مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

التعبويّ مبادرٌ مِقدام - مقابلة مع سماحة السيد كميل باقر زادة


حوار: محمّد باقر


تراه يعمل على مدار اليوم بنشاط دون كلل أو ملل، يتقدّم مختلف الميادين والساحات، يقدّم يد العون والمساعدة، يبادر إلى تقديم مختلف الخدمات، وكلّ ذلك دون أيّ مقابل، والأصعب أنّه يعرّض حياته للخطر، والهدف هو ابتغاء وجه الله فقط.

إنّه التعبويّ، ذلك الشخص المبادر الذي تجتمع فيه مجموعة صفات فريدة وخاصّة، والذي سنتعرّف في هذا المقال أكثر إلى خاصيّة المبادرة التي يتحلّى بها وكيفيّة تجلّيها في عمله.

عن التعبويّين الشجعان، الذين غيروا معادلاتٍ عدّة بهمّتهم وعزمهم وإيمانهم، حاورت مجلة بقيّة الله المستشار الثقافيّ للجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، سماحة السيّد كميل باقر زادة.

- بدايةً، هل مصطلح التعبئة قديم في الإسلام أم نشأ مع انتصار الثورة الإسلامية التي قادها الإمام الخميني قدس سره ؟
يبدو أنّ مصطلح التعبئة جديدٌ بحسب المعنى الذي نحن نستخدمه اليوم، بالفارسيّة نعبّر بـ(باسيج) وهو لفظٌ موجودٌ بالفرنسيّة يعني التحشيد، أمّا المصطلح المُستخدم اليوم ببعده الإسلاميّ الثقافيّ الذي يشمل معايير التهيئة والاستنفار والجهوزية والمبادرة وانتظار التكليف الشرعي العام... فهو جديد، على أنّ جذوره موجودة في تاريخ الأنبياء عليهم السلام وسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وروايات أهل البيت عليهم السلام. ويحضر في بالي مصداق من كلمات سماحة الإمام الخامنئي دام ظله: "التعبويّ يعني عليّاً عليه السلام"، أيّ الذي وقف كل وجوده في سبيل الإسلام، وقف كل ما يملك من القدرات والطاقات والصلاحيات والإمكانات في سبيل الإسلام.

- بالرجوع إلى المرحلة الأولى من تاريخ الثورة الإسلاميّة، أين ظهر دور التعبويّين وخصوصاً مبادراتهم النوعيّة في تلك المرحلة؟
بعد انتصار الثورة وبداية الحرب المفروضة التي شنّها البعثيّون على الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، وقبل أن يبرز الدور العسكريّ للتعبئة والتضحيات التي قدّمها عناصرها في مواجهة جيش صدّام حسين، برزت روحيّتهم العالية في كثير من المجالات، مثل خدمة المحرومين، إذ كانوا يذهبون إلى القرى البعيدة والمحرومة والنائية لمساعدة الناس في الحصاد والزراعة. ولاحقاً، تطوّرت الأمور أكثر وأخذت طابعاً مؤسّساتيّاً، فظهرت مؤسّسات كثيرة مثل جهاد البناء التي قامت بالكثير من المهام والنشاطات بهدف خدمة الناس. وكان من مهام التعبويّين أيضاً توفير الأمن في كثير من المناطق التي كانت ترزح تحت تهديد الأشخاص الذين كانوا ضدّ الثورة.

بهذه الروحيّة التعبويّة كان التعبويّون يقومون بواجبهم لتوفير الأمن وحفظه، بحيث وقفوا جنباً إلى جنب مع الجيش والحرس، اللذين ما كانا يستطيعان أن يقوما بواجبهما والتصديّ لهجمات العدوّ لولا كلّ ما قدّمه هؤلاء التعبويّون أصحاب المبادرات الحيّة. عندما ننظر إلى الأيام الأولى بعد انتصار الثورة نجد أن الشباب المندفعين كانوا حاضرين وكانوا يحددون مكان الحاجة، وكانوا ينخرطون بشكل سريع ويلبونها، لم يتركوا مجالاً أو ساحة خالية من حضورهم. بعد الحرب، أصبحت التعبئة متجهةً نحو ضم الدور العسكري لها، ومأسستها وتنظيمها.

- لماذا نجد أنّ المبادرة والإقدام من أبرز المميّزات التي تتمحوّر حولها صفات التعبويّ؟
تحدّث الإمام الخامنئيّ دام ظله في لقاءاته وخطاباته عن صفات التعبئة والتعبويّ بشكل عام، سأذكر مجموعةً من الصفات التي تتمحور حول المبادرة النوعيّة، منها:

1. التضحية: أي الجهوزيّة والاستعداد التامّ للتضحية إلى أقصى الحدود. وهذا يعني أنّ التعبويّ جاهز دائماً لأن يضحّي بكلّ ما يملك وصولاً إلى التضحية بنفسه وروحه التي هي أغلى ما يملكه.

2. الإخلاص: أي المجاهدة المخلصة دون مقابل؛ فالتعبويّ هو الذي يجاهد في سبيل الله بإخلاص، ولا يريد لنفسه أيّ شيء في هذا الجهاد ولا يتطلّع إلى أيّ مردود دنيويّ وماديّ لنفسه، ولا يريد أن يمجّده أو يمدحه أحد.

3. الحضور في كلّ الساحات: كما يقول سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله): "حيث يجب أن نكون سنكون"؛ وهذه من خصوصيّات الإنسان التعبويّ، فهو موجود في كلّ الأمكنة والمجالات والساحات التي يحتاج إليها الإسلام والثورة، ليس العسكريّة فحسب وإنّما الاجتماعيّة أيضاً والعلميّة والأكاديميّة والحوزويّة والإعلاميّة والفنيّة والاقتصاديّة والصحيّة وغيرها.

4. أداء التكليف في الوقت المناسب: بمعنى تلبية حاجات المجتمع في الوقت المناسب واللحظة المناسبة، وهو ما يعبّر عنه بـ(تكليف اللحظة)، وسماحة الإمام الخامنئيّ دام ظله يقول في كتاب "الخواصّ واللحظات المصيريّة": ثمّة لحظات مصيريّة في التاريخ، الإنسان التعبويّ يعرف هذه اللحظات ويلبّي الحاجة في الوقت المحدّد والمناسب دون أيّ تأخّر. ومن القصص التي يستشهد بها دائماً سماحة الإمام دام ظله هي قصّة ثورة التوّابين التي انطلقت بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام؛ فقد جاء التوّابون لطلب الثأر للإمام عليه السلام في وقت غير مناسب، وبأعداد هائلة وقدّموا أضعاف عدد شهداء كربلاء، ولكن ما قاموا به لم يكن له تأثير؛ لأنّهم جاؤوا متأخّرين.

5. الشعور بالمسؤوليّة: من الخصوصيّات المهمّة جدّاً في الإنسان التعبوي أنّه معنيٌّ بأنّ يؤدّي دوره المناسب بكلّ ما يرتبط بالثورة والإسلام، بخلاف ما هو رائج عند بعضهم من ثقافة عدم الاهتمام بشؤون الآخرين.

6. الإقدام: التعبويّ هو المقدام الذي يتقدّم دائماً إلى الجبهة الأماميّة للأعداء، ويزيل العراقيل والموانع، ويجهّز الأرضيّة للآخرين.

7. الغيرة الدينيّة والثوريّة: الإنسان التعبويّ غيُور على الإسلام والثورة، فيبذل جهداً للدفاع عن كلّ شيء لحفظ هذه الثورة وهذا الدين.

8. الشجاعة: الإنسان التعبويّ شجاع لا يخاف من أيّ شيء إلّا الله سبحانه وتعالى، وعندما يحدّد تكليفه يُقدم بشجاعة عالية وصلابة كاملة.

9. الانضباط: أن تكون تعبويّاً معناه أن تكون منظّماً ومنضبطاً، وهذا من وصايا أمير المؤمنين عليه السلام: "الله الله في نظم أمركم". فإذا كان أمير المؤمنين عليه السلام القدوة والمثال الأعلى للتعبويّ، فوصيّته له وللجميع الالتزام بالنظم والانضباط.

- هل يُشترط في العمل التعبويّ المُبادر دائماً أن يأخذ شكل التنظيم والمأسسة؟
أن تكون تعبوياً ليس معناه أن تكون ضمن إطار تنظيمي، وأيضاً لا يعني أن يكون عملك غير منظّم، فالنظام في الإسلام والانضباط من الأمور الأساسيّة ومن وصايا أمير المؤمنين عليه السلام: "الله الله في نظم أمركم". المهم هو حُسن الدمج بين مراعاة النظم والانضباط وبين التحرك بليونة ومرونة؛ فلا تصبح بعض المُقررات الإدارية عائقاً أمام الحركة السريعة، فتقتل روح المبادرة، التي هي من أساسيّات الروح التعبويّة، وفي الوقت نفسه لا تكون المبادرات الفرديّة السريعة عبثاً دون هدف موّحد ومبني على رؤية وأفق، وهنا يأتي دور الوليّ الذي يوحّد هذه الجهود والمبادرات والاندفاعات وينظمها. فالتعبوي يجب أن يجمع بين النظم والمرونة والسهولة بالتحرك وسرعة التلبيّة. لذلك بعد انتصار الثورة وبداية الحرب المفروضة، لو لم يكن شباب التعبئة موجودين في الدفاع المقدس والحرب المفروضة ما كان باستطاعة الجيش والحرس التصدي أمام هجمة العدو وأمام الحملات.

هذا الواقع الموجود في إيران، شهدنا مثيلاً له في لبنان وفي مجالات كثيرة ومتنوّعة. أذكر مثلاً عندما وقع أول التفجيرات الإرهابيّة والتكفيريّة في الضاحية الجنوبيّة، كان شباب التعبئة أوّل المبادرين للنزول إلى الشوارع للقيام بواجبهم من أجل حماية أهلهم، كانوا متأهبيّن قبل أي تكليف أو تنظيم، وغيرها الكثير من المبادرات والأعمال التي يطول شرحها.

إنّه حسّ المبادرة نفسه الذي يجمع التعبويّ الإيرانيّ وذاك اللبنانيّ ويدفعهما لخدمة أبناء مجتمعهما بكلّ ما أوتيا من قوّة وإمكانات.

- هل ثمّة نمط حياة خاص بالتعبويّ يختلف عن غيره؟
إنّ كلّ هذه الخصوصيّات والمواصفات التي ذكرناها تجعل نمط حياة التعبويّ مختلفاً عن الآخرين الذين لا يتمتّعون بها، فالالتزام العمليّ بهذه المعايير والمواصفات سيؤدّي إلى نمط خاصّ في الحياة هو نمط الإسلام والإنسان المثاليّ، والتعبويّ أصلاً هو المسلم المثاليّ، وهو عبارة عن الإنسان الحزب اللهيّ، كما يعبّر سماحة الإمام دام ظله؛ أي المسلم المنقاد لطاعة الله، يبحث عنها دائماً، ويلحّ في طلبها.

والتعبئة قبل أن تكون منظّمة من تشكيلات إداريّة أو تنظيميّة، هي عبارة عن فكر وثقافة وروحيّة، والمطلوب من الإنسان أن يمتلكها حتّى يكون تعبويّاً.

وهكذا، المبادرة هي من أساسيّات صفات التعبويّ وصميم روحه؛ لأنّها هي التي تحرّكه في كلّ الاتجاهات وتضعه في مختلف الميادين.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع