تحقيق: فاطمة شوربا/ محمد ناصر الدين
للتلفاز في عصرنا الراهن مؤيدوه ومعارضوه، بعضهم يوجه الشكر والتقدير لمخترعه، والبعض الآخر يبدي كل السخط واللوم عليه، ويتمنى لو أنه يعاد إلى الحياة لإعدامه..
طائفة تنظر إلى هذه الوسيلة الإعلامية نظرة ملؤها الإيجابية، وأخرى لا ترى فيه إلا شيطاناً مريداً يريد أن يدمِّر الكون على رؤوس ساكنيه.
شريحة ترى أن له سلبياته وإيجابياته، إلاّ أنها اختلفت في رجحان كفّة السلبيات على الإيجابيات أو العكس.
وبما أن الأطفال والناشئة هم الأكثر تأثراً من غيرهم في هذا الصدد، ارتأينا أن نجري تحقيقاً حول هذا الموضوع، تأثير التلفاز على الأطفال والناشئة، يعرض للنواحي الإيجابية والسلبية لهذا الجهاز على المستويات كافة. فوجّهنا سؤالاً موحداً كان المحور لتحقيقنا. طرحناه على مجموعة من الأخوة والأخوات الفاعلين والناشطين في حقوق مختلفة، وتمثل بـ: كيف تقيمون تجربة أطفالكم مع التلفاز؟ وما هي الصورة المكونة أمامكم إزاء هذه الظاهرة الإعلامية وتأثيرها على الأطفال. سلبياً وإيجابياً، على المستويات التالية: التحصيل العلمي، الثقافة والعادات، الاجتماعي الأخلاقي والتربوي، الإدارة وتنظيم الوقت، الصحة البدنية والعقلية.
وأعقبه سؤال آخر عن المبادرات والخطوات الواجب اتخاذها في حال التقييم السلبي لهذه الظاهرة.
* التلفاز وتأثيره الأخلاقي على الأطفال
أ. الأستاذ محمد سماحة
إن الإعلام في عصرنا الحالي قد دخل الحياة الإنسانية من بابها الواسع، فاعتبره البعض الركن الرابع للتربيع إضافة إلى الأهل والمدرسة والمجتمع.. ولعل التلفاز هو الذي أعطى الإعلام هذا الزخم لمميزاته المتعددة فهو أمر غير مأمور حتى أن البعض قال بأن للولد ثلاثة آباء: الأب والأم والتلفاز.
ومن المؤكد أن تأثير التلفاز على الصغار أكثر بكثير منه على الكبار، لأن هؤلاء لا يملكون أي حصانة ثقافية ولا يتمتعون بقدرة الإنتقاء والتمييز، ولأنهم "كالأرض الخالية" أو كصفحة بيضاء تقبل ما يلقى فيها وهكذا فقد يكون "التلفاز" مفسداً ضاراً وقد يكون مصلحاً نافعاً، فهو كالكثير من الأسلحة ذو حدين.
ونحن في لبنان حيث محطات التلفزة المحلية المتعددة وحيث المحطات الأجنبية والعربية عبر الستلايت، تتصيّد المشاهدين لا سيما الأطفال منهم، في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية وتربوية صعبة يعاني منها اللبنانيون فإن الأمر يصبح غاية في الخطورة والمسؤولية.
إن نظرة سريعة إلى المواد المعروضة على الشاشات والتي يتعرض لها الأطفال تشير إلى أفلام وبرامج يشكل العنف الجريمة والجنس والميوعة موضوعاتها الأساسية. حتى أن برامج الأطفال بما فيها أفلام الكرتون تنحو هذا النحو، وإن كان بعضها يصل إلى قيمة اجتماعية أو أخلاقية فإن ذلك يكون بعد تمرير الكثير من اللقطات الفاسدة اجتماعياً وأخلاقياً، كذلك فإن نشرات الأخبار أو بعض البرامج الوثائقية تُعرض دون التفات إلى أثرها السلبي على الأطفال فتَعرض بعض المشاهد التي تُقزز النفس وتزرع الرعب فيها.
ناهيك عن الإعلانات التي لا توفر فناً من فنون الإغراء إلاّ واعتمدته متجاوزة حدود القيم والأخلاق والآداب، فأي سلوك ساهم في تكوينه هذا الشريك الجديد (التلفاز)؟
لا شك أن التلفاز قد ساهم كثيراً في إغناء ثقافة الأطفال وتوسيع آفاقهم، وأنه يحقق مستوى من التواصل والتعرف على البيئات المختلفة وأنه يساهم ضمن حدود معينة في تكوين سلوكيات إيجابية عند الأطفال، لكن هذا التأثير يبقى بسيطاً لأن المحطات الملتزمة قليلة، لا تستطيع المواجهة بالإمكانيات المتواضعة المتوافرة.
والثابت أن التأثير السلبي على الأطفال هو الطاغي في لبنان خلال هذه الفترة ويبرز ذلك من خلال الدراسات المختلفة والمشاهد الحية التي حدثت بالفعل نذكرها عارية وعلى سبيل المثال:
المشهد الأول: معلِّم يدخل صفه في لبنان وإذا بمجموعة من طلابه يطحنون الطبشور ويجلسون في حلقة على الأرض بعضهم يشمُّ المسحوق وآخر يترنّح وهم يقلّدونه جلسة إدمان شاهدوها في فيلم عربي لممثل عربي كوميدي مشهور.
المشهد الثاني: أطفال يلعبون مع بعضهم في مدرسة ويقلدون عملية شنقٍ شاهدوها على التلفاز، والنتيجة تعريض طفلة لخطر الموت، وآخر يقلد طرزان فيقفز قفزة تكون الأخيرة في حياته، وهذا ما أكّدته دراسات متعددة لجامعات في أميركا (بنسلفانيا ـ كارولينا) حين عرَّضت مجموعة من الأطفال لـ11 حلقة تتضمن عنفاً وعرَّضت مجموعة أخرى لـ11 حلقة تخلو من العنف فإن السلوك العدواني كان بادياً على أعضاء المجموعة الأولى. ودراسة أخرى لليونسكو أكدت أن 88% من أطفال العالم يعرفون المُدمِّر وأن 50% منهم يحبون أن يصبحوا مثله.
المشهد الثالث: محفظة التلميذ محشوة بسدادات زجاجات المشروبات الغازية وأكياس البطاطا الفارغة "شيبسي"، يتباهى بها على رفاقه ويعدُّها أمامهم، وينتظر الهدية الموعودة... وحتى تأتي تلك الهدية يذهب مصروف الولد وتذهب صحته معها.
هذه المشاهد هي غيض من فيض تأثير التلفاز التي إن لم يتم العمل على تداركها من قبل المجتمع، فإن أخلاق الناشئة في خطر محدق.
وللمساهمة في معالجة هذا الواقع أو التخفيف من آثاره السلبية نقترح ما يلي:
1 ـ تعزيز التربية الدينية وتحصين الأطفال بالقيم والمثل العليا لتحميهم في مثل هذه الظروف.
2 ـ تعزيز المحطات المتلفزة الملتزمة وإنتاج البرامج التي تتناسب والطفولة في مجتمعنا الشرقي بقيمه الدينية الأصيلة.
3 ـ مراقبة الدولة للبرامج التلفزيونية المختلفة بشكل فعّال ومسؤول، وتجدر الإشارة هنا إلى أن اليابانيون والبريطانيون يراقبون منذ سنوات طويلة برامج التلفزيون لديهم.
4 ـ مراقبة الأهل الفعالة للبرامج التي يحضرها الأولاد وعدم تركهم يحضرون ما يشاؤون بحجة تخفيف الضغط عنهم وكذلك مدة ووقت الحضور.
5 ـ معارضة علنية للبرامج التلفزيونية التي تسيء إلى الأطفال. وهذا ممكن للأهل والمؤسسات ـ ومقاضاة أصحاب المحطات وقد حصل في إحدى الدول أن هددت مجموعة من الأفراد والمؤسسات المحطات التي تبث بعض البرامج المسيئة للأطفال بالامتناع عن وضع الإعلانات فيها ومقاطعتها ومقاطعة البضائع التي يُعلن عنها في هذه المحطات.
6 ـ تحديد فترات البث الخاصة بالأطفال وتأخير برامج الكبار إلى ما بعد نومهم. لا لإباحة عرض السوء في ذلك الوقت. ولكن لأن الأطفال عندما يتعرضون لأمور فوق قدراتهم النفسية والعقلية والعاطفية فإن ذلك يسبب لهم أزمات ومشاكل ويفقدهم براءتهم.
أخيراً وضمن الواقع المعاش فإن التلفاز قد يكون شراً لا بد منه، وإلى أن يصبح هذا الجهاز في خدمة الأجيال ومستقبلهم أقول لنحاول أن نعلن فترة إقفال يومياً لهذا المتسلل "التلفاز" إلى مستقبلنا علَّنا نزيد رصيدنا أكثر في بناء مستقبلنا على أعيننا.
ب. سارة شيرازي
لا يخفى أن بعض البرامج تتضمن مجموعة من الإيجابيات بحيث أنها تحاول دفع الأطفال وغيرهم نحو الفضيلة ولكن وجود هذا الأمر على بعض المحطات لا يجعل من الأطفال بمنأى عن الأخطار الناجمة عن أكثر البرامج في أكثر المحطات الأخرى التي يستسلم لها الأطفال والأهل وإذا بها تترك آثارها الخبيثة في الأنفس بعد فترة وجيزة ولا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار.
إن أكثر البيوت تترك أولادها فريسة لكل البرامج التي تعلّم مساوئ الأخلاق وما أكثرها إذ تروج معظم هذه البرامج إلى العنف والجريمة والجنوح والإباحية وتسوق لعادات وأخلاق بعيدة كل البعد عن عاداتنا وأخلاقنا ونظرة خاطفة وسريعة ـ كمثال ـ على الإعلانات والدعايات كافية لتكوين هذا الانطباع لدى من عنده أدنى ذرة من عقل.
وكحل لهذه المشكلة المستعصية أرى وجوب:
1 ـ المراقبة الهادفة من قبل الأهل وتقليل ساعات المشاهدة.
2 ـ ابتعاد الأهل أنفسهم عن الاندماج مع تلك البرامج وحضورها فإن ذلك يشكل رادعاً هاماً للأطفال.
* تأثير التلفزيون على الأطفال على مستوى التحصيل العلمي
الحاج علي يوسف: أطفالي والتلفزيون
إذا كان التلفزيون جهازاً كثير الفوائد للكبار إذ أحسن استعماله وللصغار إذا استخدم كوسيلة تعليمية يشرف على استعمالها مربون عند الحاجة، فإنه كجهاز للتسلية مضر جداً والإدمان على مشاهدته من قبل الأطفال يؤثر سلباً على جميع نواحي النمو لديهم. ولإيضاح ذلك نشير إلى أن الطفل ينمو من خلال الفاعليات التي يمارسها عبر احتكاكه بالواقع وأشيائه وأناسه، حيث يكتشف ويستفهم، ويجرب. وخطر التلفزيون يكمن في أنه يحد من هذه الفاعلية ويجعل الطفل يتسمَّر كالمومياء أو كالميت الحي أمام الجهاز، فيحرمه بذلك من اللعب ومن التواصل مع أفراد أسرته أو مع رفاق اللعب، ومن المطالعة، أو الإشراف على نمو نبتة، أو القيام بإصلاح لعبة، وهذا ما يحرمه من كثير من شروط النمو اللغوي والاجتماعي ونمو المبادرة، وتعلم الصبر، وتعلم طبيعة العلاقة مع الآخرين: فبدل النشاط الفاعل والذاتي يحل مع المشاهدة التلفزيونية، التلقي السلبي المريح، ولكن الضار من مختلف النواحي التي أشرنا إليها.
* التلفزيون والتحصيل الدراسي
إن التجارب المباشرة للأهل وللمعلمين تظهر الأثر السلبي للمشاهدة التلفزيونية على التحصيل الدراسي، لا على الأطفال فحسب وإنما على الأولاد والشباب أيضاً، خصوصاً عندما يبلغ المشاهد درجة الإدمان.
لكن إلى جانب هذه التجارب المباشرة، والملاحظات العيانية، هنالك تجارب علمية توضح هذا الأثر السلبي! نعرض واحدة منها بسرعة لكي لا يكون الكلام مجرد تخمينات أو احتمالات.
هذه الدراسة أجريت في كندا، وقامت على المقارنة بين درجات القراءة لدى أطفال في مدينة لا يصلها البث التلفزيوني، ودرجات نظرائهم في مدينتين أخريين. إحداهما فيها قناة واحدة، والأخرى توافرت لديها عدة قنوات لعدة سنوات. وبيّنت المقارنة أن الأطفال في الأولى قد حققوا درجات أعلى من الأطفال في المدينتين الأخريين. وعلاوة على ذلك، حصل الأطفال في المدينة الثانية على درجات أعلى من درجات نظرائهم في المدينة الثالثة.
قد يقال إن هذه النتائج لا تعود إلى التلفزيون بصورة قاطعة، لأن هنالك متغيرات أخرى قد يكون لها دورها، من مثل أفضلية المعلمين أو العوامل الاقتصادية الاجتماعية الثقافية لمحيط التلاميذ...
ولكي يتم التأكد من ذلك، أعيد اختبار الأطفال في المدينة الأولى بعد عامين من وصول التلفزيون إلى مدينتهم، فوُجد أن درجاتهم قد انخفضت إلى مستوى المدينتين الأخريين(1).
وتؤكد النتيجة نفسها دراسات مشابهة أجريت في الولايات المتحدة الأميركية، حيث يشكو المدرسون دائماً من عدم إتمام التلاميذ لواجباتهم المدرسية، ويعيدون السبب بصورة أساسية إلى التأثير السلبي للمشاهدة التلفزيونية.
وإذا كان لا بدَّ من تفسير لهذه الظاهرة فإننا نشير إلى أن المشاهدة التلفزيونية سهلة، لا تتطلب أي جهد لا عضلي ولا فكري بينما الواجبات المدرسية تتطلب ذلك، ما يجعل التلميذ يميل إلى قضاء أي وقت فراغ متاح له في المشاهدة، بنتيجة السهولة وما تقدمه المشاهدة
التلفزيونية من متعة وتسلية، يميل الطالب إلى إنجاز واجباته المدرسية بسرعة وكيفما اتفق ليتفرغ لمشاهدة برنامج يحبه... وما أكثر هذه البرامج التي يحبها.
هنالك إحصاءات في الولايات المتحدة الأميركية تظهر أن تدني مستوى الكتابة والتعبير، وتدني القدرة على معالجة مسائل حسابية كان يسير طرداً مع انتشار استعمال التلفزيون(2).
هل يبقى هنالك شك في الآثار السلبية التلفزيونية على التحصيل الدراسي للأطفال والشباب أيضاً؟
1 و2 ـ ورد لدى الباحثة الأميركية ماري وين Mari Winn في كتاب "الأطفال والإدمان التلفزيوني" المترجم في سلسلة "عالم المعرفة" الرقم 247.
* تأثير التلفاز على الأطفال على المستوى الثقافي (عادات وتقاليد...)
زينب الموسوي ياغي
إنَّ التلفاز كوسيلة إعلامية مرئية له سلبياته وإيجابياته، لكن سلبياته تغلب على إيجابياته حيث جُعل منه في السنوات الأخيرة وسيلة ذات مخاطر كثيرة على الأسرة والمجتمعات، وهذا يعود إلى البرامج والأفلام التي تعرض على شاشاته والتي لا تراقب إطلاقاً بل وعلى العكس فإن الكثير من أصحاب المحطات المحلية والخارجية يتعمدون وبشكل مدروس تعميم البرامج والأعلام التجارية الفاسدة والمفسدة.
فإننا نادراً ما نشاهد محطات تلفزيونية تلتزم بالضوابط الأخلاقية والبرامج الهادفة إلى بناء جيل صالح يتطلع إلى مستقبل زاهر وأفضل.
وتكمن المشكلة بأن الأكثر تأثراً بالأفلام المعروضة هم الأطفال ـ شباب الغد وقادة المستقبل ـ الذين يتميزون بسرعة الالتقاط وبعدم تمييزهم الصح من الخطأ.
وقد شبه أحدهم الأطفال بقطعة أسفنج تمتص كل يلقى إليها من الماء، فيأخذون كل ما يلقى إليهم من العادات والتقاليد والتعاليم سواءً كانت أخلاقية أم لا، هادفة أو غير هادفة، دون تمييز لما هو غث أو سمين، وما هو متوافق مع ديننا ومبادئنا وثقافتنا وعادتنا وما هو مخالف لها. وما أكثرها من عادات، تسعى وسائل الإعلام المعاصرة إلى الترويج لها بغية السيطرة على العالم عبر إنفاذ ثقافاتها إلى شعوبنا المستضعفة، وخصوصاً إلى أفكار الأطفال والناشئة الذين يشكلون الذخر الأكبر والأساس المتين للمجتمعات الإنسانية.
فالمصاحبة، وتبرير الخيانة الزوجية ـ فيما إذا كان أحد الزوجين خائناً، أو لم يكن... وسيادة الثقافة المادية وإعطاء الأهمية البالغة للمادة ومظاهرها، والتفرنج في اللباس والعادات والتصرفات وحتى في الكلام... كلها أصبحت مظاهر طبيعية تعرض في وسائل الإعلام بشكل اعتيادي، ويروج لها كمظهر من مظاهر الحضارة والتمدن.
وهنا يكمن دور الأهل في الرقابة، وفي تقنين ساعات المشاهدة وبرمجتها، والأهم من ذلك إيجاد الرقيب والوازع في داخل أطفالهم عن طريق اتباع الأسس التربوية السليمة التي تعلم القيم والفضيلة والأخلاق، وتحث على ما ينسجم مع طبيعة الإنسان وفطرته الإنسانية، وعلى اتباع الثقافة الإسلامية المجيدة بطريقة مشوقة ومحببة لديهم، وأن يربطوهم دائماً بقدوة مثالية يحبونها. هذا إلى جانب سلوك الأهل الحسن وعدم مشاهدتهم هم لهذه البرامج.
وحبَّذا لو يعمد الأهل إلى مشاهدة بعض البرامج مع أولادهم ليتطلعوا على ما يشاهدونه من جهة، وليشعروهم أنهم يشاركونهم في برامجهم من جهة أخرى، وعلى تعبئة أوقات فراغهم بوسائل مسلية أخرى ومفيدة كالمطالعة والرياضة والاشتراك بالنوادي الثقافية والترفيهية وزيارة الأصدقاء والأقارب...
كان يمكن الحدّ من خطورة هذه المشكلة من خلال الرقابة المشددة من قبل الحكومات، وبتوعية رجال الدين الناس بكل الوسائل الممكنة وإلفاتهم إلى ما تهدف إليه هذه الوسائل، وثمة مسؤولية أخرى تقع على عاتق المدارس والجمعيات والمربين والمرشدين الاجتماعيين، أن لا يغفلوا عن هذا الغزو الثقافي المسموم فسمّة أخطر من السمّ الذي يتناول عبر الفم لأن هذا الأخير يفتك بالجسد أما سم الثقافة فإنه يفتك بالعقل والعاطفة والإرادة الإنسانية.
* على مستوى الإدارة وتنظيم الوقت
أ.د. طارق حمادة
إنني أرى إن هذه الظاهرة لها محاسنها ومساوؤها على أطفالي وبخاصة من حيث تنظيم وقتهم.
وتتمثل هذه المحاسن في توقيت بث برامج الأطفال التي تبثها محطات التلفزة اللبنانية، وهي مواقيت مدروسة ومفيدة، وكذا بعض البرامج أو المخصصة للأطفال وإن كان ينقصها التطوير والتجديد، وكذلك بعض برامج الصور المتحركة المعلوماتية والتي أرى هنا ضرورة أن يدخل تلفزيون المنار تجربة إعداد برامج صور متحركة تبحث سيرة الأنبياء والأئمة والمصلحين الاجتماعيين، علاوة على سِيَرِ أدباء وعلماء الأمة الإسلامية وذلك بأسلوب سهل ويسير.
أما البرامج الأخرى فإنني أرى أنها في معظمها تشوه ذوق الطفل وكذلك شخصيته وبخاصة المسلسلات التي يكتنفها مشاهد غير محتشمة علاوة على مظاهر العنف. ورغم إنني أحاول تلافي مشاهدتها من قبل أطفالي في الأوقات المخصصة لهم لمشاهدة التلفاز، إلاّ أن المسألة يتعذر ضبطها بشكل قطعي وبخاصة الإعلانات التي تتضمن مشاهدة إباحية تقشعر لها الأبدان.
ولذا فإنني أرى السير في اتجاه تشديد المراقبة على البث التلفزيوني وبرامجه من قبل جهة مؤهلة (وزارة الثقافة مثلاً).
ب. الأخ محمد علي حسن
للتلفزيون آثاره الإيجابية والسلبية إلاّ أن سلبياته في عصرنا الراهن طغت على إيجابياته، وأكثر ما يتأثر به الأطفال والناشئة، ذلك أن قلوبهم كالصفحة البيضاء التي تلتقط كل ما يلقى إليها.
وهنا مكمن الخطر، إذ تحولت هذه الوسيلة الإعلامية من مجرد وسيلة ترفيهية، وتعدتها إلى أن تكون وسيلة طاغية على تصرفات وأفعال وأفكار الأفراد. فأصبح التلفاز: المسلّي والمرفّه والمعلم والمربّي والصديق الحميم والمروِّج لقيم وعادات وثقافات وتقاليد... وبعبارة أخرى أصبح ثالث الأبوين في التوجيه والتربية والإرشاد.
فكيف يتبدى لي تأثير هذه الظاهرة على الأطفال والناشئة من ناحية تنظيم وإدارة الوقت؟
إن برامج الأطفال في لبنان قليلاً ما تدعو أو تعلّم الاهتمام بالإدارة ونظم الوقت، لكنها قد تلفت إلى ذلك بطريقة غير مباشرة من خلال تحديد توقيت معين لعرض البرامج، أو من خلال عرض الفقرات مرتبة فقرة بعد أخرى.
ونجد بعض برامج الأطفال تدعو إلى هذه المسألة عبر بعض فقراتها. حيث تعمد هذه الفقرة إلى إرشاد الطفل إلى تصرفات محببة تتعلق بالنظام والتنظيم والنظافة وترتيب الألعاب والكتب، عن طريق لعب مشهدين تمثيلين، الأول: يظهر سلوك طفل يتعاطى مع هذه الأمور بإهمال، فيتعرض للنقد والسخرية من قبل قرنائه، والثاني: يرشد إلى الطريقة الصحيحة الواجب اتباعها أزاء هكذا أمور، وتنتهي بإبداء الرضا من قبلهم إزاء هذا الفعل. وأجد في مثل هذه الطريقة ناجحة جداً فيت وجيه وإرشاد الطفل إلى هذه المسألة وإلى غيرها من المسائل.
كذلك هناك شخصية "الحسّون" في برنامج "المنار الصغير" المحببة إلى الأطفال توجه كثيراً إلى ما ينبغي للطفل فعله والتفكير فيه ما لا ينبغي، وتقوّم مسلكه وتصرفاته وأفعاله وأفكاره، والتي منها ما يتعلق بالمسألة الإدارية وتنظيم الوقت والترتيب.
وبالمقابل نجد الكثير من برامج الأطفال الأخرى، وخصوصاً المنتجة أخيراً من قبل الشركات الأميركية خصوصاً "والت ديزني" تتجه إلى الترويج لشخصيات فوضوية ولا مبالية، فنرى البطل فيها يتبع في مسيرته طريقة Guy (الشاب الأميركي) اللامبالي والفوضوي إزاء حركاته وتصرفاته، بدءاً من مظهره الخارجي وعدم الاهتمام به، وطريقة تسريح شعره الفوضوية، إلى طريقة كلامه المبتذلة (والشوارعية)، وتمرده على كل ما يدور حوله..
وهكذا فإني أجد في مثل هذه البرامج وسيلة إعلامية في غاية السوء، ومروجة لمظاهر وعادات وأنماط غريبة عن مجتمعاتنا وبعيدة كل البعد عن مسلكياتنا وتصرفاتنا، وتروج للفوضى واللامبالاة كقيمة، لا لشيء سوى لأنها باتت من صميم عادات الشارع الغربي وإنسانه.
ومن هنا ثمة دعوة للأهالي إلى مراقبة ما يشاهده أطفالهم، ودعوة أخرى إلى القيِّمين على وسائل الإعلام المرئي، أن يكونوا يقظين ومنتبهين لما تروِّجه البرامج التي يعرضونها، لا أن يكونوا شركاء في الفساد، وتكون المصالح التجارية والأرباح على رأس قائمتهم! علّهم يساهمون في بناء أجيال المستقبل، وفي جعلهم ذخراً حقيقياً لهذه الأمة والوطن.
* تأثير التلفزيون على الأطفال على مستوى الصحة البدنية والعقلية
دكتورة نجوى قاروط
يعاني مجتمعنا اليوم كباراً وصغاراً من مشكلة كبيرة ندفع ثمنها من وقتنا وأعصابنا وصحتنا وهي مشكلة التلفاز بما فيه من سلبيات وإيجابيات من حيث جذب المشاهد وحبسه أمام التلفاز ساعات وساعات ينظر ويسمع ويتلقى الرسائل على أنواعها كباراً وصغاراً وشيوخ.
لكن هذا التلفاز يمكن أن يوضع بأطر محددة لأن الكبار يمكن أن يميزوا بين الرسائل بشكل أو بآخر ولا نقصد الجميع هنا بل أن الكبار بشكل عام يمكن أن يحددوا ما يريدون من التلفاز.
أما بالنسبة للصغار فهنا تكمن المشكلة لأن الأوقات التي يشاهد فيها الصغار التلفاز أصبحت تشكل جزءاً كبيراً ومهماً من حياتهم والمواعيد التي يشاهدوا فيها التلفاز غير محددة وغير مضبوطة البرامج لذلك فيمكن أن تكون من جهة مفيدة للأطفال تنمّي الوعي الذهني وتعطي المعلومات المتنوعة وتعرّفه على مجتمعات بعيدة عن مجتمعه.
ومنها ما يسعى إلى رفع مستوى الوعي الصحي عند الأطفال. ولكن مع وجود ظاهرة الأقمار الصناعية والقنوات الفضائية أصبح حصر الأولاد لمشاهدة البرامج الجيدة صعب للغاية لأن الأطفال تنجذب إلى مشاهدة البرامج الخيالية وأفلام المغامرات والقتل والحروب الفضائية التي تؤثر على الجهاز العصبي وعلى نفسيتهم وعلى سلوكهم.
من هنا إذا أردنا تقييم الظاهرة الإعلامية فنرى أن عدم وجود مراقبة الأهل بشكل جيد على التلفاز والبرامج التي يسمحوا للأطفال مشاهدتها تؤدي إلى التأثير السلبي على الأطفال لذلك ومع وجود هذه الظاهرة بسلبياتها وإيجابياتها يجب علينا نحن الأهل بالدرجة الأولى أن نجد الوسيلة التي تبعد أطفالنا عن مشاهدة البرامج المضرّة للعقل والسلوك وبالتالي للصحة. وأن لا ندع أطفالنا تتأثر بالإعلانات بتوعيتهم وعدم السماح لشراء ما يعلن عنه من مأكولات غير صحية ونحاول أن نكون أمامهم قدوة في مشاهدتنا للبرامج المفيدة والاجتماعية أو من جهة أخرى أن ندعو المسؤولين عن المحطات التلفزيونية والوسائل الإعلامية الأخرى بالانتباه إلى هذه المشكلة التي قد تكون من العوامل المسببة للفساد في المجتمع.
وقد يؤدي الجلوس أمام التلفاز لساعات طويلة فيما بعد إذا كانت طريقة الجلوس خاطئة إلى انحناء وآلام في الظهر.
كما يؤدي الجلوس أمام التلفاز لساعات طويلة إلى عدم انتباه الأولاد إلى المسافة التي تفصل بينهم وبين التلفاز وخاصة إذا قصرت المسافة التي تدعو إلى إيجاد تطابق أكثر في العينين والذي يؤدي إلى آلام في الرأس.
ومما لا شك فيه أن الجلوس أمام التلفاز لساعات طويلة مع تناول الطعام بدون تفكير قد يؤدي إلى السمنة على المدى الطويل أو بالعكس عند بعض الأطفال الانشداد إلى البرامج التلفزيونية والغثيان الذي يحصل عندهم يؤدي إلى انقطاع الشهية وعدم الرغبة في تناول الطعام مما يؤدي على المدي الطويل إلى سوء في التغذية خاصة إذا لم يتناول الطفل الوجبات الأساسية واعتمد على المأكولات التي هي بدون قيمة غذائية والتي يتأثر بها الطفل من خلال الاعلانات الباهرة التي يبثها التلفزيون.
* تأثير التلفزيون على الأطفال والناشئة على المستوى الاجتماعية
الحاجة فاتن برغل رعد
يعتبر التلفاز في العصر الحالي ظاهرة هامة ذات تأثير فعّال ومباشر في باء ورسم هوية المجتمع بكافة أجياله، من الطفولة المبكرة مروراً بعمر الشباب حتى كبار السنّ.
فنرى الجميع مشدودين إلى هذه الآلة الخطيرة بلحاظ:
1 ـ ما يعرض فيها من برامج وأفلام ومسلسلات موجهة نحو الفساد والانحلال الخلقي ـ في الغالب ـ.
2 ـ غياب البدائل الإعلامية الملتزمة والمشوقة.
لذلك إذا لم تؤخذ النقاط السالفة الذكر، وأهملت الرقابة الأهلية على التلفاز.. وإذا لم توضع الشروط الواضحة والمقنعة لانتقاء البرامج المقبولة... سنقع تحت التأثيرات السلبية لهذه الظاهرة، والتي أخطرها، التفسخ في العلاقات الاجتماعية والأسرية. فقد نرى في البيت الواحد أكثر من تلفاز بهدف إرضاء رغبة كل فرد من أفراد الأسرة في حضور برنامجه المفضل، ناهيك عن الساعات المطولة التي تقضيها العائلة أمام شاشات التلفزة، دون أن ينبس أحدهم ببنت شفة خوفاً من إفلات كلمة أو عبارة تدور في المسلسل أو الفيلم الذي يتابعونه، هذا فضلاً عن غياب لأي تبادل في الحديث أو مشاركة ومطارحة للأفكار والرؤى، فينأى كل واحد منهم في جزيرة نائية عن غيره، مما يفقد أجواء الألفة والثقة فيما بينهم شيئاً فشيئاً، ويقضي على روح الجماعة التي ينبغي أن تسيطر على جوِّ الأسرة.
ولا ننسى التفكك الأسري والعائلي، الذي تدعو له هذه الوسائل عبر ما تعرضه، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، عندما تسمح للشاب أو الشابة أن يتركا منزل ذويهما، ليذهب كل منهم للعيش منفرداً عندما يبلغ سن الثامنة عشر. هذا في داخل البيت، أما في اللاعقات الاجتماعية مع المجتمع والمحيط والأقارب والجيران، فحدّث ولا حرج، حيث أصبح التلفاز الصديق البديل عن كل أولئك.
كل هذه العوامل لعبت وتلعب دوراً مؤثراً هاماً في تفكيك عرى الحياة الأسرية والاجتماعية بشكل مباشر أو غير مباشر.
أما عن الجانب الإيجابي، فيعتبر التلفاز في الواقع أسرع وسيلة لإيصال المفاهيم الصحيحة والتوعية الاجتماعية السليمة، لذا ندعو إلى الاهتمام بالمبادرات التي تنشّط البرامج الثقافية والاجتماعية بأسلوب المسابقات والتنافس الإيجابي، والاقتراب أكثر من مشاكل الناس الواقعية من خلال عرضها التمثيلي وحلها، إضافة إلى إنشاء النوادي الرياضية. وإيجاد بدائل مسلية ومفيدة في آن معاً.