مع الإمام الخامنئي | كلّنا مَدينون للنبيّ الأعظم* نور روح الله| هكذا كانت حياة الرسول* مع إمام زماننا | حين تزفّ السماء نبأ الظهور (2): في مكّة السيّد محسن شهيداً على طريق القدس مقاومتُنا بعينِ الله صُنعت حاجّ محسن! إلى اللقاء عند كلّ انتصار* أبو طالب: قائدٌ في الميدان والأخلاق المقاومة الإسلاميّة: ثقافتنا عين قوّتنا الشهيد على طريق القدس بلال عبد الله أيّوب تسابيح جراح | جراحاتي لا تثنيني عن العمل

أخلاق - الأخلاق في الإسلام

آية الله مشكيني

لقد توهم البعض أن النفس والروح الإنسانية متعددة وأن الإنسان له عدة أنفس، حتى أننا نجد في بعض الروايات جملاً تؤيد هذا المطلب، كما نقل عن كميل بن زياد النخعي أحد تلامذة أمير المؤمنين البارزين أنه سأل الإمام عليه السلام:
"يا أمير المؤمنين أريد أن تعرفني نفسي.
فقال عليه السلام: وأي الأنفس تريد؟
فقال: وهل هي إلاَّ نفس واحدة؟
قال عليه السلام: إنما هي أربع: نفس نامية نباتية.
ـ نفس حسية حيوانية.
ـ نفس ناطقة قدسية.
ـ نفس كلية إلهية".


هذه الرواية وإن نقلت في الكتب تعتبر رواية ضعيفة ولا يعتمد عليها، وهي في حال صحتها ترتبط بكمالات ومراتب النفس لا أنه واقعاً يوجد للإنسان عدة أرواح وأنفس. ونحن هنا لسنا في مقام البحث في أنه هل تلك الأنفس الأربع هي حقائق مختلفة وموجودات منفصلة أو أنها حقيقة واحدة لها عدة مراتب. إذ لو افترضنا أيضاً أن كل واحدة منها هي حقيقة منفصلة وموجود مستقل، لا يوجد شك أن الإنسان ليس له إلاَّ روح واحدة وأن لروحه ونفسه الإنسانية مراتب. كما أن تعابير النفس اللوَّامة والنفس الأمَّارة والنفس المطمئنة ليست دليلاً على تعدد النفوس المختلفة بل هي مراتب وحالات للنفس.
وهنا من المناسب أن نبيّن بعض الحالات والأوصاف التي توجب كمال وسعادة النفس، ونفحة من الحالات التي توجب تنزّل وشقاوة النفس.

* حالات النفس
تحدث القرآن الكريم عن كل حالة من حالات النفس سواء تلك التي ترتبط بكمالها وسعادتها أو التي ترتبط بتنزلها وشقائها:
* النفس السليمة:
مثلاً بالنسبة لما يرتبط بكمالات النفس نشاهد هذه الآية: ﴿يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلاَّ من أتى الله بقلب سليم. (الشعراء/ 89)
السلامة هي إحدى صفات القلب، والقلب السليم هو الذي يسلم من الانحراف والعقائد المخالفة. وقد نقل عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "القلب السليم هو الذي لا يكون فيه غير الله".
وفي هذه الحالة تكون النفس في إحدى مراحل الكمال حيث لا يكون في قلب الإنسان أي حب لغير الله ويكون الله في قلبه فقط. وفي رواية أخرى نقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "لا يكمل إيمان امرء حتى أكون عنده أحب إليه من أمه وأبيه وولده وماله ونفسه".
بناء على هذا فإن النفس السليمة هي النفس التي لا يوجد فيها غير الله والذين هم محبوبون في سبيل الله.

* النفس المنيبة:
الحالة الأخرى للقلب والنفس هي حالة الإنابة حيث يقال لها النفس المنيبة أو القلب المنيب أي القلب والنفس التي ترجع دائماً إلى الله. يقول القرآن الكريم: ﴿من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب. (ق/33)
فصاحب القلب المنيب هو الإنسان الذي يخاف الله في الخلوة ويجعل قلبه يرجع إلى الله. فإن الخوف من الله في حالة الخلوة أحد أهم حالات القلب، والنفس متى عرفت الله لا يصبح لديها في الخوف من الله فرق بين الخلوة والجلوة. بخلاف البعض الذين يخافون من اطلاع الناس على ذنوبهم وسيئاتهم ولكنهم في الخلوة لا يبالون، فقلوب هؤلاء لم تصل بعد إلى المرحلة التي يكون فيها الله ناظراً إليهم وحاضراً عندهم ولا تكون قلوبهم راجعة إلى الله.

* النفس المهتدية:
إحدى الحالات الأخرى للقلب هي حالة الهداية، قال تعالى: ﴿من يؤمن بالله يهدِ قلبه. (التغابن/11)
فالقلب المهتدي في مسير العقائد والأحكام الإلهية يعرف طريقه ويفهم ويتضح له أي العقائد ينبغي أن يعتنق وأي الأعمال ينبغي أن يعمل.

* النفس المطمئنة:
إحدى الحالات الأخرى المعروفة للقلب والنفس هي حالة الطمأنينة. قال تعالى في القرآن: ﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب.
وفي سورة الفجر: ﴿يا أيتها النفس المطمئنة....
الإنسان هنا يصل إلى مرحلة من مجاهدة النفس وعمل الواجبات وترك المحرمات وتربية النفس وتكميلها بحيث لا يصبح عنده اعتناء بغير الله ولا يسير نحو المعصية فتحدث في قلبه حينها السكينة والطمأنينة بحيث يصبح كالجبل الراسخ، لا تزلزله الذنوب والأهواء النفسانية والشهوات والدنيا وحب المال والجاه، ولا يوجد أي شيطان يستطيع غوايته. وهناك مراحل أعلى من هذه نجدها في الأئمة الأطهار بحيث أنهم لا يفكرون حتى في المعصية.
صفة الطمأنينة إحدى أفضل حالات النفس ومثل هذه النفس إذا خرجت من الدنيا تخاطب: ﴿يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية، وادخلي في عبادي، وادخلي جنتي.

* النفس التقية:
المرتبة الأخرى من مراتب وحالات النفس هي حالة التقوى. مثلما أن الوسواسي يحتمل نجاسة كل شيء ويبتعد عنه، فإن النفس التقية تصل إلى مثل هذه الحالة بحيث تصبح محتاطة جداً، وفي اجتناب المعاصي تصاب بحالة كالوسواسية. في القرآن الكريم: ﴿ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب. (الحج/22)
إن الشخص الذي يصل قلبه إلى مرتبة التقوى، يعظّم شعائر الله والله وكل آثاره ومساجده وأحكامه ومؤمنيه... ومكة والكعبة..
غاية الأمر أن كل ما يرتبط بالله يكون عظيماً في نظر الإنسان لأن نفسه قد تحلّت بالتقوى.

* النفس المخبتة:
إحدى الحالات الأخرى لجمال النفس هي حالة الإخبات وهي خضوع الإنسان لأوامر الله وتعاليمه. في الآية 54 من سورة الحج يقول تعالى: ﴿فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم.
وبما أن هذه النفس خاضعة وخاشعة أمام عتبة الله وتعاليمه فلن يكون هناك عصيان وطغيان أمام الأحكام الإلهية.

* النفس الزكية:
إحدى الحالات الأخرى للنفس والقلب هي حالة التزكية. كما يقول تعالى في سورة الشمس بعد أن يقسم بالشمس والقمر والسماء والأرض و... يقول: ﴿لقد أفلح من زكاها.
بديهي أنه لأجل الوصول إلى هذه المرتبة يحتاج الإنسان إلى السعي الكثير. وقبل كل شيء يطهّر النفس من الصفات الرذيلة حيث يفسح المجال لحلو الصفات الحسنة ويهيّء الأرضية للرشد والكمال فيصبح عنده نفس زكية ويصل إلى الفلاح والفوز.

* النفس اللوَّامة:
إحدى الصفات الأخرى للنفس هي: اللوَّامة، واللوَّام يعني كثير اللوم. هناك من الناس من يرتكب ذنباً ولا يندم عليه ولا يشعر بالملامة في نفسه وهذا هو السقوط للنفس، ولكن النفس التي ترجع إلى ذاتها بعد المعصية فوراً وتوبخ نفسها وتلوم نفسها تكون في حالة شريفة وفي إحدى المراتب الجيدة جداً. في القرآن الكريم من سورة القيامة يقول تعالى: ﴿لا أقسم بيوم القيامة، ولا أقسم بالنفس اللوَّامة.
بديهي أن الله يقسم ببعض الأشياء لأجل شرافتها وقداستها. وفي الآية المذكورة يقسم الله بالنفس اللوَّامة. وبالطبع فإن الإنسان الذي يربى نفسه إلى درجة تصبح أمام الذنوب تشعر بالخجل والندم واللوم، فإنه يكون قد حصّل إحدى مراتب الكمال.

* النفس الملهمة:
إحدى الأوصاف الأخرى للنفس هي: الملهمة. كما جاء في سورة الشمس: ﴿فألهمها فجورها وتقواها.
وهذه الحالة تكون للنفس الزكية التي ورد ذكرها سابقاً. وبالطبع في حال التعود على ارتكاب المعصية يتوقف الإلهام من الله تعالى.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع