نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

النفس أمُّ الحجب والموانع



علمنا أن الله تعالى قد زود الإنسان بإمكانيات عظيمة، أهمها قابليته، من بين سائر الموجودات- للوصول إلى قمام الإطلاق. فحقيقة الإنسان وهويته الأصيلة هي الروح التي قال عنها خالقها:
"...ونفخت فيه من روحي"
أي أن البعد الجوهري للإنسان هو التجرد عن المادة المحدودة الفانية. إن المادة هي التي تتصف بالمحدودية والنقص وضيق السعة مهما كانت، أما الروح فإنها تتصف بالبعد الاطلاقي والوعاء اللامتناهي.

هذا هو الإنسان في أصل خلقته محتاج إلى الله وفقير إليه لا إلى الزائل المحدود.والله تعالى صاحب العطاء المطلق الذي لا يمكن أن يمنعه مانع لأن القوة له جميعاً. وفي مقابل قوته لا وجود لأية قوة أو تأثير.
فالعطاء موجود والوعاء حاضر، فلماذا نجد أكثر الناس ليس لهم ألاحظ محدود من هذا العطاء والكمال المطلق؟


هنا يوجد ثلاثة احتمالات لا رابع لها هي التي تمنع الإنسان من استقبال فيض الله المطلق، وهي:

الاحتمال الأول: أن يكون الله هو المانع.

الاحتمال الثاني: وجود موانع خارجة عن إرادة الإنسان.

الاحتمال الثالث: الإنسان هو الذي يمتنع عن استقبال الفيض.

أما الاحتمال الأول، فهو يعني أمرين: أما أن يكون الله عاجزاً عن إيصال هذا الفيض مع امتلاكه له، وإما أنه لا يريد ذلك. وهذا يعني أن قدرة الله محدودة: مقولة بني إسرائيل بحق الله: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِين.

الله صاحب القدرة المطلقة، فلا يتصور بحقه العجز، وهو الحكيم العادل الذي لا يظلم أحداً بمعنى أن يمنع عنه ما يستحقه من كمال.
فإذا كان مقتضى الخلقة الإلهية جعل الإنسان محتاجاً وفقيراً إلى عطاء الله المطلق. فالمنع من جانب الله مخالف للحكمة، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

إن الله خلق الإنسان ليرحمه بتيسير سبل الكمال له:
﴿إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ "هود/119".
فهذا الاحتمال ساقط ولا وجود له.

والاحتمال الثاني: يفيد بأن يكون هناك من العوامل الخارجة عن إرادة الإنسان ما يمنعه من استقبال الفيض الإلهي. ونحن هنا سندرج جميع العوامل المحتملة لنرى إذا كان من الممكن أن تمنع الإنسان وتحجبه:
1- الفقر والحرمان المادي.
2- المرض والعوائق الجسدية.
3- السجن أو عدم القدرة على الخروج من المكان.
إن العوامل الخارجية لا تشكل مانعاً حقيقياً عن استقبال الفيض الإلهي لأنها لا تفقد الإنسان الإرادة للتغيير.
4- الشواغل.
5- الوراثة.
6- البيئة.
7- التربية.

تعتبر هذه العوامل ذات التأثير الكبير على حياة الإنسان أهم ما يتذرع به لتبرير حرمانه المعنوي. فنحن غالباً ما نبرر لأنفسنا هذا البعد والجفاء عن رب العزة، وهذا الانغماس في لجة الذنوب والعصيان، معتبرين أن هناك عوامل خارجة عن إرادتنا هي السبب في ذلك.

فرب قائل يقول: إن انشغالي بتحصيل المعاش هو الذي يمنعني عن طلب العلم وتحصيله. وهذا القائل يعلم جيداً أن العلم كمال معنوي وأنه علامة على العلاقة القوية بالله، ومن جانب آخر فإنه يرى تحصيل هذا الكمال في قراءة الكتب وحضور الدروس أو التفرغ لطلب العلم.وآخر يقول: إن الله خلقني بهذا الذهن الذي لا يمكنه أن يفهم الأمور المعنوية. وبعض يعتبر أن مرضه الدائم لا ييسر له القيام بعبادات السالكين والعابدين، وهكذا...
وقد يتصور البعض أن البيئة التي ينشأ فيها المرء تحدد له وجهته النهائية.
ولكن جميع هذه التصورات تنطلق من عدة شبهات، أولها: اعتقاد البعض بأن الكمال هو كثرة العبادة والحركات الجسمانية، أو أنه عبارة عن حفظ المصطلحات وتجميع الكتب.

وثانيها: جعل جميع هذه العوامل سبباً لفقدان الإرادة، فصحيح أن الفقر له تأثير بالغ على حياة الإنسان وتوجهاته، ولكنه لا يفقده الإرادة للتغيير. وفي نفس الوقت فهو عامل منبه في أكثر الأحيان يجعل الإنسان أقل غروراً واعتماداً على نفسه، أي أنه يساعده على ترويض نفسه بعدم الاستكبار والاستعلاء. وربما يكون الغنى سبباً في ابتعاد الإنسان عن الله لاغتراره وتكبره، كما نرى في أحوال أكث الأغنياء والمترفين.

ولقد ورد في الروايات الشريفة: "أكثر أهل الجنة من الفقراء". ولا يقول عاقل بأن الفقر يجبر الناس على الكفر والانحراف. إن أقصى ما يمكن أن يصل إليه الفقير أن يموت جوعاً. واختيار الموت يبقى بعقل الإنسان ومعرفته أهون من شر المصير الأسود في جهنم.
وهل يفقد المريض في أشد لحظات مرضه القدرة على نداء رب العالمين أو مناجاته في سره.

نعم، إذا كان الكمال في تحريك الأعضاء وإصدار الأصوات، فعندها لن يكون للمريض نصيب منه. ولكن هل هذه هي المعايير الإلهية؟!

هل يقال لمن قطعت رجله في سبيل الله يوم القيامة أن نصيبك القصر الفلاني مع حذف بعض الغرف منه، وهل يحرم من خسر عينيه في طريق الجهاد من النظر إلى حور العين وجمالهن الساحر!!
إن المرض قد يكون عاملاً موقظاً للإنسان من غفلته. وفي معظم الحالات نجد أن المريض يرجع إلى الله ويدعوه بلسان الانقطاع إليه. وقد ورد في الروايات الشريفة عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام.
"إن المؤمن إذا مرض تتحات عنه ذنوبه كما يتحات "يتساقط الورق عن الشجر".

وهل أن الإنسان إذا سجن يمنع من مناجاة الحق والانقطاع إليه "الذي هو غاية جميع العبادات"، لقد ورد أن السجين في سبيل الله تتحول أنفاسه إلى تسبيح... وهكذا يكون السجن "أي المانع الخارجي" سبباً لكمال الإنسان. نعم، لو كان السفر إلى الله بطي المسافات وعبور الأمكنة، فإن السجين سيبقى محروماً من لقاء الله ونيل كرامته، فإن السجين سيبقى محروماً من لقاء الله ونيل كرامته. ولكن الله قريب منا. وعندما سأل موسى عليه السلام ربه:
"يا رب أبعيد فأناديك، أم قريب فأناجيك؟".

كلمه الله تعالى:
"يا موسى أنا جليس من ذكرني".


إن الذكر الذي يتحقق بالتوجه الباطني إلى الله هو القرب من الله والله يقول:
﴿فاذكروني أذكركم.

فإذا ذكرنا الله في قلوبنا حضرنا عنده وصرنا في جواره. وإذا قوي الذكر واشتد لا يبقى بين العبد والحاضر "الله" أي حجاب وينال الذاكر مقام الحضور الحقيقي.
وهذه الشواغل، هل يمكن أن تكون سبباً يمنع الإنسان من تحصيل القرب؟
إن الشواعل أما أن تكون دنيوية مادية أو جهادية في سبيل الله، ومن يشتغل في الأعمال الإسلامية دفاعاً عن الدين فهو في عبادة ما دام مخلصاً في عمله. والشواغل الدنيوية كالتجارة والبيع وتحصيل المعاش إذا لم تكن هرباً من الجهاد فهي أفضل أنواع العبادات كما ورد في الروايات الشريفة...

إذا فرضت الحياة على المرء عملاً مستمراً، فهل يمنعه هذا من ذكر الله ودعائه؟ بل إن الصدق في العمل، وخدمة الناس والسهر على عيال الله عمل شريف وعبادة شرعية.
أما الوراثة ورغم أثرها على صفات الإنسان الجسدية والنفسية، لكنها لا تقدر على طمس معالم الفطرة الإلهية وقوة الإرادة التي يمكن أن تستخدم في التغيير.
لقد شاهدنا الكثيرين ممن ولدوا من أبوين كافرين أو فاسقين ولكنهم تحرروا من تأثيرهما السلبي.
إن الوراثة بمعناها المعروف لا تنقل للوارث إلا الخصائص الجسمانية، فالنفس لا يمكن أن تَتَوَارث وعندما تلد الأم ابناً فهذا لا يعني أن قطعة من نفسها أودعت في جسمه. لأن لكل نفس استقلالية في تركيبتها الأصلية.

وفي جميع الأحوال، ومهما كانت التأثيرات السلبية للوراثة والتربية والبيئة التي ينشأ فيها الإنسان، يبقى قادراً على التغيير ومختاراً في ذلك، وهو يحاسب على أساس ما يمتلكه من إرادة.
أما، وقد أسقطنا الاحتمالين الأولين، وعلمنا أنهما لا يمكن أن يكونا سبباً مانعاً خارج إرادة الإنسان ندرك أن هناك سبباً وحيداً في حرمان الناس من فيض الله، هذا العامل هو الإنسان نفسه، هو احتجابه عن ربه وغفلته عنه واختياره لطريق المعصية.

الإنسان هو المقصّر والمحتجب:
"إليه وأن الراحل إليك قريب المسافة، وإنك لا تحتجب عن خلقك إلا أن تجبهم الأعمال دونك".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع