مع الإمام الخامنئي | الحجّ: لقاءٌ وارتقاء* نور روح الله | الإمام عليّ عليه السلام الحاكم العادل* فقه الولي | فقه الرياضة (2) أخلاقنا | أين الله في حياتك؟* لماذا غاب الإمام عجل الله تعالى فرجه حتّى الآن؟ (1)* مجتمع | أب الشهيد: ربّيته فسبقني إلى الشهـادة صحة وحياة | كي لا يقع أبناؤنا ضحيّة المخدّرات تاريخ الشيعة | بيروت والجنوب في مواجهة الصليبيّين أذكار للتخلّص من الهمّ والضيق مناسبة | من أرض مكّة دحاها

الأسرة تُصلح أفرادها - في فكر الإمام الخامنئيّ دام ظله

الشيخ توفيق حسن علوية


يقول الله تعالى في القرآن المجيد: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ* سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار﴾ (الرعد: –23-24). في هاتين الآيتين إشارة واضحة إلى أنّ الأسرة لا تدخل الجنّة إلّا إذا كانت صالحة وصابرة، ذلك أنّ حيازة الصلاح تحتاج إلى صبر. كما أنّ الأسرة ممرّ إجباريّ للمجتمع، وهي التي تزوّده بمنتجاتها الإيجابيّة أو السلبيّة؛ فالأسرة الصالحة تنتج مجتمعاً صالحاً، والعكس صحيح. يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله(1): «إنّ الأسرة تُصلح ثلاث طوائف من الناس».

يتكفل المقال في بيان هذه الطوائف.

* أولاً: الأسرة تُصلح الآباء والأزواج
1. الأزواج: للزوج دور مهمّ في تشكيل دائرة التماسك والثبات في الأسرة من خلال تفاعله الإيجابيّ مع الزوجة. وببركة نجاح دوره كزوج فإنّه يساعدها على القيام بدورها في الأسرة وفي المجتمع. يقول دام ظله: «إذا كان الزوج لباساً للزوجة بشكلٍ حقيقيّ وهي لباس له، وكان بينهما مودّة ورحمة كما دعا القرآن على قاعدة: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (البقرة: 228)، حينها، ستتحلّى بقدرة هائلة على التحمّل، وستتمكّن بالتالي من التغلّب على المشكلات التي تواجهها في محيطها الخارجيّ. وإذا نجحت في تخفيف هذه المشكلات في مركز استراحتها ومتراسها الأساسيّ، فستتمكّن بلا شكّ، من أن تفعل ذلك في ساحة المجتمع»(2).

2. الآباء: يتوجّه سماحته دام ظله للآباء بالقول: «كونوا رحماء مع زوجاتكم، كونوا آباء لأولادكم بالمعنى الحقيقيّ. لا تكونوا غرباء معهم. تواصلوا مع أبنائكم وتعاملوا معهم بصداقة وأبوَّة. أفضل الآباء هم الذين يصادقون أبناءهم وبناتهم، فمع أنّهم يُظهرون الهيبة والإرشاد والتوجيه الأبويّ والمحبّة، هم أيضاً يتحلّون بإخلاص الصديق. خصِّصوا ساعات من وقت عملكم المتواصل ومن أوقات استراحتكم، لعائلتكم، وأفيضوا على زوجاتكم وأولادكم من محبّتكم ورعايتكم واهتمامكم وعاطفتكم. ويجب أن تكونوا القدوة»(3).

* ثانياً: الأسرة تُصلح الأمّهات والزوجات
1. الزوجة: أهمّ دور للزوجة هو حُسن التبعّل، كما ورد في الأخبار الشريفة. يقول دام ظله: «بالتأكيد، إنّ التبعّل أمر صعب جدّاً في ظلّ سوء أخلاق بعض الأزواج وارتفاع أصواتهم، ولكنّ المرأة تستطيع مع هذه الظروف أن تحافظ على محيط المنزل دافئاً وهانئاً وحنوناً، وأن تُبقي فيه السكينة والهدوء. هذا فنّ كبير، وإنّه حقّاً جهاد. هذا فرع من ذلك الجهاد الأكبر الذي تكلّموا عنه؛ جهاد مع النفس»(4).

2. الأمّ: أمّا بالنسبة إلى الأمّ، فإنّ لها الدور الأهمّ في عمليّة تربية الأبناء باهتمام بالغ أشدّ دقّة من التعامل مع خيوط الحرير. يقول دام ظله: «إن لم تقمن بتربية أبنائكنّ في المنزل، أو لم تقمن بأنفسكنّ بفكّ عقد خيوط عواطف الطفل اللطيفة جدّاً -والتي هي أنعم من خيوط الحرير- كي لا يتعقّد عاطفيّاً، لا يمكن لأيّ أحد آخر أن يقوم بهذا العمل، لا أبوه ولا غيره؛ إنّه عمل الأمّ فقط. أمّا ذلك العمل الذي لديكنّ في الخارج، فإن لم تقمن به أنتنّ فإنَّ ثمّة عشرة أشخاص آخرين سيقومون به. بناءً على هذا، فإنّ الأولويّة هي للعمل الذي لا بديل عنكنّ فيه، هذا هو المطلوب والمُتعيّن»(5).

* ثالثاً: الأسرة تُصلح الأطفال- الإخوة
بعد توجيه الخطاب المؤثّر لهم عن طريق الأسرة والمسجد والحسينيّة والمدرسة والإعلام، على الأبناء أن يكونوا من العاملين بحسب الوظائف الموكلة إليهم، وأفضل ما يمكن أن يستفيدوا منه هي تلك الوصايا القرآنيّة التي ذكرها الله تعالى في قصّة لقمان الحكيم.

1. أهميّة الأخوة: من الأمور التي من المهمّ الحديث عنها، وهي مهملة في الواقع، مسألة الإخوة والأخوات، أي علاقة الأبناء في ما بينهم. كثيراً ما يكون اهتمام الآباء والأمّهات منصبّاً على تأمين احتياجات أبنائهم ورعايتهم، إلّا أنّهم لا يلاحظون صون العلاقة المستقبليّة بينهم كإخوة وأخوات من أيّ ضرر. وبمجرّد أن تصبح هذه العلاقة سيّئة بعد تقادم الأيّام والأعوام، عندها، يكتشفون أنّ تعبهم وكلّ ما بذلوه ذهب هباءً منثوراً.

والمقصود بالإخوة والأخوات هنا هم أولئك الذين تجمعهم علاقة النسَبيّة، سواء كانوا أشقّاء أم إخوة غير أشقّاء، والقرآن الكريم تطرّق إلى هذه المسألة في قصّة النبيّ موسى عليه السلام، حين طلب أن يصطحب معه في ذهابه إلى فرعون شخصاً تتوفّر فيه مجموعة من الصفات، فوقع الاختيار على أخيه هارون، ومن هذه الصفات: الوزارة، والشراكة في اليسر والعسر، والفصاحة، والصدق، والدعم، والعون، والمدد.

قال تعالى: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي* هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي* كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا* وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا* إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا* قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى﴾ (طه: 29-36).

وقال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ* وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾ (القصص: 33). وكان الجواب الإلهيّ: ﴿قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾ (القصص: 35). شدّ العضد يعني: سنقوّي أمرك، ونعزّ جانبك بأخيك، الذي سألت له أن يكون نبيّاً معك. ومن هنا، ندرك أهميّة الأخ أو الأخت بالنسب خصوصاً إذا كان العمل لأجل قضيّة رساليّة، لأنّ الأخ هبة إلهيّة، قال تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا﴾ (مريم: 53).

إذاً، الأخ يشكّل الضمانة والعون والمدد والتــصديق والثقة والشراكة في السراء والضرّاء. وكلّنا يعلم بأنّ الإمام الحسين عليه السلام كان يعتبر العبّاس عليه السلام جيشه الكامل وظهره المحميّ، وعندما استشهد الأخير، أطلق الإمام عليه السلام كلمته المشهورة: «الآن انكسر ظهري»(6).

ب. الأخ أبٌ ثانٍ: لقد أثبت علماء الاجتماع بحسب تجاربهم أنّ تأثير الإخوة في ما بينهم أقوى من تأثير الأبوين، وهناك من بين الإخوة أب ثانٍ هو الأخ وأمّ ثانية هي الأخت، وأنّ الكثير من الصعاب التي تواجه الوالدين يعالجها الإخوة والأخوات المؤثّرون. ولكي تنجح هذه العلاقة الأخويّة، على الوالدين الحدّ من الخلافات الزوجيّة، وعدم التمييز بين ولد وآخر إلّا في مواقف المكافأة والتحفيز، وعدم تأنيب أحدهما أمام الآخر، وتعليمهما أدب المسامحة، وعدم التدخّل في كلّ مشكلة بينهما إلّا إذا كان الأمر خطيراً، وتعويدهما على حلّ مشاكلهما بنفسيهما، وأيضاً تربيتهما على الإيثار والقناعة ونبذ الأنانيّة. كما عليهم مشاركتهما التسلية واللعب والجلسات الأنيسة، وتلقينهما القصص والأمثال والمشاهدات والتجارب التي تتحدّث عن تكاتف الإخوة وتعاطفهم مع بعضهم بعضاً، وغيرها الكثير من الأمور.

* كيف تصلحهم الأسرة؟
إنّ الخطوة الأولى لإصلاح هذه الطوائف، هي إيجاد العلاقة القويّة بين الأبوين أولاً، ثم بينهما وبين الأبناء ثانياً. كما يجب الإيمان بدور الأسرة مهما كانت صغيرة، أي أن تحتلّ الأولويّة لدى أفرادها. وهنا نشهد نتائج جميلة على صعيد الإيثار والتضحية، والمشاركة والتعاون، والتفهّم والتقبّل، والتعاضد والمساندة، والمصارحة، والحبّ والمودة والتراحم، والاقتداء، والتربية الصحيحة والإصلاح. فالأسرة تتحوّل إلى مدرسة أولى لتربية كل طائفة، وهمّ أفراد تلك الطائفة الحفاظ على أفراد أسرتها الآخرين. إنّ نجاح كلّ ركن من هذه الطوائف الثلاثة (الآباء والأمّهات والأبناء) بتأدية دوره على أكمل وجه، سيثمر بطبيعة الحال علاقات سليمة وسويّة داخل الأسرة، وهو ما سينعكس بدوره على المجتمع عامّة.


(1) من كلام لسماحة الإمام عليّ الخامنئيّ دام ظله بتاريخ 19/2/1374 هـ.ش.
(2) انظر: اللقاء الاستراتيجيّ الثالث حول المرأة والأسرة المنعقد عام 2012م.
(3) انظر: المرأة والأسرة في فكر الإمام الخامنئيّ دام ظله.
(4) من كلام له دام ظله في اللقاء الاستراتيجيّ الثالث حول المرأة والأسرة المنعقد عام 2012م.
(5) انظر: حقوق المرأة ودورها في المجتمع، الإمام الخامنئيّ دام ظله، ص 73.
(6) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 45، ص 42.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع