الشيخ بسّام محمّد حسين
القوّة من الصفات الممدوحة تارةً والمذمومة أخرى؛ وإنّما تكون ممدوحة إذا كانت في حدّ الاعتدال، حيث لا إفراط ولا تفريط، وتسمّى عندها: شجاعة، فإن ضعفت في مواطن الحاجة إليها، كانت جُبناً، كما في حالة مواجهة العدوّ والدفاع عن النفس والمال والعرض، وإن تمادت في غير موضعها، كانت عدواناً وتهوّراً، كما في الاعتداء على الناس وأذيّتهم وقتلهم من غير حقّ.
واعتدال القوّة لتكون شجاعة، يحتاج إلى الحكمة؛ بأن يضع الإنسان الأمور في مواضعها، حيث يفكّر في عواقبها ونتائجها قبل الإقدام أو الإحجام.
كما أنّ كثيراً من الصفات الأخرى يتأثّر بهذه الصفة، فالصبر في بعض المواطن يحتاج إلى قوّة وشجاعة، والعفو في مواطن أخرى يحتاج إليهما، وهكذا الاعتذار، والإحسان، والإنفاق، وكثير من الأخلاق الفاضلة تحتاج إليهما. ومن هنا، كان لدينا في المؤمنين مَن هو قويّ في إيمانه، وضعيف في إيمانه، ولا شكّ في أنّ المؤمن القويّ خير وأفضل من المؤمن الضعيف.
وعلى هذا الأساس، سيتغيّر مفهوم القوّة لدينا؛ فمن يستخدم عضلاته وقوّته البدنيّة في كلّ شاردة وواردة، هو أسير غضبه وضعيف في نفسه، وإن سمّاه الناس قويّاً، والقويّ حقّاً مَن ملك نفسه عند ثوران غضبه. روي أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم خرج يوماً وقوم يدحون حجراً، فقال: "أشدّكم مَن ملك نفسه عند الغضب"(1).
فالقوّة الحقيقيّة هي في القدرة على السيطرة على الغرائز وضغط الشهوات والميول، بالتدبّر في نتائجها، والتفكّر في عواقبها الدنيويّة والأخرويّة، فعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "مَن ملك نفسه إذا رغب، وإذا رهب، وإذا اشتهى، وإذا غضب، وإذا رضي، حرّم اللّه جسده على النار"(2).
ولذا، لمّا سُئل أمير المؤمنين عليه السلام عن أقوى الخلق قال: "الحليم"(3). وتظهر قوّة هذه الخصلة في موقف الناس من طرفَين متنازعَين؛ أحدهما يسترسل وراء غضبه، والآخر يحلم ويملك نفسه عنده، فإنّ الناس سيكونون أنصاراً للحليم، فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "إنّ أوّل عوض الحليم من خصلته أنّ الناس أعوانه على الجاهل"(4).
من هنا، كان لحسن الخلق عموماً قوّته وجاذبيّته في علاقات الناس بعضهم مع بعض، فعن الإمام الصادق عليه السلام لمّا سُئل: ما حدّ حُسن الخلق؟ أنّه قال عليه السلام: "تليّن جانبك، وتطيّب كلامك، وتلقى أخاك ببشر حسن"(5). فمن كان كذلك، طاب مجلسه ومعشره وأحبَّ الناس مخالطته، ومَن كان من التجّار بائعاً، يجذب بحسن خلقه زبائنه، حتّى على حساب شيء آخر أحياناً، ومن كان كذلك من الرجال أو النساء، يجذب الآخر لناحية الارتباط الزوجيّ، وهكذا في غيرها من المجالات.
بل قد يتطلّب الأمر أحياناً الشجاعة والقوّة في اتّخاذ موقف معاكس لما تميل النفس إليه، كالإحسان إلى مَن أساء إلينا، وهذا يحتاج إلى قدرة عالية ونفس قويّة، لا تقوى عليها كلّ نفس، قال تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ*وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ (فصلت: 34 - 35).
فعلينا أن نكون أقوياء لكن حكماء، حتّى لا تكون قوّتنا سبب هلاكنا في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ (الفتح: 29).
1-تحف العقول، الحرّاني، ص45.
2-الأمالي، الصدوق، ص408.
3ميزان الحكمة، الريشهري، ج1، ص687.
4-(م.ن)، ص688.
5-معاني الأخبار، الصدوق، ص253.