الشيخ بسّام محمّد حسين
لطالما كان الإعلام حاجة ضروريّة رافقت كلّ دعوة، دينيّةً كانت أم اجتماعيّة، ولم تستغنِ عنه أمّة أو حكومة أو حزب على مرّ التاريخ، بغضّ النظر عن صوابيّة أهدافه أو بطلوإدراكاً لأهميّة الإعلام ودوره، باتت وسائله تُعرف اليوم بـ"السلطة الرابعة"، نظراً إلى تأثيره الإيجابيّ أو السلبيّ الكبير على مستوى الوعي العام، وتوجيه الرأي، وإيصال الصوت.
ويشير القرآن الكريم إلى خطورة هذا الدور من خلال قوله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ (الصف: 8)؛ فالتعبير ﴿بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ يدلّ على خطورة الكلمة، إذ قد لا يتمكّن العدوّ من قتل أمّة بكاملها، ولكنّه يستطيع تضليلها بالكلمة، التي هي سلاح ناعم وخطير!
وإنّ مواجهة الإعلام الباطل وأساليبه، لا تكون من خلال أساليب باطلة ومضلّلة أيضاً، بل ثمّة مسؤوليّة تقع علينا كمجتمع إسلاميّ وأخلاقيّ؛ أن نقدّم نموذجاً راقياً عن الإعلام وأساليبه الصحيحة.
ولو عدنا إلى سيرة نبيّ الإسلام العظيم صلى الله عليه وآله وسلم، لوجدناه يستخدم أعلى وأرقى أنواع الإعلام في الدعوة إلى دينه، ويروّج له من خلال أخلاقه العظيمة وأسلوبه الربّانيّ: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (النحل: 125).
في المقابل، استخدم أعداؤه جميع الأساليب المذمومة والباطلة؛ فاتّهموه بالسحر، والجنون، والكذب، وطلب السلطة، وغير ذلك.
استمرّ هذان النموذجان بعد رحيل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فكان أحدهما يمثّل السلطة الحاكمة التي قامت بوضع الحديث والكذب ونشر الأباطيل من خلال الرواة والقصّاصين، ترافقهم جوقة من شعراء البلاط وفقهاء السلاطين للترويج والدعاية، أمّا الآخر، فكان يمثّل خطّ المواجهة ومشروع الإصلاح في أمّة الإسلام، الذي تجسّد بعمل أهل البيت عليهم السلام من خلال تأسيس مرجعيّة علميّة دينيّة، لا يمكن تخطّيها من قِبل أعظم علماء الأمّة، وتحظى باحترام وصدقيّة كبيرَين، ولها امتداد علميّ من خلال تربية الرواة والفقهاء، وانتشار واسع في أطراف البلاد الإسلاميّة، إذ يقف هذا المشروع حصناً منيعاً أمام العابثين بهذا الدين وأساليبهم المضلّلة، ويقوم بصنع رأي عام معارض، له تأييد شعبيّ وجماهيريّ واسع من شرائح المجتمع المختلفة، يعبّرون عنه بمختلف الأساليب الممكنة.
واليوم، لا تزال أمّتنا تعيش هذين النموذجين؛ فإعلام العدوّ يقوم بكلّ ما لديه من قوّة ودعاية بالهجوم على ساحة أمّتنا لينال من معتقداتها وأخلاقها. وفي المقابل، تزداد مسؤوليّتنا في المواجهة الإعلاميّة، إذ تستدعي منّا المزيد من التصدّي، على أساس القيم والأخلاق التي أرساها فينا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام، وتقديم النموذج الإسلاميّ للإعلام الصادق النزيه المقاوم، والابتعاد عن الإعلام الهجين الذي يحاول تقليد الغرب في كلّ ما لديه، ومن ثمّ يعطيه عنوان الإسلام كثوب خارجيّ فارغ المحتوى. فمسؤوليّة الإعلام ونقل الصوت والصورة لا تقلّ أهميّة عن الحضور في سائر الجبهات الأخرى، جنباً إلى جنب مع المجاهدين والعلماء والمبلّغين وحسن أولئك رفيقاً.