الشيخ علي دعموش
* نسب النبي:
يعود نسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى هاشم بن عبد مناف الذين تنتسب إليه أشرف قبيلة في مكة هي قبيلة بني هاشم.
فهو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، المنحدر من ذرية اسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.
ولدته أمه آمنة بنت وهب في مكة المكرمة في منزل أبيه عبد الله بن عبد المطلب في شعب أبي طالب يوم الجمعة في السابع عشر من شهر ربيع الأول في عام الفيل الموافق لسنة 571 للميلاد. وكانت ولادته قبل وفاة أبيه بشهرين.
* رضاعه:
لم يرتضع من أمه سوى ثلاثة أيام ثم حظي بشرف ارضاعه امرأتان هما: ثويبة وهي جارية لعمه أبي لهب، وقد أرضعته أربعة أشهر. وحليمة السعدية بنت أبي ذؤيب من بني سعد، فقد رأى عبد المطلب أن يرسل حفيده إلى البادية ليكمل رضاعه هناك، وينشأ ويترعرع في البادية، ليكتسب اللغة الصحيحة. والقوة والمناعة فيها وليصان من خطر الأمراض والوباء الذي يصيب الأطفال في المدينة عادة، وكانت حليمة ترعاه هي وزوجها وتقدمه حتى على أولادها، وقد وجدت فيه كل الخير والبركة، وروى المؤرخون عنها أنها قالت: "قدمنا منازل بني سعد ومعي يتيم عبد المطلب، ولا أعلم أرضاً أجدب من أرضنا، فكانت غنمي تجيء حيث حل محمد فينا شياعاً فنحلب منها ونشرب ويتدفق الخير علينا، وأصبح جميع من في الحي يتمنى ذلك اليتيم الذي يسَّر لنا الله ببركته الخير ودفع عنا الفقر والبلاء".
بقي النبي مع حليمة إلى أن بلغ سن الخامسة فعادت به إلى أهله ليكون في كفالة جده عبد المطلب ثم في رعاية عمه أبي طالب.
* حادثة شق الصدر:
ويذكر بعض النصوص في هذه المناسبة أن حادثاً وقع للنبي ص أثناء وجوده عند حليمة عرف بحادثة شق الصدر.
وخلاصة هذه القصة: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتاه جبرائيل وهو يلعب مع صبيان في حي بني سعد، فأخذه وصرعه حتى أُغمي عليه، فشق صدره واستخرج قلبيه واستخرج من قلبه علقة سوداء وقال: هذا حظ الشيطان منك! ثم غسله في وعاء من ذهب بماء زمزم ثم لأمه وأعداه إلى مكانه حيث كان يلعب، فلما رآه الصبية الذين كانوا معه، ذهبوا إلى مرضعته حليمة وقالوا لها: إن محمداً قد قتل فاستقبلوا وهو منتقع اللون.
ويذكر المؤرخون إن هذه الحادثة كانت السبب في ارجاعه من البادية إلى أمه، وأنها قد تكررت معه في العاشرة من عمره، وعندما بُعث بالنبوة، وحيثن الاسراء والمعراج.
ولكننا نشك كثيراً في وقوع هذه الحادثة للنبي في أي مرحلة من مراحل حياته، بل نعتقد أنها مختلقة بهدف تأييد العقائد الفاسدة، والطعن بصدق القرآن وعصمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدليل ما يلي:
أولاً: إن ثمة اختلافاً كبيراً في مضمون النصوص التي نقلت وقائع هذه الحادثة من حيث المكان الذي جرت فيه، وعدد الأشخاص الذين جاؤوا بالنبي وأجروا له هذه العملية المزعومة. ومن حيث الكيفية التي وقعت عليها الحادثة.
إن هذه الاختلاف بحد ذاته من الدواعي التي تثير الشكوك حول صحة هذه الحادثة خصوصاً إذا نظرنا إلى أسانيد تلك المرويات التي تفتقد إلى الأدنى من الضوابط التي لا بد من توافرها في النصوص المقبولة.
وثانياً: لقد ثبت بنص القرآن أنه ليس للشيطان أي طريق أو سلطان على عباد الله المؤمنين والمخلصين والمتوكلين فضلاً عن أن يكون له سلطان على النبي الذي يمثل قمة الإيمان والاخلاص والتوكل. يقول تعالى: "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان" (الإسراء/ 65) "إنه ليس له لسطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون" (النمل/ 99) "قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين" (الحجر/ 39 - 40).
* النبي في كفالة جده:
فقد النبي ص أمه بعد عودته من حي بني سعد وله من العمر ست سنوات على أشهر الروايات، وأصبح بذلك يتيم الأبوين، فعاش في كفالة جده عبد المطلب، الذي كان يرعاه خير رعاية، ولا يأكل طعاماً إلا إذا أحضر، وكان يفضله على سائر أبنائه، ويبدو أنه كان عارفاً بنبوته وما سيكون من أمره ونشأته من خلال أمرين:
أولاً: من الصفات والملامح التي كانت تظهر على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والبركات والأحداث التي رافقته منذ ولادته وفي أحضان أمه ومرضعته.
وثانياً: من البشائر والأخبار التي كانت تُنبئ بمستقبله ونبوته.
إن هذا النوع من المؤشرات والدلائل رسّخت في نفس عبد المطلب الاعتقاد بنبوة حفيده وجعلت له صلى الله عليه وآله وسلم مكانة خاصة عنده، بحيث كان يعطيه من الحب والعطف والحنان والاهتمام ما لم يعطه لأحد غيره، إلاّ أن هذا الحنان الدافق وهذه الرعاية الكريمة لم تدم له صلى الله عليه وىله وسلم طويلاً فقد توفي عبد المطلب والنبي في الثامنة من عمره، فانتقل النبي إلى دار عمه أبي طالب.
* النبي في رعاية عمه أبي طالب:
قبل أن توافي المنية عبد المطلب كان قد جمع أولاده العشرة وأوصاهم بابن أخيه محمد ص ولمّح لهم بما سيكون من شأنه في المستقبل ومما قاله لهم: "إني قد خلفت لكم الشرف العظيم الذي تطأون به رقاب الناس" على حد تعبير المؤرخ اليعقوبي.
وقد اختار عبد المطلب من بين أبنائه أبا طالب ليكون هو من يكفل محمداً بعده ويقوم برعايته وذلك لسببين:
الأول: إن أبا طالب كان أخاً لوالد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أم واحدة، فإن أمهما هي فاطمة بنت عائذ المخزومية، وطبيعي أن يكون أبو طالب أكثر حناناً وعطفاً وحباً لابن أخيه _ من أبيه وأمه _ من بقية اخوانه كالحارث والعباس وغيرهما الذين كانوا من أمهات شتى.
الثاني: إن أبا طالب كان أنبل إخوته وأكرمهم وأعظمهم مكانة في قريش، وأجلهم قدراً، وقد ورث زعامة أبيه عبد الملطب، وخضع لزعامته القريب والبعيد بالرغم من فقره.
وقد ورد عن علي عليه السلام أنه قال: "إن أبي ساد الناس فقيراً، وما ساد فقير قبله".
وقد قام أبو طالب برعاية النبي خير رعاية، وأدى الأمانة، وحفظ الوصية، وبقي محمد شغله الشاغل الذي شغله هو زوجته فاطمة بنت أسد حتى عن أولادها في أشد المراحل ضيقاً وحرجاً حتى النفس الأخير من حياتهما، كبر وبلغ الخامسة والعشرين من عمره فتزوج بخديجة.
وقد بلغ من عنايته به وحرصه عليه أنه كان إذا اضطر للسفر إلى خارج مكة أو الحجاز كان يصطحبه معه.
* السفر إلى الشام:
تحدث المؤرخون عن رحلتين للنبي إلى الشام، احدهما: بصبحة عمه والأخرى بصبحة غلام لخديجة في تجارة لها.
في الرحلة الأولى: كان عمر النبي اثنتي عشرة سنة وكان مع عمه أبي طالب ضمن قافلة تجارية لقريش، وفي الطريق توقفت القافلة في منطقة تسمى بصرى، وكان فيها راهب يدعى بحيرا وقد اتفق أن التقى الراهب قافلة قريش ولفتت نظره شخصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وراح يتأمل ويحدث قي صفاته وملامحه خاصة بعدما رأى أن سحابة من الغيم ترافق محمداً أينما جلس لتحميه من الشمس فسأل عنه بعض من في القافلة فأشاروا إلى أبي طالب وقالوا له: هذا عمه، فأتى الراهب أبا طلاب وبشره بأن ابن أخيه نبي هذه الأمة وأخبره بما سيكون من أمره بعدما كن قد كشف عن ظهره ورأى خاتم النبوة بين كتفيه ووجد فيه العلامات التي وصفته بها التوراة والأناجيل وغيرها.
وتذكر النصوص أن بحيرا أصر على أبي طالب أن يعود به إلى مكة وأن يبقيه تحت رقابته خوفاً عليه من اليهود وغيرهم، فقطع أبو طالب رحلته ورجع به إلى مكة.
والرحلة الثانية: كان عمر النبي خمسة وعشرين سنة ويقول المؤرخون أن سفره هذا كان في تجارة لخديجة بنت خويلد قبل أن يتزوج بها، وأن أبا طالب هو الذي أشار عليه العمل بالتجارة مع خديجة بسبب الوضع المادي الصعب الذي كان يعيشه آنذاك.
فدخل مع خديجة في شراكة تجارية ولم يكن أجيراً عندها إذ لم يكن النبي أجيراً لأحد قط. وسافر برفقة ميسرة وهو موظف لدى خديجة وربح في تجارته أضعاف ما كان يربحه غيره.
* الزواج من خديجة:
يذكر المؤرخون أن النبي تزوج بخديجة بنت خويلد زوجته الأولى بعد عودته من رحلته الثانية إلى الشام وكان قد بلغ الخامس والعشرين من عمره الشريف.
ونؤكّد ونقطع بسبب كثرة النصوص، أن خديجة هي التي بادرت أولاً وأبدت رغبتها في الزواج من محمد ص بعدما رأت فيه من الصفات النبيلة التي لا يجاريه فيها أحد.
ويرجح أكثر المؤرخين أن يكون عمر خديجة حين زواج النبي منها ثمانية وعشرين عاماً وليس أكثر من ذلك، وعليه فهي تكبر النبي بثلاث سنين فقط.
كما أنها لم تتزوج قبله بأحد وإنما تزوج بها النبي وكانت عذراء، وأما النصوص التي تفيد أنها تزوجت قبله برجلين هما: عتيق بن عائذ المخذومي ثم أبو هالة التميمي، فإننا نحتمل جداً أن تكون هذه النصوص مما صنعته يد السياسة بهدف الايحاء بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يتزوج امرأة عذراء غير عائشة.