مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

30 عاماً وسلاحي عدستي

علي شعيب
 

هي مهنة المتاعب حقّاً، ولكن ماذا لو كانت تلك المتاعب قابعةً هناك عند الشريط الحدوديّ، بجانب عدوّ متغطرس يمعن إرهاباً في الجوّ والبرّ والبحر؟ ماذا كان سيصلنا عن تلك الانتهاكات لولا أقدام راسخة وكاميرا مزروعة في تراب الجنوب منذ سنين طويلة؟

هو أحد الأشخاص الذين نذروا أنفسهم في سبيل نقل الصوت والصورة الصادقَين، الإعلاميّ علي شعيب، الذي سيسرد لنا في هذا المقال تجربته في القبض على الصورة واللّحظة مواكباً العمل المقاوم، وما تخلّلها من ذكريات ومواقف ومشاعر وعناد وتحدّيات...

•من هنا البداية
كنتُ مولعاً بعالم التصوير، ولطالما تمنّيت أن أمتلك كاميرا بعدما أجريت دورة تصوير عام 1987م مع الإعلام الحربيّ. وفي العام 1992م، أُسّس "المكتب الصحفيّ" التابع للوحدة الإعلاميّة في حزب الله في الجنوب، فكان خيار الانضمام إلى المكتب نابعاً من قناعة راسخة لسببين:

أوّلاً: لاستكمال خدمة مسيرة المقاومة عن طريق الإعلام، فقد أصابني عائقٌ صحيٌّ منعني حينها من متابعة العمل الجهاديّ.

ثانياً: قناعتي المبكّرة بأهميّة الدور الإعلاميّ لمواكبة أيّ حركة أو أنشطة تدور في فلك العمل المقاوم.

ومنذ ذلك الوقت، بدأت مسيرتي المهنيّة كمصوّر حتّى عام 1997م، إذ انتقلت للعمل ضمن فريق قناة المنار. وبعد اكتساب خبرة كبيرة والخضوع لدورات تدريبيّة في المراسلة والتحرير والمونتاج، أصبحت مراسلاً ومصوّراً، وكذلك مراسلاً لإذاعة النور. كنت أغطّي طيلة هذه السنوات تداعيات عمليّات المقاومة والاعتداءات الإسرائيليّة على القرى الجنوبيّة، ومن بينها تغطية حربَي تموّز 1993م، ونيسان 1997م، مضافاً إلى تغطية كلّ ما يتعلّق ببلدات خطوط المواجهة مع الشريط المحتلّ، والمواضيع كافّة المتعلّقة بمعاناة الجنوبيّين الناتجة عن الإهمال الرسميّ. عام 2000م، كان المحطة الأبرز في رحلتي الصحفيّة من خلال تغطية التحرير منذ اللحظات الأولى. كانت الكاميرا التي أحملها من أولى الكاميرات التي واكبت اقتلاع البوّابات، وصولاً حتّى الخامس والعشرين من أيّار، وبعدها كانت المواكبة اليوميّة لعمليّة ترسيم الخطّ الأزرق مرافقاً فريق الجيش اللبنانيّ.

•الجندي المهزوم
بعد المشهديّة المذلّة التي كانت تنقلها لنا عدسات الإعلام الحربيّ في عملية اقتحام المواقع الإسرائيليّة في جنوب لبنان، وبعد الهروب المشين للجيش الصهيونيّ أمام جحافل المحرّرين في العام 2000م، تكوّنت في وعينا صورة الجنديّ المهزوم، وانكسرت الصورة النمطيّة التي زُرعت منذ طفولتنا عن الجيش الذي لا يُقهر، ما مثّل جرعةً معنويّةً كبيرةً لتحقيق مكاسب في إطار الحرب النفسيّة القائمة بشكل يوميّ، بالاعتماد على الخبرة في التعاطي مع الجنديّ الصهيونيّ، وعدم التَهيُّب من هيئته العسكريّة وعتاده؛ لأنّها تخفي خلفها شخصاً هشّاً، كشفت هزيمة التحرير حقيقة جُبنه، فضلاً عن معادلة مظلّة الحماية التي توفّرها المقاومة لنا جميعاً، والتي أوصلت هذا الجنديّ إلى أن يقول لي، وأنا أقف قربه عند الشريط الشائك، أثناء تغطيتي لحدث: "آااااخ لو مسموح نقتلك"! هذا الأمر بمجمله خلق لدينا عناداً وتصميماً على التمسّك بحقوقنا، ورفض التنازل عن شبر واحد من أرضنا، أو نقطة من مياهنا، خصوصاً أنّ هذه الحقوق رويت بدماء التضحيات. لذا نحن لا نبخل في بذل أيّ جهد مبنيّ على سنوات الخبرة في مواجهة العدوّ إعلاميّاً مقابل ما يمارس من عمليّات تضليل وتشويه في الكثير من المواقع والمجالات. وعندما نمارس عناداً في عملنا، فإنّنا نمارسه انطلاقاً من قاعدة "صاحب الحقّ سلطان".

•مهنة محفوفة بالمخاطر
لا شكّ في أنّ تجربة تغطية عدوان تمّوز عام 2006م، كانت من أصعب التجارب التي خضتها في مسيرتي المهنيّة، مع العلم أنّ تغطية عدوان تمّوز 1993م كانت صعبةً أيضاً بحسب ظروف ذلك الوقت، وقد يكون سبب ذلك وجودي وحيداً في المنطقة الحدوديّة المعزولة عن المناطق الأخرى لمدّة 33 يوماً، وصعوبة التحرّك في السيّارات، والخطر الذي يمكن أن يشكّله وجودي بالقرب من المقاومين بسبب حركتي الدائمة واستخدامي الهاتف، الأمر الذي جعلني أواجه كلّ الظروف الحياتيّة القاسية في المأكل والمنامة، وطريقة التحرّك، والبحث عن الوقود والكهرباء وغيرها، هذا عدا عن الغارات الجويّة والقصف المدفعيّ المكثّف، ذلك كلّه لم يمنعني من القيام بمهمّتي بنقل الحدث والصورة بالقدر المطلوب والإمكانات المتوفرة. واللافت في الأمرِ اعتماد الكثير من الوسائل الإعلاميّة الأخرى على المعلومة والمشهد اللذين كنت أنقلهما؛ لأنّني كنت مصدراً موثوقاً لديها، وهذا ما عزّز لديّ النظريّة التي كنت مقتنعاً بها: أنّ البندقيّة التي توجع العدوّ، يمكن أن تكون عدسةً موجّهة أو كلمةً صادقة.

كثيرة هي رسائل التهديد التي يرسلها العدوّ الصهيونيّ إلينا. وهذا أمر طبيعيّ في سياق المواجهة القائمة، ونتيجة التأثير النفسيّ الذي تتركه الصورة الصادقة وصدى الإعلام المقاوم في الرأي العامّ الصهيونيّ. وقد تعرّضتُ لإصابة في ساقي أثناء تغطية معركة الشجرة في "العديسة" بين الجيش اللبنانيّ وجيش العدوّ الصهيونيّ عام 2010م، جرّاء استهداف المنطقة بقذائف الدبّابات، والتي استشهد خلالها الزميل الصحفيّ عسّاف أبو رحّال وجنديّان من الجيش اللبنانيّ، في حين قُتل ضابط وجنديّ صهيونيّان؛ ولأنّ الصورة الصادقة أكبر دليل، لم نطفئ الكاميرا، بل وثّقنا الاعتداء رغم الإصابة التي قرأها الإسرائيليّ جيّداً في دقّة وصدق إعلامنا؛ لذلك كان يعمل العدوّ على إخماد صوت المقاومة من خلال قصف أعمدة الإرسال مرّات عدّة في الكثير من الأماكن، لكنّه فشل، إذ كنّا نزداد عزماً وتصميماً على مواصلة نقل الحقائق على الرغم من التهديدات كلّها.

•لحظات لا تُنسى
لا تزال أولى لحظات التحرير محفورةً في الذاكرة بتفاصيلها كلّها، ولا يمكن أن تُمحى مع مرور الزمن، وكذلك الكثير من محطّات عدوان تمّوز 2006م، مضافاً إلى لحظات فقدان رفاق الدرب أثناء العمل، خصوصاً في المواجهات مع التكفيريّين في حلب والقلمون وحمص وتدمر والبادية السوريّة.

•أمراء سلاحٍ وعدسة
أكثر من ثلاثين عاماً قضيتها في العمل الصحفيّ الملاصق للعمل الجهاديّ، تكوّنت خلالها صداقات وأخوّة مع عدد كبير من المجاهدين، الذين كتبهم الله من الشهداء. لكن وصف شعور فقدهم يفوق التعبير، إذ يكفي أن تكون شهادتهم عِبرةً ومدرسةً في الإقدام والبذل والعطاء، فنحاول أن نحفظ ما أورثوه لنا من عزّة وكرامة. إنّ الحديث عن الشهداء لا يمكن اختزاله بكلمات أو مفردات نرتّبها في سطور؛ يكفي أنّنا نهتزّ أمام ذكراهم، أو صورهم، أو الذكريات المشتركة، حتّى نكمل مسيرتهم بإخلاص. ومن هؤلاء الشهداء مَن عرف أهميّة العمل الإعلاميّ في المعركة، فكان يبادر إلى الاتّصال بي عند الحصول على أيّ معلومة أو تحقيق إنجاز في المواجهة، خصوصاً خلال عدوان تمّوز 2006م، حتّى كلّف أحد المجاهدين مجاهداً آخر بإكمال ما كان يفعله في حال استشهاده. وهذا ما حصل أيضاً مع المجاهد الثاني الذي كلّف بدوره مجاهداً ثالثاً لإيصال المعلومة، قبل أن يستشهد الثلاثة! وما ذلك إلّا لإدراكهم أهمّيّة الإعلام ودوره في ساحات المقاومة.

•مواكبة الإعلام الجديد
مع تطوّر وسائل التواصل الاجتماعيّ وانتشارها، بات مهمّاً الاستفادة من هذه التقنيّة في نشر بعض الأخبار، أو دحض بعض الأكاذيب، لذلك أستغلّ وجودي في منطقة قلب الحدثّ لمدّ المواطنين بكلّ ما يحصل هناك. وهو أمر يبعث على اهتمامهم ومواكبتهم، وخصوصاً بالنسبة إلى جمهور المقاومة، ذلك أنّها صُبغت بالصدقيّة الكاملة في نقل حقيقة الخبر. وهذا التفاعل الكبير شكّل مسؤوليّةً كبيرةً بالنسبة إليّ في أن أكون دائماً في موقع الحرص على دقّة المعلومة الموثّقة بالصورة المباشرة. ومن مؤشّرات نجاح هذه المهمّة في إيلام العدوّ، هو تعرّضي للتبليغات المكثّفة لإقفال حساباتي على منصّات فايسبوك وتويتر، وحتى الواتساب أكثر من خمس مرّات.

•توصية للإعلام والإعلاميّين
العمل الإعلاميّ سلاح يوازي البندقيّة في مواجهة عدوّ الله والوطن، وهو رسالة إنسانيّة وأخلاقيّة يجب إيصالها بصدق إلى المتلقّي المحتاج إلى المعلومة، والتي يبني عليها خطواته أو توجّهاته.

من هنا، إنّني أدعو وسائل الإعلام إلى عدم التسابق على السبق الصحفيّ؛ لأنّ المعلومة الخاطئة قد ترتدّ سلباً بشكلٍ كبير على جمهورنا وبلدنا؛ لأنّ الإعلام سلاح ذو حدّين، لذا يجب تحييد التنافس لصالح المعلومة الصادقة، وعلى غير ذلك فليتنافس المتنافسون.

أمّا بالنسبة إلى المقبلين على مهنة الإعلام، وهم كثر في أيّامنا هذه، فأقول لهم: لا تضعوا في أولويّاتكم طموح الشهرة وتقديم الصورة الشخصيّة والاسم على أصل العمل وتميّزه، واتركوا لنجاح عملكم وأسلوبكم وصدقيّتكم أن يحقّق لكم ثقة الجمهور، فهذا هو الهدف الأسمى من الرسالة الإعلاميّة.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع