مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أبغض عباد الله(1): عَالِمٌ مغرور


آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي

قال أمير المؤمنين عليه السلام:
"وآخر قد تسمّى عَالماً وليس به، فاقتبس جهائل من جهّال وأضاليل من ضلّال، ونَصَبَ للناس أشراكاً من حبائل غرور وقول زور، قد حمل الكتاب على آرائه وعطف الحق على أهوائه، يُؤمن الناس من العظائم ويهوّن كبير الجرائم. يقول أقف عند الشبهات وفيها وقع، ويقول: أعتزل البدع وبينها اضطجع. فالصورة صورة إنسان والقلب قلب حيوان، لا يَعْرف باب الهدى فيتبعه ولا باب العمى فيصدّ عنه، وذلك ميت الأحياء"(1).
تحدّثنا في الحلقات السابقة حول الجزء الأول من خطبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام والتي ذكر فيها أبرز صفات عباد الله المخلصين. ومما لا شك فيه أن أحبّ العباد إلى الله يقابلهم أسوأ العباد وأدناهم حيث عرض الإمام عليه السلام في بعض خطبه، بالأخص الجزء الثاني من الخطبة التي نبحث فيها، صفات هؤلاء الأشخاص.


*الجهّال المسمّون بالعلماء
"وآخر قد تسمّى عالماً وليس به فاقتبس جهائل من جهّال وأضاليل من ضلال ونصب للناس أشراكاً من حبائل غرور وقول زور".
إنّ الجهّال المسمّين بالعلماء، الذين لا حظّ لهم من العلم، يتلقّون من الناس الكلام الباطل والمضلّ، يجمعون بعضه إلى بعض، ويقدّمونه على أنّه نظريّة علميّة؛ والهدف من ذلك أن يَظهروا بين الناس على أنهم علماء أصحاب نظريّة؛ يسعى هؤلاء ليجدوا مكانة بين الناس من خلال التظاهر، ومزج الحق بالباطل الذي يؤدي إلى الضلال، فيتأثر الناس بهم، دون أن يدركوا أنّ هؤلاء الأشخاص يزرعون بذور الضلال والانحراف وتشويه العقائد.
إن الكلام الباطل والخادع ذا الظاهر العلمي، هو شرك قد نُصب للناس الذين لا معرفة لديهم بالحقائق والمعارف الصحيحة.

*أشراكهم خادعة
من الواضح أن الإمام عليه السلام لا يقصد من هؤلاء العلماء، العارفين بالعلوم التجريبية، أمثال: الفيزياء والكيمياء وعلم الحياة، بل يقصد من ذلك الذين يقدّمون أنفسهم على أنهم عارفون بالدين، الذين يخدعون الناس بتوضيحاتهم غير الصحيحة وتحليلاتهم الباطلة، وكلّ ذلك تحت مبررات واهية من أبرزها هداية الناس وإرشادهم، فهُم بهذا النحو يقدّمون صورة مشوّهة عن الدين والمعارف القرآنية.

إذاً، مصداق هذا الكلام، الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم عارفين بالدين والمعارف القرآنية. ينبغي لهؤلاء الأشخاص التحقيق في أفكارهم وسلوكهم حتى لا يُصابوا بالغرور وطلب السلطة والمقام، وحتى لا يحملوا أفكارهم الباطلة على القرآن. وفي النهاية حتى لا يكونوا مصداق كلام الإمام عليه السلام. ينبغي لهؤلاء الأشخاص النظر إلى أنفسهم، هل تزيّنوا بالإخلاص والعبوديّة لله تعالى ليتمكّنوا من الكشف عن حقائق ومعارف الدين بدقة، والتزام واحتياط، ومن ثم ليقدموا تلك الحقائق والمعارف للناس أم أنّهم طبّقوا معارف القرآن على ميولهم انطلاقاً من تأثّرهم بالأهواء الشيطانية، فقبلوا ما كان في مصلحتهم ونفعهم ورفضوا أو أوّلوا كل ما خالف مصالحهم؟! العالم الحقيقي، من وجهة نظر أمير المؤمنين عليه السلام، هو شخص أضاء الله قلبه بنور الهداية، وهو يعيش حالة اضطراب دائم خوفاً من الانحراف عن مسير الحق، وهو إنسان يعيش أفكاره وسلوكياته طبق المعايير القرآنية.

*المعرفة التاريخية بأحكام الله
"قد حمل الكتاب على آرائه وعطف الحق على أهوائه يؤمّن الناس من العظائم ويهوّن كبير الجرائم".

في مقابل الأشخاص الذي تزيّنوا بالإخلاص، وجعلوا كتاب الله إمامهم وقائدهم، نجد من يُطلق عليهم (العلماء المنحرفين)، وهم الذين أساؤوا الاستفادة من هذا الكتاب السماوي والذين طبقوا الآيات على رغباتهم وميولهم من خلال تفسيرهم الآيات بآرائهم وتقديم نتائج باطلة لتعاليم القرآن.

*ليست أحكاماً تاريخية
اليوم، هناك من ينظر إلى أحكام الإسلام على أنّها أحكام تاريخيّة، قد صدرت في زمان معيّن، وكانت ذات معنى في ذاك الزمان، أما اليوم، فلا معنى لها. فيما تعتقد بعض المجموعات الإلحادية والمنافقة أن أحكام الإسلام وجدت في مرحلة صدر الإسلام، فهم لا يهتمون بالرسالة العملية ومسألة التقليد وأمثال ذلك.

قد يظن أحدٌ انطلاقاً من هذه الرؤية، أن الأوصاف التي ذكرها أمير المؤمنين عليه السلام للمنافقين، تتعلق بذاك العصر حيث لا مصداق لها في عصرنا الحاضر. أما نحن فنعتقد أن القرآن الكريم ونهج البلاغة كتابان خالدان، وأنّ على المسلمين الصالحين العمل بهما في حياتهم وتنظيم أفكارهم وسلوكيّاتهم وأقوالهم على أساسهما. يجب أن لا ننسى أن الأرضيّة الروحيّة والنفسيّة للتفسير بالرأي، تنشأ عندما لا يتمكّن الإنسان من ترك أهوائه وميوله النفسانية؛ بسبب ما يتمتع به من ضعف في روحية العبودية، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، عندما لا يتمكن أي دليل من إنكار الدين والقرآن بالكامل، هنا يتدخل الشيطان ليستفيد من الفرصة، وليوجّه ذهن الإنسان بإلقاءاته ويجعله يستخرج نتائج غير صحيحة من القرآن.

وإذا كان الإنسان صاحب موقع اجتماعي أو ثقافي، يطمع الشيطان بشكل أكبر في انحرافه، لأنه يدرك أن انحرافه يؤدي إلى انحراف مجموعة أخرى. في هذا المجال، نشير إلى مجموعة من الروايات الناهية عن التفسير بالرأي، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قال الله جلّ جلاله ما آمن بي من فسَّر برأيه كلامي"(2)، ويقول في رواية أخرى: "من فسَّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار"(3).

يمتلك الإنسان فكراً وذهناً قد لا يوافق القرآن. والإنسان بطبعه يرغب أن يكون القرآن موافقاً له، لا بل قد تترك الخلفية الذهنية والفكرية التي يمتلكها الإنسان، آثارها على فهم القرآن. وبما أن هذا الخطر يهدّد الإنسان، وبما أن المثقّفين ودعاة فَهم الدين يقعون في شراك الشيطان الذي يعمل على انحرافهم، فمن المناسب أن يصغي لكلام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول: "واتَّهموا عليه آراءكم"(4)، أي اتهموا آراءكم عندما تكون في مقام فهم القرآن وتفسيره.


1.نهج البلاغة، الخطبة 87.
2.بحار الأنوار، المجلسي، ج2، ص297.
3.عوالي اللآلي، الأحسائي، ج4، ص104.
4.نهج البلاغة، م.س، الخطبة 175.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع