* نهج الإمام العرفاني
بعد أن تعرّفنا على أهمّ أسباب تأليف الإمام لكتاب الآداب المعنوية للصلاة، نقف قليلاً عند نقطة مهمّة للغاية، تتعلّق بالكاتب وموقع الكتاب منه.
إنّ حديثنا عن شخصية الإمام الخميني قدس سره التي سطعت بنورها الباهر في أرجاء العالم واستحوذت على عشق الملايين وأضحت لسنوات عديدة – وما زالت حديث كل مهتم وعامل، لن يزيد القراء الأعزاء علماً عمّا قرأوه في الكتب والمجلات وسمعوه في المحاضرات والخطب ولكن الحديث عن موقعية هذا الكتاب الجليل من الإمام أو بتعبير آخر: ما هو الأمر الذي يمكن أن نفهمه في شخصية الإمام ونهجه من خلال قراءة "الآداب المعنوية للصلاة"؟
* الإمام: عارف ليس كبقية العرفاء
حقاً، ماذا كنّا نعرف عن العرفان ودوره في حياة الإنسان وبماذا أطلّ علينا الإمام.
لولا تلك الشهرة وهذه الكتب وتلك الكلمات التي كان يردّدها في بياناته وخطبه هل كنا سنصنف الإمام كعارف كبير؟!
هل قدّم الإمام نفسه كأحد العرفاء وهل طلب من الآخرين أن ينادوه بهذا اللقب؟! أم أنّ الآخرين ممن لهم باع طويل في علم العرفان قد وقفوا على عتبته العرفانية خاشعين؟!
وهل سمعنا يوماً – وخصوصاً قبل انتصار الثورة – أنّ الإمام كان له مجلس عرفاني خاص، أو مريدون وطلاّب؟!
هل أقام الإمام حلقات الذكر العرفانية المشهورة أو ادّعى تأسيس مدرسة أو طريقة خاصّة به؟
ربّما من يقرأ هذا الكتاب سيتمكّن من معرفة منشأ هذه التساؤلات كافّة وسيعرف أنّ الإمام كان عارفاً، ولكن ليس كبقيّة العرفاء!.
ومن عنوان الكتاب يتساءل المرء عن سرّ اختيار الصلاة وإذا لم يدركه فإنّه سيقول إنّ الإمام أراد أن يشرح أسرار بعض العبادات التي تساهم في سير الإنسان التكاملي وسلوكه إلى الله تعالى؟
ولكن اختيار الإمام للصلاة جاء تعبيراً واضحاً عن رؤيته المنهجية لعالم العرفان. فهو قدّس سره – يرى في الصلاة التعبير الأكمل لصدق السير الإنساني وحقانيته، كون الصلاة تمثّل حالة العبودية الصافية التي لا يشكّ أحد بأنّها إحدى التشريعات الأساسية للإسلام.
ولفهم هذا المطلب جيداً لا بدّ أن نتصوّر ما كان عليه الكثيرون ممن سلكوا هذا الطريق أو كونوا تصورات تفصيلية عنه.
لقد كنّا نتصوّر أنّ العرفان يعني تلك الحالات الخارقة التي تصدر من أشخاص سلكوا طريقاً شاقاً لا يقدر عليه إلاّ القلّة القليلة التي منّ الله عليها بمواهب عقلية وروحية مميزة، وكنا نرى أنّ العرفان عبارة عن سلوك يشبه نقل الجبال برموش العيون كما كتب أحدهم.
اعتقدنا أنّ العرفان يتطلّب سلوك طريق الروحانيات والتفرّغ للعبادات الخاصّة والاشتغال الدائم بالأذكار وقراءة عشرات الأدعية اليومية ووصل الليالي بالأيام ثمّ جاء الإمام ليخبرنا أنّ العرفان وسلوك طريق الله والوصول إلى أعلى المراتب لا يتحقّق إلاّ بأداء الواجبات التي يمكن لأيّ إنسان أن يقوم بها وأنّ ميزان سلوك السالك إنّما يكون بحالة العبودية التي يعيشها في نفسه لله ربّ العالمين، وليس بكثرة الأعمال وتشعبها.
لقد اختار الإمام موضوع الصلاة ليقول لنا أنّ منهج العرفان الأصيل يبدأ من عمق التكاليف الإلهية وينتهي بها، وأنّ العبودية الحقّة هي الطريق الوحيد للوصول إلى الله تعالى.
"فمن سعى بخطوة العبودية ووسم ناصيته بسمة ذلة العبودية يصل إلى عز الربوبية والطريق للوصول إلى الحقائق الربوبية هو السير في مدارج العبودية فما فقد من الإنية والأنانية في عبوديته يجده في ظلّ الحماية الربوبية حتّى يصل إلى مقام يكون الحقّ تعالى سمعه وبصره ويده كما في الحديث الصحيح المشهور عند الفريقين.