مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

عبد الله بن رواحة: المجاهد بشعره وسيفه

ظافر قطيع

لمّا بلغت دعوة الإسلام أسماع أهل يثرب واستجابت قلوبهم لها، قدِم وفد منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يبايعونه على الإسلام والطاعة لله ولرسوله. وكان من بين هذا الوفد "النقباء" أحد وجوه أهل يثرب الذين استجابوا لله والرسول صلى الله عليه وآله وسلم. إنه عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو.

*نسبه وإسلامه
ينتهي نسب عبد الله بن رواحة إلى كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج، وكنيته أبو محمد. أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وشَهِد العقبة، وبدراً، وأُحُداً، والخندق، والحديبية وعُمرة القضاء والمشاهد كلّها، إلّا الفتح وما كان بعده، لأنه قُتل يوم مؤتة شهيداً(1).
كان عبد الله بن رواحة من الشعراء المحسنين الذين يردّون أذى المشركين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ وكان إلى جانب صاحبيه حسان وكعب بن مالك الذين نزل فيهم ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا الله كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا (الشعراء: 227) حيث جاء حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبكيان فأنزل الله الآية(2).

وقد روى هشام بن عروة عن أبيه، قال: سمعت أبي يقول: ما سمعت أحداً أجرأ، ولا أسرع شعراً من عبد الله بن رواحة. سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول له يوماً: قل شعراً تقتضيه الساعة وأنا أنظر إليك، فانبعث مكانه يقول:

إني تفرست فيك الخير أعرفه والله يعلم أنْ ما خانني البصرُ
أنت النبي ومن يحرم شفاعته يوم الحساب لقد أزرى به القدر
فثبّتَ الله ما آتاك من حَسَن تثبيت موسى ونصراً كالذي نُصروا(3)

فقال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "وأنت ثبّتك الله يا ابن رواحة".

وكان يقول وهم يبنون مسجد قباء - وهو أول مسجد بني في الإسلام - والرسول صلى الله عليه وآله وسلم معهم:
أفلح من يعالج المساجدا
ويقرأ القرآن قائما وقاعدا
ولا يبيت الليل عنه راقدا(4).


وقد بلغ من حرصه على طاعة أوامر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه أتى النبيّ وهو يخطب فسمعه يقول: اجلسوا. فجلس مكانه خارجاً من المسجد حتى فرغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خطبته، فبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: زادك الله حرصاً على طواعية الله وطواعية رسوله (5).

*جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
لقد كان عبد الله بن رواحة أحد المدافعين البارزين عن الإسلام، فكان في شعره ذاباً هجمات المشركين الإعلامية وفي سيفه مقاتلاً شجاعاً. وقد ذكر ابن وهب عن يحيى بن سعيد قال: كان عبد الله بن رواحة أول خارج إلى الغزو وآخر قافل(6).

في السنة الثامنة للهجرة جهّز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سريّة، بل جيشاً من المسلمين وأرسله إلى أطراف الجزيرة من جهة الشام وأَمّر على الناس زيد بن حارثة وقال: فإن قتل فجعفر بن أبي طالب فإذا أصيب فعبد الله بن رواحة فإن أصيب فليرتضِ المسلمون رجلاً فليجعلوه عليهم. فتجهّز الناس وتهيّأوا للخروج فودّع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسلّموا عليهم وودّعوا عبد الله بن رواحة فبكى. قالوا: ما يبكيك يا ابن رواحة؟ فقال: أما والله ما بي حبّ الدنيا ولا صبابة إليها ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ: ﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا (مريم: 71) فقال المسلمون: صحبكم الله وردّكم إلينا صالحين ودفع عنكم، فقال ابن رواحة:

لكني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذاتَ فرع تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حرَّان مجهزَة بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقولوا إذا مرّوا على جدثي يا أرشدَ الله من غازٍ وقد رشدا(7)


*جهاد يوم مؤتة وشهادته
ثم أتى عبد الله بن رواحة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فودّعه. وسار القوم حتى نزلوا معان في طرف بلاد الشام وهي في الأردن اليوم فبلغهم أن هرقل قد نزل بمآب [مدينة في طرف الشام] في مئة ألف من الروم ومئة ألف من المستعربة فأقاموا يومين، وقالوا: نبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنخبره بكثرة عدوّنا فإما أن يمدّنا وإما أن يأمرنا أمراً، فشجعهم عبد الله بن رواحة وقال: يا قوم والله إنّ الذي تكرهونه للذي خرجتم إليه تطلبون، الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة وما نقاتلهم إلّا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة(8). فمضوا إلى مؤتة ووافاهم من المشركين فجاءهم من لا قِبَلَ لأحد به من العدد والسلاح والكراع والديباج والحرير.

ولما أراد ابن رواحة أن ينزل إلى القتال خاطب نفسه مرتجزاً:

يا نفس إن لم تقتلي تموتي
هذا حِمامُ الموت قد صليت
وما تمنيت فقد أعطيت
إن تفعلي فعلهما [يعني زيداً وجعفراً] هديت
وإن توليت فقد شقيتِ


ولما نزل عبد الله بن رواحة للقتال بين الصفين طُعن فاستقبل الدم بيده فدلّك به وجهه فجعل يقول: يا معشر المسلمين ذبّوا عن لحم أخيكم فجعل المسلمون يحملون حتى يحوزوه فلم يزالوا كذلك حتى مات مكانه(9).

*شهادةٌ بالشهادة
لما أصيب القوم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فيما بلغني أخذ زيد بن حارثة الراية فقاتل بها حتى قتل شهيداً ثم أخذها جعفر بن أبي طالب فقاتل حتى قتل شهيداً. ثم صمت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى تغيّرت وجوه الأنصار وظنوا أنه قد كان في عبد الله بن رواحة ما يكرهون. فقال: ثم أخذها عبد الله بن رواحة حتى قتل شهيداً.

وقد حزن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مقتلهم. فلما كان اليوم التالي دخل رسول الله المسجد ثم تحدّث وتبسّم فأخبرهم بما كان منه من الحزن: كان الذي رأيتم مني أنه أحزنني قتل أصحابي حتى رأيتهم في الجنة إخواناً على سرر متقابلين ولقد رفعوا لي في الجنة [فيما يرى النائم] على سرر من ذهب فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازوراراً عن سريري صاحبيه، فقلت: عمّ هذا؟ فقيل لي: مضيا وتردّد عبد الله بعض التردّد ثم مضى فقُتل (10).

لقد ثبته الله أحسن الثبات يوم مؤتة استجابةً لدعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم قال له: "وأنت ثبّتك الله يا ابن رواحة"، فقُتل شهيداً وفتحت له الجنة فدخلها(11).


1- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البر، ج3، ص33.
2- تفسير مجمع البيان، الطبرسي، ج7، ص271.
3- الاستيعاب، م.س، ص900.
4- إمتاع الأسماع، المقريزي، ج10، ص75.
5- أسد الغابة، ابن الأثير، ج3، ص234.
6- الاستيعاب، م.س، ص898.
7- أسد الغابة، م.س، ص158.
8- تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج28، ص124.
9- أسد الغابة، م.س، ج3، ص159.
10- م.ن.
11- الوافي بالوفيات، الصفدي، ج17، ص89.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع