من الأمور المهمّة التي يلزم التنبيه عليها، وينبغي للإخوان المؤمنين، ولا سيّما أهل العِلم - كثَّر الله أمثالهم - أن يجعلوها نُصب أعينهم، هي أنّهم إذا سمعوا أو قرأوا حديثاً لبعض علماء النفس وأهل المعرفة عليهم ألّا يرموه بالفساد والبُطلان بلا حجّة شرعية ولمجرّد أنَّ آذانهم لم تألفه، أو لكونه يعتمد مصطلحاً لا حظَّ لهم منه، ولا يهينوا أصحابه. إنّني أقسم بروح الحبيب أنّ كلماتهم - غلباً - هي شرحٌ لما بيّنه القرآن والحديث.
*المناجاة الشعبانية آمال العارفين
هل تَلَوتَ - مراراً - المناجاة الشعبانية الواردة عن الأمير وأولاده المعصومين عليهم السلام؟! وهل تفكّرت وتدبّرت في فقراتها؟! فإنّ الغاية القُصوى لآمال العارفين ومنتهى طموحات السالكين الفقرة الشريفة من هذا الدعاء الشريف: "إلهي، هب لي كمال الانقطاع إليك، وأنِر أبصارَ قلوبنا بضياء نظرها إليك حتّى تخرقَ أبصارُ القلوب حُجُب النور، فتصل إلى معدِن العظمة وتصير أرواحُنا مُعلّقة بعزِّ قُدسك"(1).
ما هو المقصود بالتعلُّق بـ"عزِّ القدس"؟!
هل أنَّ حقيقة "ولاحظته فصعق لجلالك"(2) هي غير ذلك "الصّعق" الوارد على لسان الأولياء؟!
في كلمات أيِّ عارف رأيتم أسمى ممّا ورد في هذا الحديث الشريف المروي في الكتب المعتبرة - للشيعة والسُّنّة -؟! والذي يمكن القول إنّه من الأحاديث المتواترة، إذ يقول (في الحديث القدسي):
"ما يتقرَّبُ إليَّ عبدٌ من عبادي بشيء أحبُّ إليَّ ممّا افترضتُ عليه، وإنّه يتقربُ إليَّ بالنافلة حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه، كنتُ إذاً سمعَهُ الذي يسمع به، وبصرهُ الذي يُبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها؛ إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيتُه"(3).
إنّ مرادنا الأساس (من هذا الإطناب) ليس تبرئة الساحة المقدسة (لأولئك العظام) من هذه الألواث، فإهانة الخلق واحتقارُهم لا تذُلُّ عبداً عند الله إذا كان زكيّاً، بل إنّها تزيد حسناتهم.
*الالتفات إلى المعارف الإلهيّة
إن الحظوظ الدنيويّة إذا كانت ضئيلةً، قد يجبرها الله تعالى في الآخرة بفضله الواسع، لكنّ أكبر مقصودنا هو جلب النظر إلى المعارف الإلهيّة وتهذيب الباطن، فكلاهما من المهمّات، بل إنّهما غاية بعثة الأنبياء وإنزال الكتب.
أيها العزيز؛ لا تقع في وساوس الشيطان، فيُقنعك بما لديك. تحرّك قليلاً وتجاوز الصورة الجوفاء والقشر الخاوي. أخضع أخلاقك الذميمة وحالاتك النفسيّة للدراسة والمُحاسبة، مستأنساً بكلمات أئمّة الهدى عليهم السلام وكلمات كبار العلماء، ففيها بركات.
إذا كنت - فرضاً - لا تقُرُّ بالعظمة لأحد من العرفاء؛ فاتَّبع كبار علماء المعرفة والأخلاق الذي يُجمع العلماء على قبولهم، مثل حضرة العارف بالله والمجاهد في سبيل الله مولانا السيد ابن طاووس رضي الله عنه وشيخ أرباب المعرفة مولانا محمد تقي المجلسي رضي الله عنه.
واقرأ من كُتب العلماء المعاصرين، كتب الشيخ الجليل العارف بالله الحاج ميرزا جواد التبريزي قدس سره(4)، فلعلّك تخرج من هذا الامتناع (الرفض) والتعسُّف - إن شاء الله - ولا تقضِ عمرك بالبطالة خالياً، كحال الكاتب، من جميع مقامات المعرفة والإنسانية؛ فإنّك - لا سمح الله - لو رحلت عن هذا العالم بهذه الحال، كانت عاقبتك حسرات وندامةً لا تُجبَر، وظلمات وكدورات لا تنتهي.
(1) مقطع من المناجاة الشعبانية، بحار الأنوار، ج91، ص97.
(2) مقطع آخر من المناجاة الشعبانية.
(3) أصول الكافي، م.س، ج4، ص53.
(4) هو الميرزا جواد آقا، المشهور بالملكي التبريزي، عالم فاضل أخلاقي، توفي عام (1344هـ.ق) في مدينة قم، له مؤلّفات أخلاقيّة وعرفانيّة منها كتاب (أسرار الصلاة) ورسالة (لقاء الله).