الشيخ خليل شرف الدين
﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُون﴾َ
*ما الفرق بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
-عندما نطلب من شخص القيام بواجب هو تارك له بلا عذر، فإنّ ذلك يكون أمراً بالمعروف. وعندما نطلب من شخص ترك محرم هو فاعل له بلا عذر أيضاً فإنّ ذلك يكون نهياً عن المنكر.
*المعروف أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأمور الواجبة أليس كذلك؟
-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم وأسمى وأفض الواجبات في الشريعة الإسلامية وفي غيرها من الرسالات السماوية ويكفي في بيان منزلتهما ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهج الصلحاء فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وترد المظالم وتعمر الأرض ويُنتصفُ من الأعداء ويستقيم الأمر".
*من هو الذي يجب عليه القيام بالأمر والنهي؟
-الأمر والنهي واجبان على كلّ مكلّف رجلاً كان أو امرأة.
*لكن الملاحظ أنّ علماء الدين هم الذين يتصدون لهذه المهمة؟
-قيام علماء الدين بوظيفة الأمر والنهي لا يعني أنّ هذا التكليف خاص بهم فإنّ عليهم ما على سائر المكلّفين من وجوب الأمر والنهي.
*تقولون أنّ الأمر والنهي واجبان على كلّ مكلّف فيما يذكر الفقهاء أنّ وجوب الأمر والنهي كفائي لا عيني أليس في هذا تناقض؟
-الواجب الكفائي كالواجب العيني من حيث تعلّق الواجبين بجميع المكلّفين والفرق بينهما هو من جهة امتثال التكليف ففي الواجب العيني لا يسقط التكليف عن الشخص إلاّ إذا أتى به بنفسه أمّا الواجب الكفائي فيسقط التكليف
عن الشخص إذا قام به غيره أو قام به بنفسه.
*المعروف أنّ الأمر والنهي واجبان على المكلف بشروط فهل بإمكانكم بيانها؟
-هناك أربعة شروط إذا توفرت لدى المكلّف وجب عليه الأمر والنهي، أولها- العلم بالمعروف والمنكر – وثانيها احتمال تأثير الأمر بالمعروف والنهي – ثالثها – إصرار تارك المعروف وفاعل المنكر على المعصية
– رابعها – عدم وجود ضرر أو حرج على الآمر والناهي.
*ما السبب الذي دفع الفقهاء إلى اعتبار هذه الأربعة من شرائط الأمر والنهي؟
-لدى الفقهاء جملة من الأسباب والأدلّة دعتهم لذكر تلك الشروط فبالنسبة للشرط الأول – العلم بالمعروف والمنكر – الأمر فيه واضح إذ كيف يمكن للمكلّف القيام بالأمر والنهي وهو لا يعلم المعروف من المنكر فإنّه قد
يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف فيقع ويوقع الآخرين في معصية الله تعالى.
وبالنسبة للشرط الثاني – احتمال تأثير الأمر والنهي – فمما لا شكّ فيه أنّ الغرض من الأمر والنهي هو حمل تارك المعروف على فعله وفاعل المنكر على تركه فإذا علم الآمر أو الناهي أنّ هذا الغرض لا يحصل فلا يعود لديه مبرّر للأمر والنهي وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: فرض الله الأمر بالمعروف مصلحة للعوام والنهي عن المنكر ردعاً للسفهاء.
وبالنسبة للشرط الثالث – الإصرار على المعصية – فإنّ سبب اشتراطه يعود إلى غير المصر تارك للمعصية لا فاعل لها حتّى يجب أمره ونهيه فلا جدوى حينئذٍ من الأمر والنهي.
وبالنسبة للشرط الرابع – عدم ترتّب ضرر أو حرج – فإنّ الله تعالى أسقط عن عبده التكاليف التي تؤدّي إلى الضرر أو الحرج لقوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) ولما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله "لا ضرر ولا ضرار".
فإذا ترتّب على الأمر أو النهي ضرر أو حرج سقط وجوبهما بل قد يحرم القيام بذلك في بعض الأحوال.
*هل للأمر والنهي أسلوب محدّد كي يلتزم المكلف به؟
-للأمر والنهي طرائق متعدّدة بعضها أيسر وأسهل من بعض وقد بيّنها الفقهاء في رسائلهم العملية.
*هل المكلف بالخيار بين تلك الطرق المتنوّعة بحيث يمكنه اعتماد ما شاء منها.
-ذكر الفقهاء أنّه يشترط الترتيب بين تلك الوسائل والطرق المعتمدة في الأمر والنهي فإذا كان اللسان يؤثّر بحيث يحصل المطلوب به لم يجز التعدّي إلى استعمال اليد.
*وكيف يعمل المكلّف أنّ التأثير إنّما يحصل باليد دون اللسان أو بالعكس؟
-هذا يعود إلى تشخيص المكلّف فمع احتماله لتأثير اللسان ليس له التعدّي إلى اليد ومع احتماله لتأثير اليد دون اللسان جاز له استعمال اليد مباشرةً.
*لو وجد شخصان أحدهما يحتمل أنّ اللسان يؤثّر في ترك الإنسان للمعصية والآخر يعتقد أنّ اليد هي التي تؤثّر دون اللسان فما هي وظيفة كلّ منهما؟
-من يحتمل تأثير اللسان يأمر وينهى بلسانه ومن يحتمل تأثير اليد دون اللسان يأمر وينهى بيده لأنّ تكليف كلّ منهما يغاير تكليف الآخر.
*هل يلزم استئذان الفقيه للقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
-من حيث المبدأ لا حاجة إلى الاستئذان من الفقيه لأجل القيام بهذا الواجب نعم لو وصل الأمر باستعمال اليد إلى جرح أو قتل مرتكب المعصية تعين الرجوع والاستئذان من الفقيه الجامع للشرائط.
*هل يفرق في مرتكب المعصية بين كونه أجنبياً أو والداً أو زوجة أو والدة؟..
-لا يفرق في مرتكب المعصية بين كونه أجنبياً أو رحماً فالجميع يجب أمره ونهيه.
*إذا كان الأمر والنهي يؤديان إلى التخفيف والتقليل من المعصية لا إلى إلغائها بالكامل فهل يبقيان واجبين في هذه الحالة؟
-إذا كان كلّ من الأمر والنهي يؤدّي إلى قلع المعصية فالواجب قلعها وإن كان يؤدّي إلى التقليل منها ليس إلاّ فالواجب العمل على تقليلها حينئذٍ.
*إذا أراد مكلف ارتكاب فعل باعتقاد أنّ ذلك جائز له بحسب تقليده إلاّ أنّ هذا الفعل ليس جائزاً باعتقاد شخص آخر لأنّه مقلد من يقول بالحرمة فهل يجب على هذا الشخص منع معتقد الجواز عن ارتكاب فعله؟
-عندما يستند المكلّف في فعله إلى حجّه فإنّه لا يكون عاصياً حتّى يجب أمره ونهيه.
*ذكرتم أنّ للأمر والنهي عدّة طرائق فهل بالإمكان بيانها ولو إجمالاً؟
-هناك عدّة أساليب للأمر والنهي بعضها مترتب على البعض الآخر وهي على النحو التالي:
المرتبة الأولى – وهي أن يقوم الآمر والناهي بعمل يظهر منه الانزجار القلبي عن المنكر كالإعراض بالوجه أو بالبدن وما شاكل ذلك.
المرتبة الثانية – وهي القيام بالأمر والنهي بواسطة اللسان كالوعظ والإرشاد والوعيد والتهديد.
المرتبة الثالثة – وهي أن يقوم الآمر والناهي باستعمال يده لمنع حصول المعصية.
*هل هناك تداخل بين هذه المراتب؟
- لو كان بعض مراتب القول أقل إيذاءً وإهانة من بعض الذي في المرتبة الأولى وجب الاقتصار عليه ويكون مقدماً على ذلك فلو فرض أنّ الوعظ بقول ليّن ووجه منبسط مؤثر أو محتمل التأثير وكان أقلّ إيذاءً من الهجر والإعراض لم يجز التعدّي.