مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الافتتاحية | إنّما نأكل من ثمار نيّاتنا


الشيخ بلال حسين ناصر الدين
 

يروى أنّ أخوين اقتسما أرضاً بالميراث، وبدأ كلّ منهما بزراعة حصّته من تلك الأرض. مضت الأيّام حتّى جاء موسم الحصاد، فكان حصاد الأوّل منهما وافراً وغنيّاً، أمّا الآخر فقد كان شحيحاً وفقيراً للغاية ويكاد لا يجد حصاداً البتّة. استمرّ هذا الحال سنين عدداً، ما دفع بصاحب الأرض العقيمة لأن يأتي إلى أخيه ويقول له: «يا أخي، هل لي أن أبدّل أرضي بأرضك، وأنت ترى ما أنا عليه عند كلّ حول؟!». رضي الأخ الآخر بذلك وتبادلا قطعتي الأرض، ومجدّداً، فإنّ صاحب الحصاد الوفير خرج حصاده وافراً، وأمّا الآخر فلم ينل سوى الخيبة والحسرة، فذهب إلى أخيه مرّةً أخرى وهو حائر متعجّب: «يا أخي، ما سرّ أرضك؟ فالتراب والمناخ والماء ذاته والنواة ذاتها أيضاً، وما رأيتك تفعل شيئاً لم أفعله!». قال له أخوه: «يا أخي، ليس السرّ في الأرض إنّما في ما كنت أعقده في نفسي من نيّة، فإنّي كنت كلّما بذرت بذور زرعي أقول في نفسي لو تأتي الطيور الجائعة كي تأكل من هذه البذور. وأدعو لك أن يكون حصادك وافراً، وأنّي سأهدي ممّا أجنيه من حصاد إلى أهلي وأحبّتي»!

هي النيّة إذاً، فإنّ لها أثراً بالغاً في كلّ عمل نقوم به في حياتنا، فإن كانت حسنة أعظم اللهُ أعمالنا وباركها، ولو كانت بسيطة وصغيرة في نظرنا، وإن كانت سيّئة فإنّ البركة تذهب عنها وما تلبث إلّا قليلاً حتّى تضمحلّ وتتقوّض. والنيّة الحسنة هي أن يكون المرء قد عقد في نفسه لزوم طاعة الله وحبّ الخير للناس، فلا حسد لديه ولا حقد ولا بغضاء تُجاه عباد الله تعالى. أمّا صاحب النيّة السيّئة، فهو من ينظر إلى ما في أيدي الناس بعين الحسد، وفي نفسه طموحٌ لمعصية يودّ ارتكابها ولو بعد حين.

وقد أظهرت آيات القرآن الكريم وأحاديث النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وآله الأطهار عليهم السلام تأثير نيّة الإنسان على أكثر من جانب في حياته، سواء في الدنيا أم الآخرة، ومن ذلك ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾، قال: «ليس يعني أكثركم عملاً ولكن أصوبكم عملاً، وإنّما الإصابة خشية الله والنيّة الصادقة، ثمّ قال: والنيّة أفضل من العمل، وتلا قوله تعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾، قال: أي على نيّته»(1).

وطبقاً لعدد من الأحاديث المباركة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام، فإنّ النيّة الحسنة تجلب الرزق وتطيل العمر وهي سبب من أسباب تسديد الله وتأييده لعباده(2). في المقابل، ثمّة شيء مذهل قد يغفل عنه الكثيرون، ألا وهو نيّة ارتكاب السوء والمعصية، فقد يحسب بعض الناس أنّ النيّة هذه تذهب هباءً ولا يترتّب عليها حساب ولا عقاب، وهذا غلط، حيث إنّ المرء إذا ما عقد نيّة السوء والمعصية ولازمته وبقي على قصده وعزمه حتّى يرتحل من هذه الدنيا دون أن يتوب بين يدي الله، فإنّه سبحانه يحاسبه عليها، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّما قدّر الله عون العباد على قدر نيّاتهم، فمن صحّت نيّته تمّ عون الله له، ومن قصرت نيّته قصر عنه العون بقدر الذي قصر»(3).

أيّها الأحبّة، لطالما نأكل من ثمار نيّاتنا ونحن غافلون، وما نزرعه في قلوبنا، فلا محالة سنجني ثماره في دنيانا وآخرتنا.


(1) بحار الأنوار، العلامة المجلسيّ، ج 54، ص 11.
(2) انظر: الكافي، الشيخ الكليني، ج 5، ص 20. ومعنى آخر في التهذيب، الشيخ الطوسي، ج 6، ص 339.
(3) الأمالي، الشيخ المفيد، ص 66.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع