نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

المؤامرة وانقلاب السحر على الـساحر

مقابلة مع فضيلة الشيخ مصطفى قصير/ حوار: جمانة عبد الساتر


* ما هي الظروف التي جعلت المأمون يوصي بولاية العهد للإمام الرضا عليه السلام ويجبره على قبولها؟  وما هي أبرز النقاط التي تضمنتها وثيقة العهد التي كتبها المأمون حينذاك؟ وما كانت أهدافه منها؟ كيف تعامل الإمام الرضا عليه السلام مع ولاية العهد التي لا يريدها؟ وكيف يحقق الإمام العدالة في الأرض وهو محاط بمجموعة من الوزراء والقواد وقد تلطخت أيديهم بالكثير من الدماء من أجل الحكم والخلافة؟ أفلا يعني هذا الانتحار وأن يضع الإمام نفسه في قفص لا يمكن الخروج منه فيما بعد؟ فلماذا إذاً الخراب وقتل آلاف الضحايا؟ ولماذا الإصرار على جعل الإمام ولياً للعهد وتهديده عليه السلام بالقتل عند رفضها؟ عن هذه الأسئلة سيجيبنا بعون الله مدير عام المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم فضيلة الشيخ مصطفى قصير:

* ظروف عصر المأمون
س: فضيلة الشيخ بداية وقبل الدخول في رسالة العهد التي أرسلها الخليفة المأمون للإمام الرضا عليه السلام ، هل لك أن تضعنا في صورة الظروف السياسية والاجتماعية التي سادت في عصر المأمون؟
ج: جاءت سلطة المأمون في ظروف سياسية وعسكرية مليئة بالاضطرابات والتحديات والنزاعات، فرضت عليه اتخاذ قرارات استثنائية لتثبيت حاكميته وسلطانه. ومن أهم ملامح عصر المأمون ما يلي:

أولاً: الصراع الدموي على السلطة مع أخيه الأمين، وما آل إليه من قتل الأمين، وما نتج عنه من انشقاق العباسيين ونقمة الكثير منهم على المأمون للطريقة التي حسم فيها نزاعه مع أخيه، ولأنه باعتقادهم لا يمثل العنصر العربي العباسي كما يمثله الأمين.

ثانياً: تصاعد ثورات العلويين (زيديين وحسنيين وإثني عشريين)، حيث سُجّل في تلك الفترة انتقال هذه الثورات من مصرٍ إلى آخر، (مكة والمدينة والكوفة وواسط واليمن والمدائن وغيرها من الأمصار). بعض هذه الثورات أنهك السلطة العباسية وكلف مئات الآلاف من القتلى.

ثالثاً: تزايد نقمة الناس على العباسيين نتيجة سياسة الظلم والاضطهاد والقتل والترهيب، والتي كانت تمارس على مستوى واسع في مختلف أنحاء البلاد.

رابعاً: انغماس العباسيين في شتى مظاهر الفساد واللهو وممارسة الفواحش. هذه الأمور وغيرها طبعت عصر المأمون بطابع الاضطراب وجعلت سلطان بني العباس على حافة الهاوية وفي مهب الريح. فكان المأمون بحاجة إلى اعتماد سياسات جديدة يواجه بها المخاطر والتهديدات ويثبّت بها دعائم سلطته.

* خطة المأمون في استمالة الإمام الرضا عليه السلام
س: من خلال قول المأمون في رسالته: "إنه إذا أتاك كتابي جعلت فداك وأمكنك أن تضعه من يدك حتى تسير إلى أمير المؤمنين الذي يراك شريكاً في أمره وشفيعاً في نسبه وأولى الناس بما تحت يده"، ما معنى الشراكة هنا؟ أفهل يعقل أن يتنازل المأمون عن الخلافة بهذه السهولة؟ وبالتالي لماذا الخراب والحرب وقتله أخاه؟
ج: مما لا شك فيه أن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام كانت له مكانة خاصة عند العلويين، كل العلويين، سواء من يؤمن بإمامته (الاثنا عشرية) أو غيرهم من الزيدية وأبناء الحسن عليه السلام . وعليه فإن أي خطوة باتجاهه من شأنها أن تؤثر بشكل مباشر في إخماد ثورات العلويين ولو بشكل مؤقت ريثما يتمكن المأمون من ترتيب أوضاعه وبناء سلطته واستعادة قدراته العسكرية. من هنا جاءت المبادرة لاستمالة الإمام الرضا عليه السلام ، وهو يعرف تماماً أن الإمام الرضا عليه السلام لا يمكن استمالته بشي‏ء من أمور الدنيا والمناصب الثانوية، لأنه صاحب مشروع الإمامة، ولأنه الإمام المفترض الطاعة. وعليه فقد رفع سقف الإغراء إلى الحد الأقصى الذي يحقق من خلاله أحد هدفين:

إما استمالته واستمالة أنصاره وشيعته، وبالتالي تحقيق الغرض المنشود. أو التذرّع برفضه للقضاء عليه وإزاحة أكبر مكامن الخطر التي تتهدّده. وكما قلتم في المقدمة.. لا نتصور كيف أن المأمون بعد ارتكابه لأبشع الجرائم، واعتماد القتل والتنكيل وسيلة من أجل الوصول إلى السلطة، يبادر إلى تقديم الخلافة على طبق من ذهب لأحد من خصومه الأساسيين. الأحداث أثبتت أن المأمون لم يكن جاداً في نقل الخلافة عندما عرضها، ولا جادّاً في عقد ولاية العهد، وإنما هي خدعة سياسية مدروسة بدقة ومحبوكة بإتقان. وقد فهم ذلك تماماً الإمام الرضا عليه السلام وتعامل معه بطريقة مدروسة أيضاً كما سنشير في طيات هذا الموضوع. المهمّ أن ما ورد في كلام المأمون في رسالته كان في سياق سياسي ليس إلاّ، ويأتي التهديد بالقتل في هذا السياق أيضاً ليكشف أن غاية في نفس المأمون يريد تحقيقها ولو على دماء الإمام الرضا عليه السلام .

* أهداف المأمون من ولاية العهد
س: من خلال كلام المأمون لمستشاره الفضل بن سهل- ذي الرياستين كما كان يطلق عليه- حذره من مغبّة إعطاء الإمام ولاية العهد، فرد عليه المأمون بأني عاهدت الله أنني إن ظفرت بالمخلوع يعني الأمين أخرجت الخلافة إلى أفضل آل أبي طالب، وما أعلم أحداً أفضل من هذا الرجل على الإطلاق، كيف يصح أن يعقد العهد على إعطاء الخلافة ويكون الوفاء بإعطاء ولاية العهد؟
ج: يمكننا في البداية الحديث عن دوافع المأمون وأهدافه من وراء ولاية العهد. فعلى ما يظهر من خلال تتبع السيرة والتاريخ أن المأمون أراد أن يحقق جملة من الأهداف في آنٍ معاً:

الأول: أراد أن يضع الإمام عليه السلام تحت رقابته المباشرة ويحدّ من حرية حركته، ويحول دون القدرة على التواصل مع أنصاره وشيعته خارج إطار الرقابة المباشرة.
الثاني: أراد تشويه صورة الإمام عليه السلام وإسقاط هالة القدسية التي كان يتمتع بها من خلال إظهاره منغمساً في مواقع السلطة وساعياً إليها.
الثالث: أراد أن يأخذ من الإمام الرضا عليه السلام إقراراً واعترافاً بشرعية حكم بني العباس، حيث إن قبول ولاية العهد منهم يتفرع على شرعية خلافتهم كما يفهم الناس على الأقل.
الرابع: أراد التلويح لبني العباس الذين قاطعوه بأن خلافة العباسيين في خطر الانتقال إلى غيرهم، ما يدفعهم للقبول به للحفاظ على امتيازاتهم. وهذا يُفهم من طبيعة إجابته لهم عند اعتراضهم على ولاية العهد، وهو يبرر لهم خطوته تلك بأنها لاستعادة مجدهم.

* عدم تحقق أهداف المأمون
س: بعضهم قد يفسر رفض الإمام لولاية العهد على أنه هروب من الخلافة وهذا يتناقض مع هدف الأئمة عليهم السلام في إقامة حكومة إسلامية عادلة في الأرض. هل يعود ذلك إلى أن الإمام كان عارفاً بمآرب المأمون ومخططاته وأن ولاية العهد ما هي إلا خدعة من المأمون لتمريرها على الناس؟
ج: المأمون رغم دهائه وذكائه، لم يتمكن من تحقيق مآربه وأهدافه، فهو لم يتمكّن من إخضاع الإمام عليه السلام ولم يتمكن من تشويه صورته النقيّة. صحيح أنّ بعض السذّج من الشيعة كان يعترض على الإمام عليه السلام قبوله للعهد، ولكنه كان يبيّن لهم بحسب مقتضيات أحوالهم وقدراتهم على فهم الأمور، وبحسب ما كان الوضع يتيح له ذلك. ولم يتمكن المأمون أيضاً من إخضاع العلويين، ولا من الحد من انتشار التشيع. بل إن وجود الإمام عليه السلام في خراسان فتح باباً جديداً لترسيخ دعائم التشيع، فجاءت بعض المناظرات لتبيّن واقع علم الإمام عليه السلام . وبعض الأحداث الأخرى ساهمت في كشف عورات الحكّام العباسيين أكثر مما كانت عليه.

س: ما هي الإجراءات التي قام بها الإمام الرضا عليه السلام لمواجهة هذا الواقع؟ وهل مكّنه المنبر من أن يتحدث بما لم يكن يقال طوال فترة 150 سنة بخصوص مسألة الإمامة وغيرها من المطالب العقائدية والفقهية؟
ج: حصلت في تلك الفترة بعض الفرص التي استفاد منها الإمام عليه السلام في بيان معاني الإمامة ولكن الأهم كان الجانب العملي أو الأنموذج الخاص الذي قدّمه عليه السلام والذي كان أبلغ في نفوس الناس من الكلام ومن الاستدلال النظري.

الإمام وعلاقته بالناس
س: كيف استفاد الإمام من تحركه ومسيره من المدينة إلى مرو؟ كيف كان يتصل بالناس ويعرّفهم أهل البيت عليهم السلام ؟ ماذا عن الآيات والمعجزات التي تركها في هذه البلدات وما هي دلالاتها؟
ج: الفترة التي عاشها الرضا عليه السلام في خراسان كانت فترة إقامة جبرية وشبه حصار. ومع ذلك استفاد الإمام عليه السلام من الفرص. فقد كان يدخل عليه الناس تحت نظر عيون السلطة. ولكن الإمام عليه السلام كان يظهر لهم منزلته وفضله بأساليب مؤثرة قد لا يدرك أبعادها عملاء السلطان. في بعض النماذج التي حدثنا عنها التاريخ كان يدخل عليه بعض الناس رغبة بالحصول على بعض الدراهم أو الدنانير التي سكّت باسم الرضا عليه السلام ، أو للحصول على بعض ثيابه للتبرّك بها. وكان الإمام عليه السلام في كثير من الحالات يأمر لهم بما يريدون دونما طلب مخبراً إياهم عن رغباتهم ما كان يدهشهم ويعمّق محبتهم له عليه السلام ويدلّهم على أنه يمتلك من أبواب المعرفة والعلم ما يأتي عن غير الطرق المعروفة. وهذا كله ساهم في نشر محبة أهل البيت عليهم السلام والتشيع لهم. يجدر التذكير أيضاً بحادثة تجمّع الناس في نيسابور وفيهم آلاف المحدّثين وطلبهم من الإمام عليه السلام أن يحدّثهم بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان لها بالغ الأثر في التعريف بأهل البيت عليهم السلام حيث حدّثهم بحديث السلسلة الذهبية قائلاً: حدثني أبي عن جدي عن أبيه عن جده عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن جبرائيل عن الله عزّ وجل "كلمة لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي". ثم سار بناقته خطوات والتفت إليهم قائلاً: "بشرطها وشروطها وأنا من شروطها".

* منزلة الإمام عليه السلام وفضله
والخلاصة أن المأمون لم يتمكن من تشويه صورة الإمام الرضا عليه السلام . واستطاع الإمام عليه السلام أن يظهر منزلته وعلمه وزهده في أشد الظروف، وأثبت أحقية المذهب. ومن جملة الأخبار التي تدخل في إطار إظهار المنزلة والعلم اللدني، ما ورد من أن رجلاً خارجياً دخل عليه مخبئاً مدية مسمومة ينوي طعن الإمام عليه السلام بها، وقد بدأ بطرح مسألة عليه، فطلب منه الإمام إخراج المدية المسمومة قبل الإجابة فأسقط ما في يده. وقد أخبر الإمام عليه السلام أهله وخاصته عند خروجه من المدينة أنه لا يعود، وأخبر المأمون أنه مقتول مسموم وأنه يعرف قاتله ومكان دفنه. وطلب من الفضل بن سهل عدم الخروج إلى الحمّام ليلة مقتله ولكنه لم يمتثل فخرج وقتل. وأخبر عن مصير يحيى بن جعفر بأنه يقتل ويقطع إرباً إرباً، وأمثال ذلك من الأخبار والعلامات التي كان لها دورها في إظهار منزلته وفضله وأحقيته.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع