الشيخ علي معروف حجازي
سخّر الله كلّ ما في الوجود لخدمتنا، فجعل عناصر الطبيعة كلّها طوع يدينا، شرط أن نُحسن استخدامها بالشكل الذي لا يُلحق بها الضرر.
الهواء، هو أول هذه العناصر التي تناولنا أحكامها في العدد السابق. وفي هذا المقال، بعض الأحكام المتعلّقة بعنصر المياه.
•رمي النُّفايات والمُخَلّفات في البحر
لا يجوز رمي النفايات ومُخلّفات الموادّ الكيماويّة والنفطيّة في البحر فيما إذا كان ذلك مضرّاً بالأمن البيئيّ للآخرين، أو يُحدث خللاً في الظروف البيئيّة للحيوانات والنباتات دون مبرّر. وأجلى مصداق لهذه المسألة هو البحارُ، والبحيرات، والخلجان، والمحيطات، التي تُعدّ بيئةَ عيشِ الكثير من الحيوانات التي خلقها الله؛ فالكائنات البحريّة هي من المصادر المهمّة لتأمين الموادّ الغذائيّة للإنسان، وعليه، فإذا كان هذا العمل يضرّ بالبحار وبالكائنات البحريّة، فهو حرام.
•تكرير مياه الصرف الصحّيّ
1- متى يحكم بطهارتها؟
لا يُحكم بطهارة مياه الصرف الصحّيّ لمجرّد تصفيتها وتكريرها، حتى وإن أصبحت غير مضرّة من الناحية الطبّيّة والصحّيّة. وكي تصبح محكومة بالطهارة، لا بدّ من اتصالها بالماء الكرّ، بل على الأحوط وجوباً أن تمتزج به؛ لذا فبعد تصفية الماء وتجميعه، يوصل بأنبوب متّصل بشبكة الماء المتّصلة بماء كرّ (الكرّ يعادل نحو 384 ليتراً)، على نحو يختلط به ويمتزج معه، ففي هذه الحالة يصير طاهراً ولا إشكال في شربه أيضاً.
2 - متى يصحّ استخدامها للشرب؟
قد يضطّر بعض الناس، كما في بعض البلدان التي تعاني من شحّ في المياه أن يستخدموا مياه الصرف الصحّيّ أحياناً للشرب، فمتى يصحّ استخدامها لذلك؟
يجب أن يكون كلّ ما يأكله الإنسان أو يشربه حلالاً طاهراً، وعليه، فإن كانت مياه الصرف الصحّيّ نجسةً، وأردنا استخدامها للشرب، يجب أن يتحقّق أمران:
الأوّل: أن يكون شرب هذا الماء غير مضرّ بالإنسان من الناحية الطبّيّة.
الثاني: يجب أن يصل إلى مرحلة يصير معها طاهراً من الناحية الشرعيّة.
فإن تمّت تصفية مياه الصرف الصحّيّ على نحو يتحقّق فيه هذان الشرطان، فعندئذٍ لا إشكال في شربها.
•سقي المزروعات بمياه الصرف الصحّيّ
لا إشكال شرعيّ في ذلك. وعليه، فسقي المحصولات الزراعيّة بمياه الصرف الصحّيّ، أو وضع السماد الطبيعيّ النجس عند آصالها، لا يوجب نجاسة منتجاتها؛ لأنّه في هذه الحالة تحدث عمليّة استحالة، فيتغيّر الماء إلى شيء آخر. وعليه، فالثمار وغيرها من المحصولات الزراعيّة طاهرة، ولا إشكال في تناولها.
ملاحظة: إذا كان الأكل من تلك المزروعات والأشجار يؤدّي إلى ضرر معتدٍّ به، فلا يجوز الأكل، ولو حُكمت بالطهارة.
•استهلاك المياه الجوفيّة
لا ينبغي للإنسان أن يفكّر في نفسه وحياته فقط، كأنْ يقول على سبيل المثال: "هذه المزرعة لي، وما بقيتُ حيّاً، فسأعمل على استثمارها كيف أشاء، ولا تهمّني مصالح الآخرين والأجيال القادمة". فمن الممكن مثلاً أن يحفر بئراً تعود عليه بالفائدة، لكنّها تضرّ بالموارد الطبيعيّة، وتؤثّر في منسوب المياه الجوفيّة، وهكذا الحال في قنوات الريّ التي تسقي المزارعَ منذ آلاف السنين، والتي هي من بركات البلاد. وعليه، فمع وجود القوانين المقرّرة من المسؤولين في هذه المسائل، لا تجوز الاستفادة من المياه الجوفيّة في الأماكن الممنوعة قانوناً أو المملوكة للآخرين. نعم، عندما يكون ثمّة مجوّز قانونيّ، أو تكون الأرض ملكاً شخصيّاً، ولا يوجد مانع قانونيّ، فلا إشكال فيها.
•صيد الأسماك
إن كان الصيد ممنوعاً قانوناً، فلا يجوز. وإلّا، فلا إشكال فيه بالمقدار المتعارف. وإن كانت عمليّة الصيد قد وقعت في حال المنع، وحصل الصائد على سمك، فلا يكون مالكاً للسمك الذي اصطاده، ولا يمكنه التصرّف فيه. وإن تصرّف فيه، فهو ضامن، وعليه دفع قيمته للجهة المختصّة بذلك، أو أن يراجع وكيل الحاكم الشرعيّ.
•الوضوء والشرب بماء السواقي العام
لا إشكال في التصرّفات اليسيرة والمتعارفة بماء السواقي المستخدم عادةً لريّ البساتين والمزارع، مثل ملء مقدار من الماء في وعاء، أو الوضوء، أو الشرب، حتّى وإن لم نحرز رضى صاحب الساقية.
طبعاً، من الممكن أن يكون غَسلُ الأشخاص سيّاراتهم من السواقي دون أيّ مانع أمراً متعارفاً عليه في بعض المناطق، ففي هذه الحالة، يجوز غسلها، أمّا إن لم يكن من المتعارف، فلا يجوز دون إحراز رضى صاحب الساقية.