حاوره: حسين خليفة
"نحن نفخر أنّ منّا .. مصحف فاطمة عليها السلام ذلك الكتاب الملهم من قبل الله تعالى للزهراء المرضية".
هذا المقطع هو جزء من مقدمة الوصية الإلهية للإمام الراحل الخميني العظيم قدس سره، وقد سبق وصية الإمام قدس سره هذه حديث مفصّل عن مصحف فاطمة عليها السلام يركّز فيه الإمام قدس سره على ما يمثّله هذا الكتاب من بُعد معنوي كبير للسيدة الزهراء عليها السلام.
ورغم تركيز الإمام هذا، فقد كنّا نشعر بفراغ المكتبة الإسلامية من كتاب علمي يسلّط البحث على هذا الكتاب الذي أثار جدلاً في عدّة أوساط إلى أن نشر في السنة السابقة كتاب "حقيقة مصحف فاطمة عند الشيعة" لمؤلّفه الشيخ أكرم بركات الذي كشف ستار الغموض عن الجوانب المتعدّدة في مصحف فاطمة عليها السلام.
من هنا أحببنا في ذكرى وفاة الصدّيقة الطاهرة أن نلتقي مع الكاتب الشيخ أكرم بركات لنطرح عليه بعض الأسئلة حول هذا الموضوع:
*سماحة الشيخ في البداية نتوقف عند لفظ "مصحف" الذي يتبادر منه في أيامنا هذه معنى القرآن الكريم مما قد يوهم أنّ مصحف فاطمة هو قرآن خاص بالسيدة الزهراء، فما تعليقكم على هذا الكلام؟
-في الحقيقة إنّ المطّلع على اللغة العربية لا يُصاب بمثل هذا التوهّم لأنّ لفظ "مصحف" في لغة العرب تعني "الكتاب المجلّد" بحسب تعبيرنا في هذه الأيام، وقد نصّ على ذلك أرباب المعاجم اللغوية كما ذكرنا في الفصل الأول من كتابنا، وهناك ذكرت أن جملة من الكتب القديمة كان يُطلق على كلّ منها لفظ مصحف، حتّى أن الجاحظ (150 هـ – 225 هـ) كان قد سمّى كلّ جزء من أجزاء كتابه الكبير الحيوان بـ"مصحف" وعليه فمعنى مصحف فاطمة هو "كتاب فاطمة عليها السلام" بتعبيرنا اليوم.
*كلامكم هذا يفيد أنّ مصحف فاطمة في اللغة العربية لا يعني قرآن فاطمة لكنّه لا يتعرّض لمحتواه فهل محتواه آيات قرآنية؟
-لقد بيّن الأئمة المعصومون عليهم السلام في أغلب الروايات الواردة في موضوع هذا الكتاب أنّ مصحف فاطمة ليس قرآناً بل هو لا يشتمل على أيّة آية قرآنية بل على أيّ حرف من القرآن الكريم، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: ".. وعندنا مصحف فاطمة أما والله ما فيه حرف من القرآن".
*إذاً علامَ يحتوي؟
-بعد تتبعنا للروايات الواردة في مصحف فاطمة عليها السلام يمكن أن نلخّص محتواه في العناوين التالية:
1-مقام النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في الآخرة.
2-مستقبل ذرية السيدة الزهراء كصلح ابنها الإمام الحسن عليه السلام وثورة ابنها الإمام الحسين عليه السلام.
3-علم الحوادث أو بتعبير بعض الروايات "فيه علم ما يكون".
4-أسماء الأنبياء والأوصياء.
5-أسماء الملوك وآبائهم، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام "وأما مصحف فاطمة ففيه ما يكون من حادث، وأسماء من يملك إلى أن تقوم الساعة".
6-وصية فاطمة عليها السلام وقد عقدنا في كتابنا بحثاً مهماً عن هذه الوصية وأبعادها.
هذه العناوين العامّة لمحتوى مصحف فاطمة عليها السلام، وقد ذكرت الروايات بعض التطبيقات لهذه العناوين من قبيل أخبار الإمام الصادق عليه السلام بأنّ ثورة بني الحسن عليه السلام لن تنجح وأنهم لن يحكموا أصلاً.
*ألا يوجد أحكام شرعيّة في هذا الكتاب؟
-نحن نميل إلى عدم وجود أحكام فقهية في مصحف فاطمة عليها السلام، أولاً لعدم وجود دليل واضح على ذلك، وهنا أشير إلى أنّ البعض توهّم أنّه عبقري الأحكام الشرعية نتيجة قراءة خاطئة لروايةٍ من روايات مصحف فاطمة، وقد فصّلنا هذا الأمر في كتابنا، وثانياً لوجود رواية تنفي عنه هذه الأحكام، ففيها "... أمّا أنّه ليس فيه الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون".
*بعد أن تحدثتم عن محتوى هذا الكتاب نسأل هل السيدة الزهراء هي التي كتبته؟
-كلا، لقد كان الكتاب لمصحف فاطمة هو الإمام علي عليه السلام باتفاق الروايات الواردة في هذا الموضوع فجميعها نصّت على أنّه بخطّ علي بن أبي طالب عليه السلام.
*إذا لم تكن السيدة فاطمة عليها السلام هي الكاتبة فما هي علاقتها به ولماذا سمّي باسمها؟
-إنّ مصحف فاطمة عليها السلام كان بإملاء الملك جبرئيل للسيدة الزهراء عليه السلام حين جاءها معزّياً بوفاة أبيها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "أنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلها حزن شديد على أبيها وكان جبرئيل يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ويطيّب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، وغيرها بما يكون بعدها في ذريّتها وكان علي عليه السلام يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة عليها السلام".
وهذه الرواية تبيّن علاقة الكتاب بالسيدة فاطمة وسرّ التسمية باسمها، فإنّ الإملاء كان لها والخطاب موجّه إليها، لذا سمّي باسمها كما سمّيت التوراة بتوراة موسى والإنجيل بإنجيل عيسى لأنّهما كانا محلاً للإملاء الإلهي.
*هل هذه الرواية التي ذكرتموها معتبرة من ناحية السند عند علمائنا؟
-نعم إنّها رواية صحيحة السند، كما أنّه يوجد غيرها في هذا الموضوع صحيح السند، وقد عقدت بحثاً في كتابي حول صحّة سند روايات مصحف فاطمة.
*ولكن كيف يتلاءم ما جاء في هذه الرواية مع ما نسمعه من أنّ جبرئيل قد ودّع الأرض بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟
-نحن نعتقد أنّ جبرئيل لا يمكن أن ينزل إلى الأرض بوحي رسالة جديدة لأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو خاتم الأنبياء، فوحي رسالة جديدة انقطع بوفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا المقدار الكلام صحيح، وما ورد من نصوص حول وداع جبرئيل للأرض نحمله على هذا المعنى إن لم نرفضه سنداً. وإلاّ فإنّ من المسلّم به عند جميع المسلمين أنّ النبي عيسى عليه السلام سيظهر في آخر الزمان وقد ورد في بعض روايات أهل السنّة أنّه يُوحى إليه في زمن ظهوره ممّا يعني أنّ جبرئيل سينزل إلى الأرض ويوحي لنبي لكن لا وحي رسالة جديدة كما هو واضح، من هنا حكم الشيخ الطوسي وهو أحد أكبر علماء إخواننا أهل السنة بضعف الروايات التي تتحدّث عن انقطاع هبوط جبرئيل إلى الأرض بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
*يتساءل الكثير من الناس أين هو مصحف فاطمة، فما هو جوابكم؟
-ذكرت الروايات أنّ مصحف فاطمة عليها السلام قد توارثه أئمة أهل البيت عليهم السلام إلى أن وصل إلى الإمام المهدي عليه السلام وهو الآن معه كما هو حال الجفر، فمصحف فاطمة ليس في متناول أيدي أحد من الناس وإنّما يختصّ بالإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف.
*لماذا شدّد أئمة أهل البيت على موضوع مصحف فاطمة عليها السلام وأنّه عندهم؟
-لا نفي أنّ موضوع مصحف فاطمة يشكّل كرامة كبيرة للسيدة الزهراء عليه السلام إلاّ أنّ هناك هدفاً آخر للأئمة عليه السلام في تشديدهم على أنّه بحيازتهم وهو يرتبط بموضوع الإمامة، فقد أوضح أئمة أهل البيت أن من علامات الإمام الحق أن يكون عنده مصحف فاطمة، وفي هذا الصدد كان أئمة أهل البيت عليهم السلام يذكرون أنّ مصحف فاطمة هو مصدر من مصادر العلوم الغيبية التي كانت تصدر منهم أمام الناس، وقد فصلت هذا الموضوع في كتابي "حقيقة مصحف فاطمة عند الشيعة".
*سؤال أخير يتعلّق بافتخار الإمام في وصيّته بمصحف فاطمة عليها السلام، فكيف تحلّلون خلفية كلام الإمام هذا؟
-صحيح أنّ مصحف فاطمة يشكّل كرامة كبيرة ومقاماً معنوياً شامخاً للبضعة الطاهرة عليها السلام نفتخر به جميعاً، إلاّ أنّي أحدس أنّ للإمام غاية إضافية تدخل في خانة الطرح القوي الراسخ الذي عوّدنا عليه الإمام قدس سره فموضوع مصحف فاطمة عليها السلام كان يشكّل نقطة يعتبرها البعض سلبية عند الشيعة لما توحي بأنّه قرآن خاص، وكان علماء الشيعة يدافعون عن هذه القضيّة دفاعاً عن القرآن الكريم المنزّه من التحريف زيادة ونقيصة، وفي هذه الأجواء قد يرى البعض أن نتجنّب روايات مصحف فاطمة ونهمشها لما تسبّب من مناشئ لفهم خاطئ وتشكيكات نحن بالغنى عنها، هنا يتصدّى الإمام لهذه الحالة التي تشكّل تراجعاً نفسياً في قضية حقّة لا غبار عليها ليقدّم افتخاره بمصحف فاطمة طالما هو ثابت عندنا بالطرق الصحيحة، لأنّ الإمام كان يعتبر أنّ الوحدة الإسلامية يجب أن تُبنى على معتقدات المسلم الثابتة، وهنا يحضرني قول في غاية الأهمية لولي أمر المسلمين السيد القائد الخامنئي حفظه الله يقول فيه: "إنّ أيّ بحث في تبيان عقائد الشيعة ومعارفهم يساهم في استقرار الوحدة والأخوّة بين المسلمين، لأنّ أعداء الإسلام يعمدون إلى إيقاع الفرقة بينهم من خلال تشويه بيان المعارف العقيدية والفقهية لكلّ مذهب أمام المذاهب الأخرى".
*فضيلة الشيخ اللقاء مشوّق، والأسئلة كثيرة حول هذا الموضوع الهام جداً، لا يتسع المجال لها جميعاً، نترك القارئ العزيز مع كتابكم حول مصحف فاطمة عليها السلام للمزيد من التوسّع والتحقيق. وشكراً.