"مرّ رسول الله صلى الله عليه وآله بشباب يتبارون في رفع الأثقال، فقال: ما هذا؟
قالوا: ننظر أينا أقوى.
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ليس أقواكم من يرفع هذه، بل أقواكم أشدكم أيماناً".
إن هذه القصة النبوية تحتوي على عبرة ودرس بليغين حيث أشار النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى القوة الحقيقية التي تتوق إليها فطرة البشر، ويسعى من أجل الوصول إليها كل إنسان، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
فالله سبحانه وتعالى قد فطر الإنسان وجبل أصل خلقته على حب القدرة والسيطرة. وهو يسعى دوماً للوصول إليها. ولكن، ونتيجةً للتربية المنحرفة والخاطئة، يظن أن القوة موجودة في العضلات والجسد والسلاح والمال. أما القوة الحقيقية فهي قوة الله: لا حول ولا قوة إلا بالله. فهو القادر القدير على كل شيء، له القدرة المطلقة التي لا حد لها. والإنسان يعشق بمقتضى فطرته هذه القوة اللامتناهية. ولذلك فإنه كلما أدرك شيئاً منها توجه إلى ما هو أعلى منها.. يقول الإمام الخميني قدس سره في رسالته لغورباتشوف زعيم الاتحاد السوفياتي السابق "فلو قيل للذي ملكَ الأرض إن هناك كواكب أخرى يمكنه السيطرة عليها لتوجه إليها وسعى نحوها...".
كل ذلك لوجود هذا الشوق العميق في نفس كل إنسان يشده نحو القدرة المطلقة. فمن يعشق غيرها لن يصل إلى القوة الحقيقية لأنه انحرف عنها واتجه نحو السراب. وهذا هو معنى قول النبي صلى الله عليه وآله: "ليس أقواكم من يرفع هذه...".
أما الذي يعرف الحق ويدرك حقيقة القوة فإنه يتجه نحوها معترفاً بعجزه وفقره وضعفه. فيفيض الله عليه بالقوة الربانية، كما قال سبحانه وتعالى:﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى﴾.
فإن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ونتيجة لعبوديته الحقة وصل إلى حيث أصبحت رمايته رماية الله، وفعله فعل الله.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام:"والله ما قلعت باب خيبر ورميت به خلف ظهري أربعين ذراعاً بقوة عضلية ولا بحركة جسدية ولكن بنفس بنور ربها مضيئة".
فالإيمان بالله وشدة اليقين بحضوره وقوته، كل هذا يجعل الإنسان في محض الله، فيكلله الله بعز قدرته، ويصبح مؤمناً قوياً بإيمانه.
* المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف
أولئك الذين يقيّمون الناس في القوة على أساس الجسمانية والعضلية والمهارات الرياضية كم هم بعيدون عن متن الواقع، ولن يصيبوه. وعاجلاً أم آجلاً سيدركون أنهم اعتمدوا على غير الله، ووقعوا في خطأ كبير وشبهة عظيمة.
عندما ننظر إلى حياة النبي موسى عليه السلام نظن أنه كان رجلاً عظيم الجثة ضخم البنية من شدة قوته وبأسه وعلو همته، ولكننا نُفَاجأ كثيراً إذا قرأنا أن موسى عليه السلام كانت الخضرة ترى من معدته من رقة جلده وضعف بدنه.
ومن هنا نفهم لماذا كان النبي صلى الله عليه وآله يهتم بإعداد النفوس وتقوية الإيمان أكثر من أي شيء آخر فحصل في النتيجة على أقوى الجيوش وأشدها، قدرة على الوقوف بوجه أعتى القوى وهزيمتها. ففي الوقت الذي كان جيش الفرس أو الروم مدرباً تدريباً رفيعاً ومجهزاً بأفضل ما يمكن أن تجهز الجيوش في ذلك العصر استطاع المؤمنون بصبرهم النابع من الإيمان العميق أن يهزموهم. وكان المسلمون حسبما تروي كتب التاريخ يسيرون مسافات طويلة في الصحاري والبيادي ولا يأكل الواحد منهم أكثر من حبة تمر واحدة في اليوم الواحد.
فلو كانت القوة بالعضلات والجسد لما استطاعوا أن يقفوا وينتصروا.