لقد حثت التعاليم الإسلامية على اكتساب المعارف والعلوم على أنواعها، وأكّدت عليها تأكيداً كبيراً، لا سيما على معرفة الله تعالى التي تأتي على رأس هذه المعارف، والتي لها فضل في خلق الإنسان الفاضل القانع، الراضي عن الله تعالى، والمرضّي من قبله تعالى ومن قبل المخلوقين. وذلك أن من شيم العارف بالله تعالى أن يتحلى بأخلاق الله، فينطق عن الله، ويعمل بأوامر الله، ويسعى لهداية خلق الله وإنقاذهم من الظلمات إلى النور، فيكون بذلك عامل هداية وخلاص للناس والمجتمع.
1: من هو العارف؟
قد يظن البعض أن العارف هو من عرف التوحيد، واطلع على صفات الله الجمالية منها والسلبية، وعرف أنه عادل لا يظلم مثقال ذرة، وتوصل إلى كل ذلك عن طريق الدليل والبرهان، فاقتنع عقله بهذه الأمور دون قلبه، وكانت معرفته بها علمية محضة مجردة عن العمل وتجسيد العبودية للمولى عز وجل.
ولا شك أن هذا ظن خاطئ، إذ أن من أهم سمات العارف أن يعيش معرفة الله سبحانه في قلبه، فيكون الله سبحانه حاضراً عنده في جميع حالاته، والدافع لكل حركاته وتوجهاته.
وعلى الرغم من أهمية المعرفة العقلية في الإسلام. إلا أنها لا تنال حظها من الكمال إلا إذا أرفقت بالمعرفة القلبية التي هي تجسيد القلب لما آمن وصدق به العقل. ومن هنا فإن العارف بعد أن يعرف ربه ويعرف نفسه الحقيرة في جنب الله تعالى، يعتقها وينزهها عن كل ما يبعدها عن الرحمة الإلهية ويرديها إلى أسفل سافلين. جاء عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "العارف من عرف نفسه فاعتقها ونزهها عن كل ما يبعدها ويوبقها ".
2: لا شك أن لمعرفة الله سبحانه غاية عظيمة قصد النبي صلى الله عليه وآله و سلم والأئمة عليهم السلام الوصول إليها من خلال أمرهم بها. وقد بيَّنوها في أحاديثهم، وأفادوا بأنها الخشية من الله سبحانه. وجدير بمن عرفه تعالى بعظمته وجلاله، أن يستشعر الخوف والخشية منه. جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "غاية المعرفة الخشية ". وجاء عنه أيضاً: "غاية العلم الخوف من الله سبحانه ".
3: فضل المعرفة:
إن لمعرفة الله فضائل كثيرة أقلها أن العارف بالله سبحانه، لا يمد عينيه إلى ما متّع به الأعداء من زهرة الحياة الدنيا، ويزهد في الدنيا إلى درجة تصبح في عينيه أقل مما يطؤه برجله، وينعم بمعرفة الله تعالى ويتلذذ بها، ويصبح الله سبحانه ومعرفته أنسه وصاحبه ونوره وقوته وشفاءه.
روي عن الصادق عليه السلام "لو يعلم الناس ما في فضل معرفة الله عز وجل، ما مدوا أعينهم إلى ما متّع الله به الأعداء من زهرة الحياة الدنيا، وكانت دنياهم أقل عندهم مما يطؤونه بأرجلهم، ولنعموا بمعرفة الله جل وعز، وتلذذوا بها تلذذ من لم يزل في روضات الجنان مع أولياء الله. إن معرفة الله أنس من كل وحشة، وصاحب من كل وحدة، ونور من كل ظلمة، وقوة من كل ضعف، وشفاء من كل سقم ".
4: ثمرات المعرفة
أول هذه الثمرات الزهد في الدنيا وانصراف النفس عن العالم الفاني. جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام: "يسير المعرفة يوجب الزهد في الدنيا ". وجاء عنه أيضاً: "من صحت معرفته انصرفت عن العالم الفاني نفسه وهمته".
ثاني هذه الثمرات هو مخافة الله التي تؤدي أيضاً إلى الزهد في الدنيا. عن الإمام الصادق عليه السلام: "من عرف الله خاف الله، ومن خاف الله سخت نفسه عن الدنيا".
ثالث هذه الثمرات هو تذليل الأسباب أمام العارف واستجابة دعائه. جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لو عرفتم الله حق معرفته لمشيتم على البحور ولزالت بدعائكم الجبال".
5: بماذا يعرف الله؟
إن الموصل إلى معرفة الله تعالى وإلى معرفة أي شيء آخر، هو الله سبحانه نفسه، فيه تعرف الأشياء، وبه يعرف هو تعالى، ولا طريق إليه إلا به، ولا ذال عليه إلا إياه. ورد في دعاء الإمام السجادعليه السلام: "بك عرفتك وأنت دللتني عليك ودعوتني إليك ولولا أنت لم أدرِ ما أنت".
"وسئل أمير المؤمنين عليه السلام: بم عرفت ربك؟ فقال: بما عرَّفني نفسه قيل وكيف عرّفك نفسه؟ فقال: لا تشبهه صورة ولا يحس بالحواس، ولا يقاس بالناس ".