مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مفاتيح الحياة: عناصر الحياة نعمٌ كبرى(*)


آية الله الشيخ عبد الله الجوادي الآملي


تشير آيات القرآن الكريم إلى أنّ الطين هو المادّة الأولى في خلق الإنسان(1)، وإنّ الماء هو المادّة الأولى لكلّ الخلائق على هذه الأرض، وأصل الحياة فيها(2)؛ ويقتضي هذا منّا أن نوظّف هذه العناصر التوظيف الأمثل لصيانتها من التدمير. من هنا، إنّ عناصر الحياة من المناخ المعتدل والتربة الخصبة والمياه نعمٌ إلهيّةٌ، والاستفادة منها والمحافظة عليها من الضرورات الحياتيّة. 

•عناصر الحياة 
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "لَيْسَ لابْنِ آدَمَ حَقٌّ في سِوَى هذِهِ الخِصال: بيتٌ يَسْكُنُهُ وَثَوْبٌ يُوارِي عَوْرَتَهُ وجِلْفُ الخُبْزِ وَالماءِ"(3). وكذلك عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "المُسْلِمُونَ شُرَكَاء فِي ثَلاثَة:... والمَاء"(4).

كما روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قوله: "لا تطيب السكنى إلّا بثلاث: الهواء الطيّب والماء الغزير العذب والأرض الخوّارة"(5). وفي قول آخر له عليه السلام: "ثَلاثَةُ أَشْيَاءَ يَحْتَاجُ النَّاسُ طُرّاً إِلَيْهَا: الأَمْنُ والعَدْلُ والخِصْبُ"(6). 

لا بدّ من إجراء دراسات دقيقة حول عنصر المناخ أو الهواء الطيّب، وكيفيّة الاستفادة من هذه الأمانة الإلهيّة، ومعرفة العناصر الملوّثة لها، والأشياء المؤثّرة في نظافتها وإزالة تلوّثها، وكيفيّة تنقيتها وتصفيتها، واستخدام أساليب وإبداعات فنيّة(7)؛ كما ينبغي القيام ببحوث ومطالعات عميقة حول عنصر الأرض الخصبة، وكيفيّة الاستفادة من هذه المائدة الإلهيّة الواسعة، والأشياء التي تعمل على تدميرها أو تلويثها، وتلك التي تعمل على إحيائها وتسطحيها ومنع تصحّرها، وصيانتها من انزلاقات التربة، واتّخاذ الإجراءات المناسبة بالاستناد إلى تلك البحوث، ذلك أنّ الله تعالى أنعم على البشريّة بجميع العناصر الأساسيّة التي تحتاجها في حياتها، وجعل الاستفادة منها حقّاً من حقوقها، وكلّفها بصيانتها من الآفات والدمار والنقص وما شابه. إذا تقاعس الفرد أو المجتمع أو الدولة أو الشعب عن معرفة هذه العناصر الأساسيّة، وتهاونوا في الحصول عليها أو رعايتها، فقد أخلّوا بواجباتهم الدينيّة(8).

•السيطرة على المياه 
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ* أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ* لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ﴾ (الواقعة: 68-70). وفيما يتعلّق بتخزين المياه والسيطرة عليها، يشير عزّ وجلّ إلى نقطة مهمّة، وهي أنّ نزول المطر يكون بميزان معيّن ومقدار محسوب: ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ﴾ (المؤمنون: 18). لفظ "بقدر" في الآية يدلّ على أنّ التدبير الإلهيّ يضبط ميزان نزول المطر والماء، فلا هو بالكثير بحيث يغمر الأرض ويلحق الضرر بها، ولا هو بالقليل فيهلك الزرع والخلق. وقد سُئل الإمام جعفر محمّد الباقر عليه السلام عن الآية المذكورة، فقال: "إنّ مياه الأمطار تنفذ إلى أعماق الأرض فتختزنها لتتكوَّن منها الأنهار والعيون والآبار، فيستفاد منها"(9)؛ كما تدلّ الآية الكريمة: ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا﴾ (النازعات: 31) على أنّ الإنسان والحيوان على حدٍّ سواء يستفيدان من تخزّن المياه في جوف الأرض. من هنا، فمن خلال تخزّن المياه في المنابع الجوفيّة، فإنّ الله تعالى يعلّم البشر كيف يسيطرون على المياه ويختزنوها عبر بناء السدود و... إلخ، ثمّ الاستفادة منها.

•حثّ أهل البيت عليهم السلام على حفظ المياه
كان النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يعتني بمسألتين مهمّتين هما: تخزين المياه والمحافظة عليها، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يوصي دائماً بإيجاد حريم للموارد المائيّة، وينهى عن الاستعمال غير الصحيح للمياه وتلويثها. وفي الوفرة، كان يحرّم الإسراف في المياه حتّى في التوضّؤ والغسل، وكان يقول صلى الله عليه وآله وسلم: "الوُضُوءُ مُدٌّ [أقل من كيلوغرام واحد] والغُسْلُ صَاعٌ [حوالي ثلاثة كيلوغرامات] وَسَيَأْتِي أَقْوَامٌ بَعْدِي يَسْتَقِلُّونَ ذَلِكَ، فَأُولَئِكَ عَلَى خِلافِ سُنَّتِي والثَّابِتُ على سُنَّتِي مَعِي في حَظِيرَةِ القُدْسِ"(10). وقال أيضاً: "مَنْ رَدَّ عَادِيَةَ مَاءٍ أَوْ عَادِيَةَ نَارٍ فَلَهُ الجَنَّةُ البَتَّة"(11). وفي المعنى نفسه قال أمير المؤمنين عليه السلام: "مَنْ وَجَدَ مَاءً وَتُرَاباً ثُمَّ افْتَقَرَ فَأَبْعَدَهُ اللهُ"(12).

أمّا مياه زمزم، والتي لها ميزة خاصّة، فقد ورد وجوب المحافظة عليها أيضاً، فعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "كانَتْ زَمْزَمُ أَشَدَّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الشَّهْدِ وَكَانَتْ سَائِحَةً فَبَغَتْ عَلَى الأَمْيَاهِ، فأَغَارَها اللهُ جَلَّ وَعَزَّ وأَجْرَى عَلَيْهَا عَيْناً مِنْ صَبِرٍ(13)"(14).

روي عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام موسى الكاظم عليه السلام قولهما: "ثَلاثَةٌ يَجْلِينَ الَبَصَر: النَّظَرُ إِلَى الخُضْرَةِ، وَالنَّظَرُ إِلَى المَاءِ الجَارِي، وَالنَّظَرُ إِلَى الوَجْهِ الحَسَنِ"(15).

•عدم تلويث المياه أو حجزها
لا يليق بالمسلم أن يلوّث الماء الذي هو جوهر الحياة للإنسان ولكلّ مخلوق. وردت عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث عديدة في هذا السياق ينهى فيها عن التخلّي في جوار المياه العذبة أو الأنهار العذبة التي تستعمل لمصارف عديدة(16)، أو التخلّي في جوار الأنهار الجارية(17)، وكذلك عن التبوّل في المياه الجارية(18)، وأحياناً البصق في البئر الذي يُشرب من مائه(19)، وفي حديث شريف قال صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يَبُولَنَّ أحدكم في الماء الدَّائم"(20). كما روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "الماءُ له سُكَّان، فلا تُؤْذُوهُم بِبَوْلٍ ولا غَائِطٍ"(21).

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ثَلاثٌ لا يُمْنَعْنَ: الماء..."(22)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: "ثَلاثَةٌ لا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْ ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (البقرة: 174):... رَجُلٌ لَهُ مَاءٌ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ يَمْنَعُهُ سَابِلَةَ الطَّرِيقِ..."(23).

•إحياء الأرض الموات
قبل أن يخلق الله تعالى الإنسان، خلق جميع النعم اللازمة لحياته؛ فخلق له الأرض وهيّأها لتكون مناسبة كضيف على مائدة النعم الإلهيّة، يعمّر الأرض بالاستفادة من هذه النعم: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ (هود: 61) وينظّم البيئة. فقد دعا سبحانه وتعالى الإنسان لينعم بمنابع الطبيعة وثرواتها، تارةً بقوله: ﴿وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللهِ﴾ (الجمعة: 10) وأخرى بـ: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾ (الملك: 15). وامتثال هذا الأمر الإلهيّ يقتضي عزماً وهمّة عالية. لقد أعدّ الله تعالى للإنسان هذه السفرة الواسعة من النعم الإلهيّة الممتدة على طول الصحاري والبحار وأعماق الجبال، وعلى الإنسان أن يسعى سعيه لكي ينهل من هذه النعم(24).

لطالما حثَّت تعاليمنا الدينيّة على الاستفادة الدائمة من الأراضي الخصبة؛ أحياناً بزراعتها، وأخرى بتشجيرها؛ لذا فمن يحيي أرضاً مواتاً لا مالك لها بسقيها وإعادة الخصب والنماء إليها فقد تملّكها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك: "مَوْتَانُ الأرضِ للهِ ورسولِهِ، فمَنْ أحْيَا مِنْها شيئًا فَهُوَ لَهُ"(25).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً: "مَنْ أَحْيَا أرْضاً مِنَ المُؤْمِنِينَ فهي لَهُ..." (26).

والجدير بالذكر إنّ إحياء الأرض في عصر المعصوم عليه السلام يجب أن يتمّ بإذنه، وفي غيبته عليه السلام يتطلّب إذن الفقيه الحاكم الجامع للعلم والعقل والعدل.

 
(*) كتاب مفاتيح الحياة، الفصل الثاني، المناخ المعتدل والتربة الخصبة، ص607-610.
1.﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً﴾ (الفرقان: 54)، ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ﴾ (المؤمنون: 12).
2.﴿وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء﴾ (النور: 45)، ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ (الروم: 24)، ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ (الأنبياء: 30).
3.السيوطي، الجامع الصغير، ج 2، ص 463.
4.المصدر نفسه، ج 2، ص 668.
5.الحراني، تحف العقول، ص 320.
6.المصدر نفسه، ص 320.
7.انظر: اسلام ومحيط زيست، ص 274.
8.المصدر نفسه، ص 274.
9.الشيخ القمّي، تفسير القمّي، ج 2، ص 91.
10.الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 34-35.
11.الديلمي، إرشاد القلوب، ج 1، ص 175.
12.الشيخ القمّي، مصدر سابق، ص116.
13.الدوار المرّ، ومن هنا تسمية الصبر ضدّ الجزع (التحقيق، ج 6، ص 181، "ص ب ر").
14.الشيخ الكليني، الكافي، ج 6، ص 386.
15.الشيخ الصدوق، الخصال، ص 92.
16.نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يُتغوَّط على شفير ماءٍ يُستعْذب منه أو نهرٍ يُستعذبُ منه... (الشيخ الصدوق، الخصال، ص 97).
17.نهى أن يتخلَّى الرجل على ضفَّة نهرٍ جارٍ. (... السيوطي، مصدر سابق، ج 2، ص 705).
18.نهى أن يُبالَ في الماء الجاري. (... السيوطي، مصدر سابق، ج 2، ص 704).
19.نهى عن البُزاق في البئر التي يُشربُ منها. (الشيخ الصدوق، مصدر سابق، ج 4، ص 10).
20.الأحسائي، عوالي اللئالي، ج 2، ص 187.
21.الأحسائي، المصدر نفسه، ج 2، ص 187.
22.السيوطي، مصدر سابق، ج 1، ص 537.
23.المغربي، دعائم الإسلام، ج 2، ص 18.
24.انظر: اسلام ومحيط زيست، ص 28-30.
25.السيوطي، مصدر سابق، ج 2، ص 658.
26.الكاشاني، الوافي، ج 18، ص 988.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع