مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

ولاية العهد ثمار ومكتسبات


الشيخ كاظم ياسين‏


لئن كان قرار المأمون بإعطاء ولاية العهد للإمام الرضا عليه السلام ينطوي على دوافع ظاهرة تناولتها الكتب بالتوسع والتحليل فإن هذه الدوافع تنتج عنها مكتسبات إيجابية كبرى على الساحة الشيعية عموماً وعلى الإمام الرضا بشكل خاص وكان لها أثر كبير على تاريخ الشيعة في تلك الفترة، ورغم ما تضمنته هذه الولاية من دوافع ظاهرة محمودة ودوافع باطنة غير محمودة إلا أنه كان لها أثر كبير على الشيعة في تلك المرحلة التاريخية الحساسة، والتي كان من الممكن أن تكون من أصعب الفترات التاريخية على أنصار أهل البيت عليهم السلام.

* اعتراف المأمون بأحقية أهل البيت عليهم السلام
كان تشجيع المأمون أتباعه على ذكر مناقب وفضائل أهل البيت عليهم السلام يزيد في توسّع القاعدة الشعبية الموالية لهم، كما أن أصحابهم ازدادوا جرأة وإقداماً، فتعرّف الأشخاص الذين كانوا يجهلون مقام أهل البيت عليهم السلام إليهم وصاروا يحبونهم. وأخذ المحدثون الشيعة ينشرون معارفهم التي ما كانوا ليجرؤوا على ذكرها إلا في الخلوات.

* توظيف وسائل الإعلام لصالح الإمام عليه السلام
وظّف المأمون وسائله الإعلاميّة لصالح الإمام عليه السلام، فأصبح الولاة والأمراء وأئمة الجمعة يدعون له من على المنابر في كل يوم وكلّ جمعة وكل مناسبة إضافة إلى طبع اسمه على الدراهم والدنانير المعمول بها في جميع الأمصار. كما كثرت الخطب والأشعار المادحة للإمام والذاكرة لفضائله وفضائل أهل البيت عليهم السلام، وانتشرت، دون حاجة إلى بث الدعاة من قِبل الإمام عليه السلام. وقد أثمر هذا الإعلام فيما بعد، ففي سنة 211 هجرية أمر المأمون أن ينادى: برئت الذمّة ممّن يذكر معاوية بخير، وإنّ أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله عليّ بن أبي طالب(1).

* حريّة الإمام عليه السلام في المناظرة
أمر المأمون الفضل بن سهل أن يجمع للإمام عليه السلام أصحاب المقالات، كالجاثليق، وهو رئيس الأساقفة، ورأس الجالوت عالم اليهود، ورؤساء الصابئين وعظماء الهنود من أبناء المجوس، وأصحاب زرادشت، وعلماء الروم، والمتكلمين. وفي جلسات المناظرة احتجّ الإمام عليه السلام بالكتب المعتبرة عندهم، وفنّد مناهجهم ومبتنياتهم الفكرية والعقائدية.

* حقن الدماء
من مكتسبات قبول الإمام الرضا عليه السلام ولاية العهد حقنُ دماء المسلمين من أتباع أهل البيت عليهم السلام ومن أتباع النظام الحاكم. فأعلن المأمون العفو العامّ عن قادة الثورات، ومنهم زيد وإبراهيم أخوا الإمام عليه السلام ومحمد بن جعفر، وتوقفت الثورات المسلحة، وتوجّه قادتها وكوادرها إلى إصلاح أوضاع الشيعة بصورة سلميّة هادئة، وبناء قواعدهم الشعبية، والاستفادة من الظروف المتاحة لتطوير الحركة الرسالية، وتبيان الحقائق للمسلمين لكي لا يزجهم الحاكم فيما بعد لقمع المعارضين لحكمه من أهل البيت عليهم السلام أو من غيرهم. وكان لتعيين أخوة الإمام عليه السلام في بعض المناصب الحكومية دور كبير في إرشاد وتوجيه المسلمين لاتخاذ الموقف السليم في التعامل فيما بينهم، والتعامل مع الحكومة القائمة. وقد جاء قبول الإمام عليه السلام لولاية العهد في وقت كان فيه أتباعه في أمسّ الحاجة لقسط من التفرّغ للعمل الرسالي بعيداً عن حمل السلاح الذي يكلّفهم كثيراً من الطاقات والإمكانيات الماديّة والبشريّة.

* استثمار الظروف لإقامة الدين وإحياء سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله
كانت الحرية النسبيّة الممنوحة للإمام عليه السلام ولأهل بيته وأنصاره فرصة مناسبة لتبيان معالم الدين وإحياء السنّة النبوية، ونشر منهج أهل البيت عليهم السلام في مختلف الأوساط الاجتماعية والسياسية، وخصوصاً في البلاط الحاكم عن طريق الالتقاء بالوزراء والخواص والخدم والحرّاس وغيرهم، فقد استثمر الإمام عليه السلام فرصة وجوده في البلاط لنشر الآراء الصائبة في مختلف جوانب العقيدة والشريعة ليطلع الحاكم والوزراء والقادة والأمراء والفقهاء والخدم على آراء مدرسة أهل البيت عليهم السلام ومبتنياتهم التشريعية والعقائدية، إضافة إلى فضائلهم ومكارمهم. واستطاع الإمام عليه السلام أن يجعل المأمون وغيره يسألونه ويعترفون بفضائل أهل البيت عليهم السلام. وكان المأمون يجمع المخالفين لأهل البيت عليهم السلام ويكلّمهم في إمامة عليّ بن أبي طالب تقرّباً للإمام الرضا عليه السلام(1)، الذي كان يبيّن في المناظرات التي جرت بينه وبين جمع من العلماء في محضر المأمون أمتن الأدلة على مسألة الإمامة(2).

* إفشال مخططات المأمون
لقد كانت خطة المأمون أن يقوم بتولية العهد لأي علوي، يكون مساوماً أو انتهازياً، أو مخلصاً قليل الوعي، أو واعياً معرَّضاً للانزلاق في مغريات السلطة. وفي جميع الحالات فإن هذا الموقف سيؤدي إلى شق صفوف أنصار أهل البيت عليهم السلام أو توريط العلوي بممارسات خاطئة تؤدي إلى تشويه سمعة أهل البيت عليهم السلام أو إلقاء مسؤولية الفساد الاقتصادي والأخلاقي والإداري والسياسي عليه. بل أكثر من هذا قد يؤدي انزلاق من يتولى العهد من العلويين إلى قيامه بمعارضة الإمام عليه السلام أو ملاحقة أتباعه وأنصاره.

* تعبئة الطاقات
إن الظروف التي خلقتها ولاية العهد كانت مساعدة لإعادة تعبئة الطاقات بعد إيقاف الملاحقة والمطاردة للشيعة، خاصة وأنهم كانوا بحاجة إلى قسط من الراحة لإدامة التحرّك فيما بعد، حينما تكون الظروف مناسبة له.

* تشجيع الشعراء الرساليين
من أجل نشر فضائل أهل البيت عليهم السلام، وبيان دورهم في الأمة، وتبيان مظلوميتهم على مرّ التأريخ، شجّع الإمام عليه السلام الشعراء على نظم الشعر، لأنه خير وسيلة إعلامية سريعة الانتشار والتأثير، فقد دخل عليه دعبل الخزاعي وأنشده قصيدته التي جاء فيها:
 

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات‏

لآل رسول الله بالخيف من منى‏

وبالبيت والتعريف والجمرات‏

أئمة عدلٍ يُقتدى بفعالهم‏

ويؤمن فيهم زلة العثرات‏


تضمنت القصيدة فضائل أهل البيت عليهم السلام ومقاماتهم السامية، واستعراضاً لمظلوميتهم من قِبل حكام عصرهم، ثم ختم القصيدة بذكر خروج الإمام المنتظر الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، فأعطاه الإمام عليه السلام ستمائة دينار فرفض استلامها، وطلب من الإمام أن يعطيه من ثيابه للتبرك فأعطاه جبة خز ورد عليه المال إضافة إلى الجبة(3).

* نشاطات الإمام العلمية
كان الإمام عليه السلام يمارس دوره العلمي في الأوساط التي عاشها في البلاط وغيره، وكان يلتقي بالمحسوبين على جهاز الحكم، وبسائر المسلمين، فينشر علوم أهل البيت عليهم السلام على أتم صورة. وكان المأمون وبطانته يطلبون منه التحدث، فيحدثهم ويجيب عن أسئلتهم، فقد كتب للمأمون عدّة رسائل في شرائع الدين، وفي الطب وغيره من العلوم. ووضح في نشاطه العلمي علل الشرائع والأحكام وعلل تحريم المنكرات، وقام بتفسير القرآن الكريم، ونشر أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته وعلّم المسلمين الأدعية المأثورة عنه صلى الله عليه وآله وعن آبائه، وبيّن التأريخ الصحيح للأنبياء وللأمم السابقة، وأرشد الناس إلى الصحيح من سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام. وكان يعلّم الناس الفقه على أساس مدرسة أهل البيت عليهم السلام. وقد بلغ عدد الرواة عنه حوالي 313 راوياً، كما أحصاهم صاحب مسند الإمام الرضا، وهم يشكلون طلاب مدرسته العلميّة.

* إمام المستقبل
سئل الإمام الرضا عليه السلام عن كيفية تعيين الإمام اللاحق فقال عليه السلام: إنما يوصي بأمر الله عزّ وجلّ. ما هو إلا عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله رجل فرجل مسمّى(5). ونص على إمامة محمّد الجواد عليه السلام فقال عليه السلام: أبو جعفر وصيي وخليفتي في أهلي من بعدي(6).

* الإعداد لإمامة المهدي المنتظر عجل الله فرجه
وكان الأئمة يروّجون لمفاهيم الغيبة وخصوصيات الإمام المنتظر عجل الله فرجه، ويزداد التركيز على ذلك كلما قرب عصر ولادة الإمام المهدي عليه السلام. وقد جاء دور الإمام الرضا عليه السلام لتركيز هذه الحقيقة في العقول والقلوب فقام بتحديد نسبه واسمه وأنه الثالث من ولده، وبيّن لخواصه والمقربين له جميع خصوصياته عجل الله فرجه لتعميق إيمانهم بغيبته، وكتمانهم للأمر خوفاً من ملاحقة السلطات له. وكان العباسيون يدركون أن ولادة المهدي عجل الله فرجه وغيبته ستتحقق. ولعل إشخاصهم للأئمة المتأخرين وفرض الإقامة الجبرية عليهم في داخل البلاط الحاكم هو أحد الأساليب المتبعة لمراقبة ولادة الإمام المهدي عجل الله فرجه، ولعلّ اغتيال الأئمة عليهم السلام من قِبلهم وهم في عمر الشباب كان أيضاً للحيلولة دون ولادته المباركة.


(1) عيون أخبار الرضا، ج‏2، ص‏184 و185.
(2) الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص198.
(3) سير أعلام النبلاء، ج‏9، ص‏391، الفصول المهمة، ص‏249 و250.
(4) راجع حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام للشيخ باقر شريف القرشي.
(5) بحار الأنوار، ج‏23، ص‏6
8.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع