نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الآداب المعنوية للصلاة: في آداب القيام‏


السيد عباس نور الدين


قال تعالى:   ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾.
ما زال الحديث عن الآداب المعنوية للصلاة التي هي عبادة جامعة: إن التعرف إلى هذه الآداب يزود السالك بالمعرفة اللازمة لأداء حق جميع العبادات، ذلك لأن أسرار كل العبادات منطوية في الصلاة، ونحن نشير في هذه المقالة إلى أدب آخر، وهو أدب القيام في الصلاة الذي هو ركن فيها.
العرفاء الكمّل - وعلى رأسهم الإمام الخميني قدس سره - يتوصلون إلى الآداب المعنوية من خلال معرفة أسرار الشريعة وأسرار فرائضها، وللقيام سر يشير إليه الإمام بقوله: "اعلم أن أهل المعرفة يرون القيام إشارة إلى التوحيد الأفعالي،، وفي هذا المقام تظهر فاعلية الحق وتستهلك جميع الموجودات في التجلي الفعلي وتضمحل تحت كبريائه الظهوري".

ومن هذا لاسر ينبع الأدب الذي ينبغي للسالك أن يقوم به، فيقول الإمام: "والأدب العرفاني للسالك في هذا المقام أن يتذكر بهذه اللطيفة الإلهية ويترك التعينات النفسية ما استطاع ويذكر للقلب حقيقة الفيض المقدس ويوصل إلى باطن القلب نسبة قيومية الحق وتقوّم (قيام) الخلق بالحق".
فهذه هي حقيقة القيام التي ينبغي التوجه إليها عند كل صلاة وحيث أن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً، وهي تمرينات العبد، فإذا حصلت نتيجة الرياضة تمكنت هذه الحقيقة في القلب. إن تمكن واستحكام الحقيقة في القلب الذي هو النتيجة المطلوبة للقيام يشير إليه الإمام صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "فإذا تمكنت هذه الحقيقة في قلب السالك تقع قراءته بلسان الحق ويكون الذاكر والمذكور هو الحق، وينكشف له معنى "أنت كما أثنيت على نفسك، وأعوذ بك منك" ببعض مراتبه، ويجحد قلب العارف بعض أسرار الصلاة".

ثم يقدم الإمام برنامجاً عملياً تفصيلياً لأجل رعاية هذا الأدب والقيام به قائلاً: "على السالك أن يرى نفسه حاضراً في محضر الحق ويعلم أن العالم محضر الربوبية ويحتسب نفسه من حضّار المجلس والمقيم بين يدي الله ويوصل إلى قلبه عظمة الحاضر والمحضر ويفهم القلب أهمية المناجاة مع الحق تعالى وخطره ويحضّر قلبه قبل الورود في الصلاة بالتفكر والتدبر ويفهمه عظمة المطلب ويلزمه بالخضوع والخشوع والطمأنينة والخشية والخوف والرجاء والمسكنة إلى آخر الصلاة، ويشارط القلب أن يراقب هذه الأمور ويحافظ عليها ويتفكر في أحوال أعاظم الدين وهداة السبل كيف كانت حالاتهم في الصلاة وكيف كانوا يتعاملون مع مالك الملوك يتخذ من أحوال أئمة الهدى أسوة لنفسه ويتأسى بهؤلاء الأعاظم..." (الآداب المعنوية، ص‏279).

ثم يختار الإمام من بين ما ذكر تفصيلاً النقطة الأخيرة ليتحدث عنها بمزيد من التفصيل والبيان مع الشواهد العديدة التي تحكي عن حالاتهم مع الله تعالى وخصوصاً في الصلاة، ونحن سنذكر منها ما يناسب هذا المقام أيضاً، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "كان علي بن الحسين (عليهما السلام)، إذا قام إلى الصلاة تغيّر لونه، فإذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض عرقاً".
وعنه عليه السلام: "كان أبي يقول كان علي بن الحسين إذا قام إلى الصلاة كأنه ساق شجرة لا يتحرك منه شي‏ء إلا ما حركت الريح منه".
وعن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام إني رأيت علي بن الحسين إذا قام إلى الصلاة غشي لونه لون آخر، فقال لي والله إن علي بن الحسين كان يعرف الذي يقوم بين يديه".
وعن السيد علي بن طاووس في فلاح السائل حديث، فقال أبو عبد الله عليه السلام: "لا تتم الصلاة إلا لذي طهر سابغ وتمام بالغ غير نازغ ولا زائغ، عرف فوقف، وأخبت فثبت، فهو واقف بين اليأس والطمع والصبر والجزع كأن الوعد له صنع، والوعيد به وقع.. وبذل في الله المهجة وتنكب إليه المهجة، غير مرتغم بارتغام، يقطع علائق الاهتمام بعين من له قصد وإليه رفد، فإذا أتى بذلك كانت هي الصلاة التي بها أمر وعنها أخبر وأنها هي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر".
وعن الإمام زين العابدين عليه السلام قال: "وأما حق الصلاة فأن تعلم أنها وفادة إلى الله، وأنك فيها قائم بين يدي الله، فإذا علمت ذاك كنت خليقاً أن تقوم فيها مقام العبد الذليل الراغب الراهب الخائف الراجي المسكين المتضرع المعظم مقام من يقوم بين يديه بالسكينة والوقار وخشوع الأطراف ولين الجناح وحسن المناجاة له في نفسه، والطلب إليه في فكاك رقبته التي أحاطت بها خطيئته واستهلكتها ذنوبه، ولا قوة إلا بالله".
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".

وعن فقه الرضا عليه السلام: "فإذا أردت أن تقوم إلى الصلاة فلا تقم إليها متكاسلاً ولا متناعساً ولا مستعجلاً ولا متلاهياً، ولكن تأتيها على السكون والوقار والتؤدة، وعليك الخشوع والخضوع، متواضعاً لله عز وجل متخاشعاً، عليك الخشية وسيماء الخوف راجياً خائفاً بالطمأنينة على الوجل والحذر، فقف بين يديه كالعبد الآبق المذنب بين يدي مولاه، فصف قدميك وانصب نفسك ولا تلتفت يميناً وشمالاً، وتحسب كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
والأخبار الشريفة في هذه الموضوعات أكثر من أن تسعها هذه المقالة، وفي التفكر فيما ذكر منها كفاية لأهل التذكر والتفكر بالنسبة للآداب الظاهرية والقلبية والمعنوية.

لقد ذكر الإمام المقدس أن التفكر في أحوال أئمة الدين (عليهم السلام) كفيل بهداية الإنسان وإيقاظه، بل سار إلى أبعد من ذلك حيث طلب أن تكون عمدة السير المعنوي في سيرهم الإيماني وسلوكهم العرفاني فقال: "بل يكون عمدة سيره في سيرهم الإيماني وسلوكهم العرفاني" (الآداب: ص‏279).
ومعنى هذا الكلام، أن على السالك إلى الله إذا أراد التوفيق في سلوكه، أن يجعل سيره المعنوي وسلوكه مشتقاً من سيرهم وسلوكهم (عليهم أفضل الصلاة والسلام)، مما يتطلب أن يتعرف إلى حياتهم وسلوكهم وحالاتهم ومعاملتهم في العبودية، وكيف كان مشيهم في السير إلى الله وأي مقدار كان لمقاماتهم العرفانية التي تستفاد من كلماتهم الإعجازية (الآداب: ص‏279).
ولكن، وللأسف الشديد، صددنا هذا الباب الوحيد على أنفسنا ولم ندخل فيه ولم نستفد شيئاً لقد أغلقناه بجهلنا وغفلتنا، كذلك قام بعض الجهلة والمنتحلين للعلم بقطع طريق عباد الله.

أما نحن "أهل الغفلة وسكر الطبيعة والمغرورون بالآمال خلفاء الشيطان الخبيث في جمعي الأمور، ولا نستيقظ أبداً من النوم الثقيل ولا نخرج عن النسيان الكثير، فإن استفادتنا من مقامات ومعارف أئمة الهدى قليلة، بل ولا شي‏ء يذكر وقد اكتفينا من تاريخ حياتهم بالقشر والصورة وصرفنا النظر كلياً عما هو غاية البعثة الأنبياء عليهم السلام، وفي الحقيقة ينطبق علينا المثل المعروف استسمن ذو ورم" (الآداب: 280).

يقول الإمام معاتباً:
"إن علي بن الحسين من أعظم النعم التي منَّ بها ذات الحق المقدس على عباده وأنزله من عالم القرب والقدس لأجل تفهيم عباده طريق العبودية ولتسألن يومئذٍ عن النعيم! وإذا سُئلنا لماذا لم نقدر هذه النعمة ولم نستفد من هذا الرجل العظيم؟ فلا نجد جواباً غير أن ننكس رؤوسنا ونحترق بنار الندامة والأسف، ولا ينفع حينذاك الندم" (ص 282).

وقد تحصل مما ذكر في المقالة ما يلي:
أولاً: أن القيام بالأدب المعنوي للقيام وغيره من العبادات موقوف على معرفة أسراره.
ثانياً: إن سر القيام في الصلاة هو شهود التوحيد الأفعالي وتحققه في المصلي.
ثالثاً: والأدب في هذا المقام هو التوجه إلى هذه الحقيقة لأجل تمكينها في القلب.
رابعاً: ويحصل هذا الأدب من خلال مجموعة من الشروط، وأهمها التفكر في حالات أهل البيت عليه السلام مع الله ومتابعة سلوكهم والاهتداء بهديهم.
ويبقى أن نشير إلى حقيقة التوحيد الأفعالي وكيفية سريانه في وجود العبد من خلال الصلاة والقيام وما هي الموانع التي تقف دون تحق هذا الأمر الذي هو غاية العبادات.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع