الإمام الخميني قدس سره
النيّة عند العامّة هي: العزم على الطاعة - طمعاً أو خوفاً - ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ (السجدة: 16).
وعند أهل المعرفة: العزم على الطاعة هيبة وتعظيماً: "اعبد الله كأنّك تراه، فإن كنت لا تراه فإنّه يراك"(1).
وهي عند أهل الجذب والمحبّة: العزم على الطاعة شوقاً وحبّاً. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها وأحبّها..."(2).
وقال الإمام الصادق عليه السلام: "... ولكنّي أعبده حبّاً له عزّ وجلّ، وتلك عبادة الكرام"(3). وهي عند الأولياء عليهم السلام العزم على الطاعة، تبعاً بعد مشاهدة جمال المحبوب استقلالاً وذاتاً، وفناءً فيه كما يقول الإمام الصادق عليه السلام: "أعبده حبّاً له".
*"لي مع الله حالة"
وهذا النحو من العبادة هو من خصائص الأئمة عليهم السلام، ومن بعض الحالات التي يقول (عنها) الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كما في الحديث: "لي مع الله حالة لا يسعها ملكٌ مقرّب ولا نبيّ مرسل"(4). ونقل عن الإمام الصادق عليه السلام: "أنّه كان ذات يوم في الصلاة فخرّ مغشيّاً عليه، فسئل عن ذلك، قال: ما زلت أكرّرها حتّى سمعت [سمعتها] من قائلها"(5).
وتجب معرفة أنّ النيّة من أهمّ الوظائف القلبيّة، وبها تكون الصورة الكماليّة للعبادات، ونسبتها إلى صورة الأعمال هي نسبة الباطن إلى الظاهر، والروح إلى البدن، والقلب إلى القالب.
*إخلاص النية
وإنّ إخلاص النيّة هو من أهمّ وظائف العامّة، وأشدّ شروطها عليهم؛ وما أقلّ النيات التي يتوافر فيها الإخلاص الحقيقي، بل إنّ الإخلاص المطلق هو من أعلى مدارج الأولياء الكمّل، لأنّ الإخلاص عبارة عن تنقية العمل من مطلق ما يشوبه، غير الله.
أ - والنيّة في عبادة العامّة، هي: التنقية من الشرك الجليّ والخفيّ كالرّياء والعجب والفخر ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾(الزمر: 3).
ب - وفي عبادة الخواص: هي تنقيتها من شوائب الطّمع والخوف، وهما في مسلكهم شرك.
ج - وفي عبادة أصحاب القلوب: هي عبارة عن التنقية من شوائب الأنانية والإنيّة، وهما في مسلك أهل المعرفة الشرك الأعظم والكفر الأكبر "إنّ أمّ الأوثان وثن أنفسكم"(6).
د - وفي عبادة الكمّل: هي عبارة عن تنقيتها من شائبة رؤية العبودية والعبادة، بل رؤية الكون، مثلما يقول الإمام عليه السلام: "القلب السليم الذي يلقى ربّه وليس فيه أحد سواه"(7).
*قلب المؤمن بيت الله
إذاً، فإذا داس السالك -بقدمه- على مفرق حظوظه (من الدنيا)، بل على نفسه والعالم، وخلّص نفسه بالكامل من رؤية غير الله، ولم يستوطن قلبه سوى الله، وطهّر "بيت الله" من الأوثان، بيد الولاية، وخلّصه من تسلّط الشيطان؛ عندها يخلص دينه وعمله وظاهره وباطنه لله؛ وقد اختار الله مثل هذا الدّين لنفسه "وكلّ قلب فيه شكّ أو شرك، فهو ساقط"(8).
1.الأمالي، الطوسي، ص526.
2.أصول الكافي، الكليني، ج3 ص131.
3.الخصال، الصدوق، ص188.
4.كتاب الأربعين للمجلسي، ص177، شرح الحديث 15، وفيه وردت كلمة (وقت) مكان كلمة (حالة).
5.المحجة البيضاء، الكاشاني، ج1، ص352.
6.تعريب لصدر بيت بالفارسية للشاعر الإيراني المولوي (المثنوي، الدفتر الأول)، ص22.
7.الوافي، الكاشاني، ج4، ص376.
8.م.ن.