثنياً من النفوس ما شملته رحمة الله تعالى.

7- وهذا ينجر إلى المواظبة على سوء الظن وعدم ترك النفس تسير على رسلها وتختار ما يحلو لها لأنها هالكة حتماً: إلهي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً فإنك إن وكلتني إليها هلكت".

أما عاقبة إهمال هذا الأدب فهي أن يقع الإنسان فريسة ألد أعدائه ويصبح شيطانياً؛ لأن إبليس يكون هو المعد لغذائه:
"ومن المعلوم أن معجوناً هُيىء وأعد بيد العفريت الخبيث، وبتصرف النفس الطاغية لا يتولد منه إلا الخلق الشيطاني، وحيث أن القلب يتغذى من تلك الأغذية على أي حال وتصير الأغذية صورة باطنية للنفس، فبعد أن يداوم عليها مدة يصير الإنسان وليداً من مواليد الشيطان قد تربى على يده ونشأ ونما تحت تصرفه. فإذا أغمض عينه الملكية وانفتحت عينه الملكوتية يرى نفسه واحداً من الشياطين، فلا نتيجة في تلك الحال سوى الخسران، ولا تغني، عنه الحسرات والندامة شيئاً" (الآداب- ص 55).
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع