مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

جولةٌ في الحرم الرضويّ

تحقيق: نور رضا


"منذ اللحظات الأولى التي أدخل فيها المشهد المبارك، أشعر أنّ الإمام عليه السلام يسمعني. لم أقصده يوماً بهموم ثقيلة إلّا وارتسمت الابتسامة على محيّاي عند النظر إلى قبّته، والدخول إلى باحات الحرم الواسعة؛ فأشعر بالهدوء والطمأنينة، أوليس هو أنيس النفوس؟! أمّا الجلوس في حضرته، فكأنّه الجلوس في الجنّة!".
هكذا تصف ريحانة زيارتها حرم الإمام الرّضا عليه السلام في مدينة مشهد، أنيس النفوس، الذي يزوره الملايين على مدار السنة، ويطوفون في أرجاء حرمه الذي يضمّ القبّة الذهبيّة والمنائر والصحون والإيوانات والأروقة التي تُخرج المحبّ من عالمنا المزدحم المتعب إلى روح من الجنّة والأنس.
في هذا التحقيق جولة أُنس في ضيافة أنيس النفوس.

 

• باحات الحرم
عندما يدخل الزائر لديه خيارات عدّة، فقد يدخل من أكبر الصحون؛ صحن الجامع الرضويّ، وهو ما بات يُعرف اليوم بـ "صحن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم"، ومنه يتوجه إلى داخل الحرم، إمّا من باب "الرّضا" أو من باب "الجواد" عليهما السلام. وأصغر الصحون هو صحن "القدس"، في وسطه مجسّم للمسجد الأقصى المبارك، وفيه أنفاس المسبّحين من الزائرين الذين يقفون ليلتقطوا صوراً أمامه.
يتربّع في وسط الحرم صحن "انقلاب اسلامى"، أي الثورة الإسلاميّة في الفارسيّة، وهو أهمّ الصحون وأفضلها من حيث الموقع، فهناك، القبّة الذهبيّة التي نراها على الشاشات.
وللناطقين باللغة العربيّة، خصّصت العتبات المقدّسة صحناً يطلق عليه اسم صحن "الغدير"، الذي يُعنى بشؤون الزوّار من الجاليات العربيّة كافّة. أمّا صحن "الكوثر"، فهو من الصحون الهادئة التي تعدّ صلة وصل بين الصحون الأخرى.
أمّا الصحون التي تطلّ على الروضة المباركة فهي صحن "انقلاب اسلامى" و"آزادى" و"جمهورى اسلامى". يتضمّن صحن "جمهورى اسلامى" دار الرحمة التي ينزل إليها الزائر ليكون، كما يقول خدّام الحرم والمشرفون عليه، في أقرب نقطة فعليّة من الضريح الواقعيّ للإمام الرّضا عليه السلام.
يضمّ الحرم مسجد "كوهرشاد" الذي نال شرف مجاورة الحرم الرضويّ، وهو أفخم مسجد في المنطقة المقدّسة وأجملها بناءً وزخرفة. وكما يقال، تطوّعت لبنائه الأميرة "كوهرشاد" زوجة "شاه رخ بن تيمورلنك" سنة 821هـ.

• عمارة المرقد
 إنّ أوّل قبّة بُنيت فوق المزار القدسيّ، كانت بأمر السلطان سنجر السلجوقيّ، وعلى يد شرف الدين القمّيّ بإعانة مجموعةٍ من الخبراء، وذلك في مقتَبَل القرن السادس الهجريّ. وكان بناؤها، كما يذكر المؤرّخون، من القاشاني، ثمّ بُدّل بعد سنوات بصفائح ذهبيّة برّاقة.
تزيّن المرقد الشريف منارتان تمّ إنشاؤهما بهندسة تتّسم بالروعة والجلال؛ الأولى منهما تقع قرب القبّة المطهّرة وتعلو الإيوان الذهبيّ إلى جنوب الصحن العتيق، والأخرى تقع إلى جهة شمال القبّة.
أمّا صحن آزادي، وهي كلمة تعني الحريّة في اللغة الفارسيّة، فهو الصحن الوحيد المربّع الشكل، وهو من أجمل الصحون وأكثرها حيويّة كجاره صحن انقلاب إسلامى. يقول السيّد "كلاهي"، وهو من الخدّام القدامى في الحرم الرضويّ، إنّ أكثر الناس يعبّرون عن استئناسهم في صحن الثورة الإسلاميّة، حيث يجلسون باتّجاه القبلة ويرون القبّة الذهبيّة كاملةً.

• مراقد العلماء والمكتبة
أيضاً، في الحرم مراقد علماء نورانيّين ممّن كان لهم قصص وعبر كالشيخ البهائي المدفون في القرب من رواق الإمام الخمينيّ قدس سره، والشيخ الشاهرودي الذي كان إمام جامع كوهرشاد.
وفي الحرم مكتبة يلجأ إليها طلّاب العلم، فيمكنهم باستخدام بطاقة العضويّة أو بطاقة جامعاتهم وحوزاتهم العلميّة النزول إليها والاستفادة من الكتب أو حتّى التفرّغ للدراسة داخلها لساعات طويلة. أمّا البرامج الثقافيّة، فهي متنوّعة بتنوّع المناسبات، وتؤمّن لزوّار الإمام عليه السلام منبعاً من المعلومات الدينيّة والثقافيّة، ناهيك عن إحياء المناسبات من ولادات وشهادات للأئمّة عليهم السلام، وأعياد مختلفة تزرع الفرحة في قلوب الزائرين.

• متاحف وآثار
أمّا مجموعة المتاحف، فهي تحتوي على كلّ الأضرحة الذهبيّة والفضيّة التي سبق وأن شُيّدت حول الضريح الشريف، وتضم الأبواب ومعالم الهندسة المعماريّة المستخدمة في الحرم منذ شُيّد. ويتميّز أحد المتاحف الرضويّة بأنّه يضمّ قطعاً ولوحات فنيّة وتاريخيّة وعملات نادرة، وكذلك بعض هياكل الكائنات الغريبة التي اكتشفها علماء من مختلف بلاد الأرض، وبعض الأجهزة القديمة المكتشفة، والمراصد الأثريّة، وبعض الأسلحة والدروع العسكريّة التاريخيّة، وقطعاً من الحليّ والمجوهرات النفيسة التي أهداها بعض الملوك للحرم الرضويّ، أو تلك التي أهداها عامّة الناس وخواصّهم لحرم الإمام عليه السلام. كما تحتوي على متحف مخطوطات إسلاميّة قديمة.

• خدمات ومضيف
كلّ ما يمكن للزائر أن يحتاجه من خدمات طبّيّة ودينيّة وثقافيّة متوافرٌ في أرجاء الحرم، حتّى مضيفه الذي يأكل فيه ملايين الزائرين ويتبرّكون به، يديره فريق متكامل يتمتّع بقدرة عالية على الإدارة والتنظيم. والمضيف ليس بجديد، فبحسب أحد مسؤولي الحرم، تشير الوثائق التاريخيّة الموجودة إلى أنّ مجموعة مباني هذه العتبة كانت تضمّ في العصر الصفويّ (907هـ- 1145هـ) جناحاً خاصاً يقال له: "دار الضيافة" أو "المضيف والمطبخ".

• مرقد سعيد الروح
بعيداً عن الصحون والأروقة، ثمّة بقعتان في الحرم يطلق عليهما اسم "جنّة ثامن الحجج" و"جنّة الزهراء" عليها السلام؛ وهما مدفنان لعامّة الناس ولخدّام الإمام عليه السلام. واللافت في الأمر ما كُتب على تلك القبور: "آرامكاه شادروان"، أي مرقد "سعيد الروح" في اللغة العربيّة!
لكلّ زاوية وحجر في الحرم ميزته الخاصّة، ويحمل رسالات في طيّاته. تتأمّل الجدران التي تزيّنها الهندسة المعماريّة الإسلاميّة، فتقرأ عبارات من أدعية وأشعار توقظ في نفسك ألف شعور.

• مسؤولون في ثياب الخدمة
إلى هنا يأتي الإيرانيّون من كلّ أنحاء البلاد بعد تسجيل أسمائهم بشكلٍ تطوّعيّ؛ فيلبسون لباس الخدم، ويقفون على أعتاب أبواب الحرم كدليل للزائرين، ويسعون جاهدين لتأمين الراحة والمساعدة لهم. يستطيع أيّ شخص أن يقدّم طلباً للخدمة في حرم الإمام عليه السلام؛ ليتشرّف بالخدمة مدةً تتراوح ما بين بضعة أيّام إلى أسبوعين كلّ عام. تقول الدكتورة زهرة، وهي أستاذة في جامعة طهران ومن المتطوّعات في خدمة حرم الإمام الرّضا عليه السلام: "يمثّل الحرم حركة شعبيّة أشبه بخليّة نحل تقوم على أساس التكامل والتعاون. وثمّة الكثيرون من أصحاب الاختصاصات ممّن يخدمون في الحرم في مجالات تقنيّة أو هندسيّة، وثمّة أيضاً أصحاب المكانة الاجتماعيّة والعلميّة ممّن يكنسون الحرم ويقومون بأعمال التنظيفات. هذا العمل المتواضع يزيد الإنسان شرفاً وتواضعاً وحسن خلق".
وبحسب ما تسجّله العتبات الرضويّة، ثمّة 50 مجموعة خدماتيّة تقدّم من خلالها العتبة لزوّارها أكثر من 30 نوعاً من الخدمات، وتشمل خدّاماً جدداً معظمهم من النخب والمتخصّصين، كخدّام الإضاءة، والصيانة، وتزيين الورود، وتنظيف الزجاج، وتوزيع الكتب، وجرّ الكراسي المتحرّكة، وغيرهم الكثير. وثمّة أكثر من 62 ألف منتسب ممّن يقدّمون الخدمات في الحرم و130 ألف متطوّع، وهم في حالة ازدياد دائم.
الفريد في هذا النظام، أنّك تشاهد لواءً مرموقاً في الحرس الثوريّ، يمسك بيديه مكنسةً ويقوم بكنس الرخام، أو يمسح الأرضيّة في الحرم، وقد تلمح طبيباً أو وزيراً أو قاضياً يتعاونون على إزالة الغبار وتنظيم أحوال الزوّار بكلّ تواضع ورحابة صدر. يقول السيّد كلاهان، وهو من خدّام الإمام عليه السلام: "ما من شخص يأتي لخدمة الإمام عليه السلام وزوّاره إلّا ويعيش خصوصيّته مع الإمام لناحية الشعور بالسكينة والرأفة والمحبّة. وهنا، تزول الاعتبارات الدنيويّة، ويبقى الأساس العمل للآخرة". حتّى أنّ اللواء الشهيد القائد قاسم سليماني كان ممّن تشرّفوا بخدمة الحرم الرضويّ، وله صورة ثابتة في الحرم تكريماً لخدمته.

• زائرو الرّضا عليه السلام
في حضرة الرّضا عليه السلام، ترى مشاهد لم تألفها عينك، مثل رجل يقف عند باب "صحن انقلاب" يذرف الدموع ويناجي الإمام ويطلب إذن الدخول. وعلى باب "صحن آزادي"، الذي غالباً ما تكون بركة الماء التي تتوسّطه مزيّنة بالورود والأضواء، يقف شابّ وخطيبته بشادورها الأبيض ينتظران بدء مراسم عقد قرانهما في جنّة الرّضا عليه السلام. هنا، يلعب الأطفال ويركضون في رياض الحرم الواسعة، ويجتمع الزائرون لاحتساء الشاي المحلّى بـ"سكّر النبات" أو أقراص السكّر المنكّه بالزعفران. وإلى هنا يأتي الناس بحبيب فقدوه، فيحملون نعشه على أكفّهم، ويطوفون به حول المقام ليقوم بزيارة وداع قبل الوصول إلى مثواه الأخير.
وهنا أيضاً، امرأة تبكي شوقاً، وفي الزاوية عند الشباك الذهبيّ المعروف بـ "صحن انقلاب"، تهمس أخرى وترفع يديها لتشكره لشفائها من مرض عضال كان قد أنهكها.

• سكينة الروح
أمّا جيرانه من التجّار وكاسبي الرزق الحلال الطيّب، فيطلقون تنهيدات الشكر والامتنان، ويستذكرون لطفه وكرمه؛ فهو لا يردّ طلب غريب، فكيف بمن يجاوره؟!
يقول تاجرٌ يجاور الإمام عليه السلام: "هذا السوق مليء بالتجار المسلمين وغيرهم، وقد رزقنا الخير الوفير بسبب جيرته عليه السلام؛ لذلك انتهج جيرانه عادةً في يوم مولده عليه السلام، أن تكون أتعاب أصحاب المهن، وأرباح التجار في هذا السوق مجانيّة على محبّة الرّضا عليه السلام".
الكثير من زوّار الإمام عليه السلام يذكرون أنّهم يعيشون حالة من السلام من اللحظة الأولى التي تقع فيها عيونهم على القبّة الذهبيّة؛ إنّه شعور غريب لا يمكن وصفه.
فتسرد نور كيف شعرت بفرحة تغمر قلبها عندما زارته للمرّة الأولى: "هي حالة من الأنس لا يمكن وصفها. لم ألتفت إلى كلّ ما حولي عندما وقع بصري على الحرم". تنهي نور كلامها قائلةً: "كلّ زيارة للإمام الرّضا عليه السلام كالحلم، أشعر أنّني أطفو على سطح ماء عذب يسقي روحي ويطهّر قلبي لأعود إلى عالم الازدحام والبشر والحياة اليوميّة أقوى وأقرب إلى الله، ولأشعر بحضوره معي أينما كنت".
يصح أن نقول: من لم يزر الإمام الرّضا عليه السلام بعد، لم يذق طعم حلاوة أنس، لا يتذوّقها إلّا زائروه.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع

العراق/ بغداد

علي مؤيد حافظ

2023-06-02 18:05:31

انوي التطوع في خدمة الحرم الرضوي