الشيخ علي الهادي
امتاز عصر الإمام الرضا عليه السلام بأوضاع سياسيّة شديدة التعقيد، مثل اندلاع الثورات العلويّة في مناطق كثيرة من العالم الإسلاميّ، ووجود نزاعات سياسيّة بين العباسيّين أنفسهم حول الحكم، حتى حسم عبد الله المأمون المعركة لصالحه مع أخيه محمّد الأمين، والممارسات الغاشمة للسلطة ضدّ المسلمين عموماً، والشيعة خصوصاً. هذا كلّه كان له دور بارز في تعقيد المشهد السياسيّ في عصره عليه السلام، وتطلّب منه العمل السياسيّ بشكلٍ متقن وحكيم، وببصيرة عالية.
في هذا المقال سنطل على عمل الإمام الرضا عليه السلام السياسيّ في فكر الإمام الخامنئي دام ظله.
* آليات العمل السياسيّ عند الإمام الرضا عليه السلام
يرى الإمام الخامنئيّ دام ظله أنّ الإمام عليه السلام استخدم أساليب سياسيّة عدّة، وهي:
1. استثمار الفرص السياسيّة: يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله: «قام الإمام عليه السلام من خلال ولاية العهد برفع ندائه وإعلان ما كان يُقال طيلة 150 سنة في الخفاء والتقيّة للخواصّ والأصحاب المقرّبين، وبالاستفادة من الإمكانات الرائجة في ذلك الزمان»(1).
2. أسلوب التقيّة: يقول دام ظله: «أسلوب التقيّة المدهش استطاع أن يحفظ حياته الّتي هي محور الشّيعة وروحها، ليستمرّ في جهاد الإمامة العميق في عهد أكثر خلفاء بني العبّاس قدرةً، وفي زمن الاستقرار والثّبات الكامل لذلك النّظام»(2).
3. مواجهة الشبهات: حاول المأمون تشويه صورة الإمام عليه السلام، فأشاع بين الناس أنّه عليه السلام يعدّ كلّ النّاس عبيداً له، ولذا، حينما نقل أبو الصّلت(3) هذا الخبر للإمام عليه السلام، رفضه كليّاً(4).
4. المناظرات والشعر والأدب: استخدم الإمام عليه السلام المناظرات كأسلوب من أساليب العمل السياسيّ وبيان الواقع، واستفاد منه بشكلٍ واضح في تحقيق أهدافه(5).
كما اعتمد الإمام عليه السلام على الشعر والأدب في مواجهة سياسة المأمون، فقد أمر الشعراء كدعبل الخزاعيّ(6) بمدح أهل البيت عليهم السلام وبيان مكانتهم. يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله: «تلك القصيدة...، سحبت البساط من تحت بني العبّاس، وشكّكت بفلسفة وجودهم، وأدانت سلطتهم»(7).
* خصائص الأساليب السياسيّة للإمام الرضا عليه السلام
يشير الإمام الخامنئيّ دام ظله إلى خصائص الأساليب السياسيّة للإمام عليه السلام، بقوله: «وضع الإمام عليه السلام خطّة إلهيّة حكيمة في جميع أقطار العالم الإسلاميّ. كانت حركة عظيمة، بالتوكّل على الله تعالى، وبالتدبير الإلهيّ، وبتلك النظرة الولائيّة الشافية»(8).
* سياسته عليه السلام تجاه ولاية العهد
قام المأمون العباسيّ بتعيين الإمام الرضا عليه السلام وليّاً لعهده في سنة 201هـ/816م. يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله: «ففيها واجه الإمام عليه السلام تجربةً تاريخيّةً عظيمةً في معرض حربٍ سياسيّةٍ خفيّة تحدّد نتيجتها انتصار مصير التشيّع أو هزيمته»(9). ويرى دام ظله أنّ أهداف المأمون من دعوة الإمام الرضا عليه السلام إلى خراسان هي الآتي:
1. تحويل الفكر الثوريّ إلى عمل سياسيّ: يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله إنّه من أجل الحفاظ على استقرار الحكم، فقد هدف المأمون إلى إلغاء الفكر الثوريّ للشيعة، من خلال «تبديل ساحة مواجهاتهم الثوريّة الحادّة إلى ساحةٍ للنشاط السياسيّ الهادئ البعيد عن الخطر»(10). وكان لهذا الهدف العامّ هدفان خاصّان(11): إظهار أنّ الفكر الشيعيّ لا يعارض السلطة القائمة، وإظهار عدم صوابيّة المقولة الشيعيّة ببطلان خلافة غير أهل البيت عليهم السلام.
2. تمتين حكمه: بحيث يتمكّن المأمون من إلغاء حركة المعارضة للحكم، ويتفرّغ لإدارة الدولة(12).
3. نقض فكرة زهد أئمّة أهل البيت عليهم السلام وإضعاف حركتهم: أراد المأمون أن يُظهر أنّ قبول الإمام عليه السلام بالسلطة يعني أنّه عليه السلام يسارع نحو الدنيا ويتنعّم بها(13). يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله: إنّ هدف المأمون «إضعاف حركة معرفة أهل البيت عليهم السلام والعمل الذي كانوا يقومون به»(14).
4. محاصرة الإمام عليه السلام والقادة النضاليّين: هذا المقصد يحقّق للمأمون أمرين:
الأوّل: وضع القادة العلويّين والشيعة وغيرهم تحت سيطرته.
الثاني: وضع الإمام عليه السلام تحت أعين السلطة. وعن ذلك يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله: لقد أراد المأمون أن «يجعل الإمام عليه السلام تحت محاصرة أجهزة الحكومة. وبذلك يبني حاجزاً بينه وبين النّاس؛ فيضعف الرابط العاطفيّ بينه وبين الطّبقة الشعبيّة»(15).
5. كسب السمعة وتبرير تصرّفات السلطة: أراد المأمون أن يكسب سمعة معنويّة ووجاهة، بسبب اختياره ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمنصب ولاية العهد(16).
كما أنّ تعيين الإمام عليه السلام في ولاية العهد يساعد السلطة في تبرير الأفعال الحكوميّة، وإصباغ الشرعيّة على تصرّفاتها(17).
* إجراءاته عليه السلام في مواجهة المأمون
اتّخذ الإمام الرضا عليه السلام إجراءات سياسيّة عدّة في مواجهة خطّة المأمون، وهي:
1. العمل الإعلاميّ: استفاد الإمام الرضا عليه السلام من الإعلام من أجل بيان خطّة المأمون، فقد أظهر عليه السلام انزعاجه الشديد من نقله إلى خراسان.
2. رفض ولاية العهد علناً: يقول دام ظله: «إنّ العاملين في الحكومة، قاموا -وعن غباء- بنشر رفض الإمام عليه السلام للولاية في كلّ مكان. حتّى أنّ الفضل بن سهل(18) صرّح في جمع من العاملين في الحكومة، أنّه لم يرَ على الإطلاق خلافة بهذا القدر من المذلّة»(19).
3. ولاية العهد المشروطة: يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله: «لم يقبل الإمام عليه السلام بولاية العهد إلّا بشرط الموافقة على عدم تدخّله في أيّ شأن من شؤون الحكومة من: حرب، وصلح، وعزل ونصب، وتدبير وإشراف على الأمور»(20)، وكان لهذا الإجراء العديد من النتائج والآثار(21)، وهي: عدم تدخّل الإمام عليه السلام بقرارات السلطة وحريّة الاعتراض عليها، واستفادته عليه السلام من موقعه لخدمة المجتمع، وعدم الدفاع عن إجراءات الحكومة، بالتالي، إفشال مخطّطات المأمون.
4. استثمار ولاية العهد: يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله: «بقبوله ولاية العهد، استطاع الإمام الرضا عليه السلام أن ينهض بحركة لا نظير لها في تاريخ حياة الأئمّة، ولقد تمثّل ذلك بظهور دعوة الإمامة الشيعيّة على مستوى كبير في العالم الإسلاميّ وخرق ستار التقيّة الغليظ في ذاك الزّمان، بحيث وصل نداء التشيّع إلى أسماع جميع المسلمين»(22).
* ثمار العمل السياسيّ للإمام عليه السلام
يبيّن الإمام الخامنئيّ دام ظله ثمار العمل السياسيّ للإمام عليه السلام كالآتي:
1. إبراز شخصيّة الإمام عليه السلام: يقول الإمام دام ظله: «لقد مدح المأمون الإمام الرضا عليه السلام بالفضل والتّقوى وأشار إلى نسبه الرّفيع المستوى ومقامه العلميّ المنيع...، فقد أصبح في غضون سنة معروفاً عندهم بأنّه شخصيّة تستحقّ التّعظيم والإجلال واللياقة لاستلام الخلافة»(23).
2. بثّ الروح الثوريّة عند العلويّين: ساعدت ولاية العهد في بثّ نَفَس جديد من الروح الثوريّة عند العلويّين، فأدّى ذلك إلى إحياء الثورات الشيعيّة مع تصحيح مسارها، وتوجيهها، وتوضيح أهدافها.يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله: «إنّ الإمام عليه السلام قام بدورٍ أساسيّ في تقوية إيمان أولئك الشّيعة الثّائرين وعزيمتهم وروحيّتهم»(24).
3. المحافظة على التشيّع: يقول دام ظله: «أكبر إنجاز لإمامنا المعصوم الجليل عليه السلام هو أنّه استطاع أن يحافظ على شجرة التشيّع وسط أعاصير الحوادث»(25).
4. ذكر فضائل أهل البيت عليهم السلام: كانت المناظرات التي يقوم بها الإمام عليه السلام في مجالس المأمون تساعده على نشر فضائل أهل البيت عليهم السلام، وبيان فضلهم وعلمهم. يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله: «يمكنكم أن ترَوا كيف أنّ ذلك الفكر المتعلّق بولاية بأهل البيت عليهم السلام والارتباط بآل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان قد انتشر في العالم الإسلاميّ»(26).
5. كشف حقيقة الحكم العباسيّ: وسياسته الخاطئة سواء مع الشيعة أو عموم المسلمين، بل حتّى السياسات الخاطئة في إدارة الدولة.
(1) إنسان بعمر 250 سنة، الإمام الخامنئيّ دام ظله، ص 425.
(2) المصدر نفسه، ص 413.
(3) راجع: فهرست أسماء مصنّفي الشيعة، النجاشي، ص 246.
(4) المصدر نفسه، ص 430.
(5) المصدر نفسه، ص 431 - 425.
(6) راجع: تاريخ الموصل، الأزدي، ج 2، ص 45.
(7) كلمة الإمام الخامنئيّ دام ظله، بتاريخ 30/3/2016م.
(8) كلمة الإمام الخامنئيّ دام ظله، بتاريخ 07/09/2014م.
(9) المصدر نفسه.
(10) إنسان بعمر 250 سنة، مصدر سابق، ص 416.
(11) المصدر نفسه، ص 417.
(12) كلمة الإمام الخامنئيّ دام ظله، بتاريخ 07/09/2014م.
(13) إنسان بعمر 250 سنة، مصدر سابق، ص 417.
(14) كلمة الإمام الخامنئيّ دام ظله، بتاريخ 07/09/2014م.
(15) إنسان بعمر 250 سنة، مصدر سابق، ص 418.
(16) المصدر نفسه، ص 418.
(17) المصدر نفسه، ص 418.
(18) المصدر نفسه، ص 419.
(19) المصدر نفسه، ص 422.
(20) المصدر نفسه، ص 423.
(21) المصدر نفسه، ص 423-424.
(22) المصدر نفسه، ص 425.
(23) المصدر نفسه، ص 429.
(24) المصدر نفسه، ص 429.
(25) المصدر نفسه، ص 413.
(26) المصدر نفسه، ص 425.