مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الإمام الخميني قدس سره سيرة وجهاد


فاطمة شوربا


* الولادة والنشأة:
في العشرين من جمادى الآخرة لسن 1320 هـ الموافق لـ 1902 م، وفي مدينة خمين التي تقع وسط إيران، اكنت ولادة الامام الخميني قده، تلك الولادة تزامنت مع ذكرى الميلاد المبارك لسيدة الطهر والعفاف وأم الأئمة الأطهار فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين عليها السلام، والتي بشرت ببزوغ فجر الاسلام من جديد على يدي حفيد من أحفاد الزهراء، وسليل من سلالة الأئمة الأطهار، محقق لحلم الأنبياء والأولياء على مر التاريخ.
والد الامام هو السيد مصطفى الموسوي الذي يعد واحداً من علماء عصره الذين عُرفوا بالجهاد والنضال ضد سياسات الاقطاعيين حتى قضى شهيداً على هذه الطريق وله من العمر 47 عاماً. كان عمر الامام حينها حوالي الخمسة أشهر، فعرف الامام حرارة اليتم وتعرف على مفهوم الشهادة منذ نعومة أظافره. وبعد خمسة عشر عاماً انتقلت والدته إلى جوار ربها فأصبح يتيم الأبوين.
بدأ الامام بدراسة العلوم الدينية على يد أخيه آه الله بسنديده وذلك بعد أن أنهى دراسته الابتدائية رغم ظروف التعليم الصعبة آنذاك... وقد ظهرت عليه منذ طفولته علامات النبوغ والابداع. وفي عام 1339 هـ هاجر إلى مدينة آراك لمتعابة دراسته العلمية فيها حيث التحق بمدرسة آية الله الحائري، وبعد سنة، وبانتقال الحوزة العلمية إلى قم انتقل الامام برفقة أستاذه آية الله الحائري وسكنفي مدرسة (دار الشفاء).
وعندما توفي مؤسس الحوزة العلمية في قم آية الله الحائري فإن الامام الخميني قد لمع نجمه كأحد أركان الحوزة.

بدأ بتدرس الفلسفة في سنِّه السابعة والعشرين. وبعد عدة سنوات بدأ بتدريس الدروس العليا في الفقه والأصول. أما دروسه في الأخلاق فقد كانت محفلاً نورانياً يستفيض منه أهل الحقيقة في تهذيب نفوسهم، وقد تخرّج من هذا المحفل العديد من النجوم التي أصبحت منارات هداية للسالكين في الأخلاق والتقوى والعرفان، في الشجاعة والتضحية والشهادة، وفي الاستقامة والسير على خط الله سبحانه. ولخطورة هذه الدروس فقد حاول رضاخان إيقافها لعدة مرات.

وفي هذه الفترة بالذات ألّف الامام كتابه كشف الأسرار باللغة الفارسية الذي فضح فيه جانباً من جرائم الشاه، وأبطل فيه الشائعات التي كان يروّجها بعض المأجورين لأميركا ضد مذهب الشيعة الامامية.
لقد حدثت في تلك الآنونة من حياة الامام وقائع وأحداث جمة كان لها تأثيرها الكبير على روحه السامية، منها النهضة الثورية الكبرى لآية الله المدرس ضد رضاخان، ومؤامرة الشاه رضاخان من أجل محو الاسلام من إيران كافعل أتاتورك في تركيا، والتعرض لحلوزات العلمية واجبار علماء الدين على خلع اللباس الديني واستبداله باللباس الأجنبي، ونزع الحجاب عن النساء، والحرب العالمية الثانية، والمجاعة التي ضربت ايران، ومن ثم فرار الشاه إلى جزيرة موريس وتنصيب ابنه محمد رضا مكانه من قبل الانكليز، ونهضة آية الله الكاشاني ومصدق والقضاء عليهما من قبل الشاه الجديد وقد كانت كل هذه الأحداث الكبرى تشغل بال الامام، فكان له إزاء كل منها ردود فعل مناسبة.
فترى الامام من خلال وعيه العميق ورؤيته الثاقبة يقف بوجه الاشاعات التي روجت بأن الشه الجديد سيصلح ما أفسده أبوه، فيصدر بياناً للناس يحذرهم فيه من مغبّة الوقوع في مثل هذه المكائد ويقول: "اليوم فإن جميع المخططات التي أعدّها دماغ رضا خان اليابس ستستمر".

* مجريات أحداث العام 1962 وما بعدها:
لقد كان العام 1962 بالنسبة للامام الخميني عام النهضة والانطلاق في التصدي لسياسات النظام، وكان المفصل الأساسي في حركة الصراع.
ففيما كان الشه الجديد يسعى لفرض نفوذه وسلطته على الساحة السياسية من خلال المشاريع والبرامج ذات الصبغة الاجتماعية التحديثية التي سعى إلى تنفيذها لتضليل الرأي العام، وذلك بعد الحرمان والفقر الكبير الذي ألمّ بأبناء الشعب الإيراني، أعلم الامام الخميني موقفه الرافض في وجهه معلناً زيف ادعاءاته ونوايه السيئة إزاء الشعب الايراني، وكان ذلك في قضيتين وقعتا في عام 1962.
الأولى: الاعلان عن مشروع الاصلاح الزراعي أو ما يسمى "الثورة البيضاء" الذي فرضه الشاه على البرلمان بتوصية وضغوط مباشرة من واشنطن. وبالتحديد من ادارة الرئيس جون كنيدي، وكان هذا المشروع في ظاهره إيجابي ويصب في مصلحة الفلاحين ويحد من سلطة الاقطاع على الأراضي الزراعية، إلاّ أنه ينطوي على نتائج خطيرة – على المدى البعيد – على الوضعين الإجتماعي والاقتصادي في ايران، أهمها تغيير النظام الاقتصادي والزراعي في البلاد من الاقطاعي إلى الرأسمالية المرتبطة بالخارج، وفسح المجال للشركات الغربية للاستثمار بحرية واستغلال ثروات الشعب بشكل مباشر.

وقد واجه الامام قده الشاه مباشرة إزاء هذا الموضوع، وذلك عندما كان اهذا الاخير يقوم بزيارة للمرجع الديني الأعلى آية الله البروجردي لكسب تأييده على هذا المشروع وإفضاء الشرعية الدينية عليه، وكان الامام حاضراً من بين مجموعة من العلماء في ذلك المجلس، فأبدى ملاحظاته الشديدة على هذا المشروع أمام الشاه، الذي أُربك وأُجبر على عدم الرد والانصراف خوفاً من تفاعل القضية وسط علماء الدين.
والقضية الأخرى، التي جابه الامام من خلالها قرارات وأحكام النظام الملكي التعسفية عرفت بلائحة المحافظات والأقاليم التي قدمتها الحكومة إلى البرلمان للمصادقة عليها، وتنص على إسقاط شرط الاسلام والقسم بالقرآن عن الفائزين في الانتخابات. هذه القضية كانت تمس مباشرة القيم والمبادئ الاسلامية، كما كان يراد منها ادخال العناصر البهائية المعروفة بانحرافها، وبعدائها للاسلام وبمسارها الاستعماري – في المراكز الحساسة من هيكل النظام، وزيادة نفوذ اتباع هذه الحركة المواكبة لإسرائيل في السلطات الايرانية الثلاث.

وقد صادق البرلمان على هذه اللائحة، وبمجرد انتشار الخبر بادر الامام ومجموعة من العلماء الاعلام في قم وطهران للاعتراض العام والشامل على هذا الأمر مما أثر كبير الأثر في نفوس الجماهير.
وقد أدّت البرقيان والرسائل المفتوحة المعترضة، التي بعث بها العلماء إلى الملك وإلى رئيس الوزراء إلى بث روح الصمود في نفوس الجماهير، وتميزت البرقية التي أرسلها الامام إلى كل منهما – الملك ورئيس الوزراء – بلهجة حادة وحازمة ومحذّرة.
وأصرّت الحكومة على المضي في هذا المشروع وتزايدت الحركة الشعبية بإطراد، فعطلت الأسواق في طهران وقم وبعض المدن الأخرى، وكثرت حركة الاعتصامات والاحتجاجات في المساجد للتعبير عن السخط الشعبي تجاه هذا الموضوع مما اضطر الحكومة وبعد حوالي الشهر والنصف إلى التراجع عن تنفيذ هذا المشروع فأبرق الملك ورئيس وزرائه إلى العلماء برسالة جوابية هادفين ارضاءهم وتبيرير الأمر وقد سرّ هذا الأمر قلوب بعض العلماء، واعتبروا أن موقف الدولة هذا كافٍ لحسم الصراع، إلاّ أن الامام عارضهم بشدة حيث كان يرى أن على الحكومة أن تعلن عودتها عن تنفيذ مشروعها ذاك بشكل رسمي وعلني، وطلب من الجماهير أن لا تتوقف عن المواجهة إلاّ بعد تحقق هذا الشرط، مما أدى إلى اقرار الحكومة بالهزيمة وإعلان ذلك في الصحف الرسمية، الأمر الذي جعل من المؤكد – في نظر الشعب – أن الامام هو القائد القادر على تحقيق طموحاته واستعادة حقوقه.

وهكذا كلما كان الشاه والنظام الملكي الحاكم يمعن في التنكيل والظم والاضطهاد كلما كان االامام يزداد قوة وصلابة على مواقفه، وعزيمة على اجتثاث أصول الفساد بتغيير النظام من أساسه. ففي عصر يوم الثاني والعشرين من شهر آذار عام 1963 أقدمت قوات الأم على اقتحام المدرسة الفيضية التي كان يقام فيها مجلس عزاء بمناسبة وفاة الامام الصادق عليه السلام وذلك بدعوة من آية الله العظمى الكلبايكاني، فعبثوا فيها وأثاروا الفوضى في المجلس، وبذلك مهّدوا الطريق لاقتحام المدرسة التي كان حوال الألف من عناصر السافاك يستعدون لاقتاحمها، وما هي إلاّ لحظات حتى تحولت المدرسة إلى جماد دم، حيث فتح المهاجمون أعيرتهم النارية في صدور طلبة العلوم الدينية فاستشهد عدد كبير منهم ومن الناس ازاء هذه المجزرة المروعة.
فما كان من الامام عند سماعه الخبر إلاّ أن فتح باب بيته أمام الناس والجرحى القادمين من المدرسة بالرغم من احتمال مطاردة عناصر السافاك لهم. وبعد أن قام بتعزية الطلبة وشد مواقفهم ألقى كلمة موجزة قال فيها: "لا تقلقوا ابعدوا عنكم الخوف إن الجهاز الحاكم فضح نفسه بارتكاب هذه الجريمة".

* الاعتقال:
وفي 5 حزيران 1963 أقدم نظام الشاه على اعتقال الامام ظنناً منه أن باعتقاله سيخمد جذوة الثورة في نفوس الناس فما كان من الناس إلاّ أن عبروا عن غضبهم الساخط بانتفاضة عارمة (انتفاضة الخامس عشر من خرداد) عمت معظم المدن الايرانية مما اضطر النظام إلى إطلاق سراحه بعد حوال الشهرين.
وفي تشرين الثاني لعام 1964 أقدم نظام الشاه على اعتقال الامام للمرة الثانية وذلك إثر البيانات والخطابات الملتهبة التي ألقاه احتجاجاً على قانون الحصانة القضائية المعروف بـ_كابيتاليسون) الذي يعطي الحق للرعايا الأميركيين في إيران في كل الأحوال حتى وإن كانوا مذنبين.

* النفي والابعاد:
وفي صباح ذلك اليوم نقل عناصر السافاك الامام إلى المطار وسلموه جواز سفره وأعلموه بأنه متوجه إلى تركيا. ومن هنا بدأت مسيرة الهجرة والابعاد عن الوطن.
مكث الامام الخميني في تركيا أحد عشر شهراً، وخلال وجوده هناك ألّف رسالته العملية في الفقه المعروفة بـ"تحرير الوسيلة"
ومنها انتقل إلى العراق وأقام في مدينة النجف الأشرف – فأمضى فيها خمسة عشر سنة كان يقود فيها المواجهة وتعبئة الشعب الايراني للتصدي لسياسات الشاه الظالمة. ومن أبرز ما قام به خلال تلك الفترة وضع برنامج سياسي بديل عن النظام الملكي في ايران وذلك عبر المحاضرات التي كان يلقيها على طلبة العلوم الدينية، ظهرت فيما بعد على شكل كتاب حمل اسم الحكومة الاسلامية، ومن أبز مواقفه في تلك الفترة كان الاحتجاج على نظام الشاه والموقف من الاحتفالات الصاخبة التي أقامها بمناسبة مرور 2500 عام على تأسيس الامبراطورية الفارسة.

ومن الطبيعي أن حياة الامام في النجف الأشرف لم تخلُ من الضغوطات والصعوبات التي كان النظام العراقي يمارسها بحق الامام.
وأثناء وجوده في العراق تعرض نجله السيد مصطفى الخميني لحادثة اغتيال مما أدى إلى استشهاده فما زاد الامام إلاّ صبراً وعزيمة على متابعة الجهاد والنضال.
ولما وجدت الحكومة العراقية أنها أمام جبل راسخ من الارادة والتحدي فقد أوعزت إلى الامام بضرورة معادرة الأرضاي العراقية أو السكوت، فكان الخيار الأول هو خيار الامام، وتوجه حينها إلى الكويت، إلاّ أن لاسلطات الكويتية التي كانت تخشى غضب الشاه فضلت الحفاظ على مصالحها وصداقتها مع الشه على استقبال الامام فاضطر الامام حينها للتوجه إلى باريس.
وهكذا فإن السلطات الفرنسية أيضاً اشرتطت عليه السكوت وعدم اتخاذ أي مواقف سياسية ضد النظام الشاهنشاهي مقابل دخول أراضيها. فقال كلمته الشهيرة: "سأقول كلمتي حتى لو قرر لي أن أنتقل من مطار إلى مطار". بهذه الكلمات وجدت الحكومة الفرنسية نفسها في موقف حرج اضطرها إلى السماح للامام بدخول أراضيها والاقامة في (نوفل لوشاتو) إحدى ضواحي باريس.
ومن داره المتواضعة في هذه الضاحية قاد الامام زمام الثورة الاسلامية رغم المضايقات التي مارستها الحكومة الفرنسية وسياسة الحديد والنار التي بدأت السطات الشاهنشاهية باستخدامها لقمع الثورة. وقد أثمرت الجهود في نهاية المطاف عن انجاز تاريخي كبير تمثل بخروج الشاه من ايران.

* العودة والانتصار:
وفي الأول من شباط عام 1979 وطأت قدما الامام الخمين قده أرض ايران بعد 15 سنة في المنفى فارتجت القلوب، وحبست الأنفس وتحول مشهد الملايين التي جاءت لاستقباله إلى أروع لوحة رسمت بألوان الدماء الزاكية والأحرف النورانية لحفيد الحسين عليه السلام وسليل الأطهار، لم يتوجه الامام بعد نزوله من الطائرة إلى قصر الشاه المخلوع، كما يفعل قادة الثورات في العالم، بل قاده حنينه وحبه لشعبه إلى روضة الشهداء، وهناك أعلن للملأ أنه سيشكل الحكومة الاسلامية رغم أنف رجال الدولة الشاهنشاهية وهتف بصوت تردد صداه ليمسح عن قرون الغربة والانحطاط غبار العار قائلاً: "إنني وبدعم من هذا الشعب أعيِّن الحكومة".
وهكذا أضحى الامام بين أمته، يقود الثورة نحو شاطئ الأمان والاستقرار على أساس قوانين الاسلام والحكومة الاسلامية.

وفي التاسع من شباط 1979 كان عدد من جنرالات الجيش يحضرون للقيام بانقلاب عسكري، فأعلنوا الاحكام العرفية وأصدروا أوامرهم بحضظ التجوال كي يتسنى لهم القيام بالانقلاب بصورة هائدة وبعيداً عن أعين الجماهير. إلاّ أن الامام بوعيه الدقيق ونظرته الثقابة أمر كافة أبناء الشعب بالنزول إلى الساحات والوارع وعدم الامتثال لهذه الأوامر مبيناً لهم إن في الأمر خدعة، فخرجت الجموع الهادرة وفشلت المؤامرة وشاء الله أن يتم نوره ببزوغ فجر الثورة الاسلامية بعد مخاضات عسيرة كان لا بدّ منها لنيل الحرية ولتحقيق العزة والكرامة.
وهكذا رعى الامام الخميني قده بإرشاداته وتوجيهاته غرسة الثورة ورواها الشهداء من دمائهم الزكية حتى أينعت وأنبتت سنابل استقلال وحرية وجمهورية إسلامية لا زالت إلى الآن تعيش على زخم أنفاسه القوية وإراداته الصلبة ونهجه القويم الذي بثه في أبناء الشعب الايراني المسلم وعلى رأسهم تلميذه البار وولده الوفي الامام القائد السيد عليى الخامنئي دام ظله وعلى أمل أن يسلم الرياة إلى صاحبها الأصلي نسأل الله القدير أني طيل في عمره ويسدد خطاه ويظهره على أعدائه أعداء الاسلام.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع