مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

أخلاق‏: مخاطر الغضب من الأربعون حديثاً

الإمام الخميني قدس سره

* فوائد القوة الغضبية
اعلم أن غريزة الغضب من النعم الإلهية التي يمكن بها عمارة الدنيا والآخرة، وبها يتم الحفاظ على بقاء الفرد والجنس البشري والنظام العائلي، ولها تأثير كبير في إيجاد المدينة الفاضلة ونظام المجتمع. فلولا وجود هذه الغريزة الشريفة في الحيوان لما قام بالدفاع عن نفسه ضد هجمات الطبيعة، ولآل أمره إلى الفناء والإضمحلال. ولولا وجودها في الإنسان، لما استطاع، أن يصل إلى كثير من مراتب تطوره وكمالاته زائداً على تحقق ما تقدم. بل إن التفريط والنقص من حال الاعتدال يعد من مثالب الأخلاق المذمومة ومن نقائص الملكات التي يترتب عليها الكثير من المفاسد والمعايب، كالخوف، والضعف، والتراخي، والتكاسل، والطمع، وقلة الصبر، وعدم الثبات في المواقف التي تتطلب الثبات، والخمود، والخنوع، وتحمل الظلم، وقبول الرذائل، والاستسلام لما يصيبه أو يصيب عائلته، وانعدام الغيرة، وخور العزيمة...

إن الله سبحانه يصف المؤمنين بقوله: ﴿أشدّاءُ على الكُفّارِ رُحماءُ بَيْنَهُمْ.
إن القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتنفيذ الحدود والتعزيرات وسائر التعاليم السياسية الدينية والعقلية، لا يكون إلاّ في ظل القوة الغضبية الشريفة. وعلى ذلك، فإن الذين يظنون أن قتل غريزة الغضب بالكامل وإخماد أنفاسها يعد من الكمالات والمعارج النفسية إنّما يرتكبون خطيئة عظيمة، ويغفلون عن حدّ الكمال ومقام الاعتدال. هؤلاء المساكين لا يعلمون أن الله تبارك وتعالى لم يخلق هذه الغريزة الشريفة في جميع أصناف الحيوانات عبثاً، وأنه جعل هذه الغريزة في بني آدم رأسمال الحياة الُملكية والملكوتية، ومفتاح الخيرات والبركات. إن الجهاد ضد أعداء الدين، وحفظ النظام العائلي للإنسان، والدفاع عن النفس والمال والعِرْض وعن سائر القوانين الإلهية، والجهاد مع النفس وهي ألدّ أعداء الإنسان، لا يكون كل ذلك إلاّ بهذه الغريزة الشريفة. إن منع الاعتداءات والذب عن الحدود والثغور، ودفع المؤذيات والمضرات عن الفرد والمجتمع، يجري تحت لواء هذه الغريزة. لذلك سعى الحكماء إلى معالجة خمود هذه الغريزة وركودها. وهناك معالجات علمية وعملية لإيقاظها وتحريكها: مثل الإقدام على الأمور العظيمة المخيفة، والذهاب إلى ميادين الحرب، والجهاد ضد أعداء الله. فقد نُقل عن بعض المتفلسفين أنه كان يرتاد الأماكن المخوفة ويلبث فيها قليلاً ويلقي بنفسه في المخاطر العظيمة، ويركب البحر في أوج تلاطم أمواجه، وذلك لكي يخلص نفسه من الشعور بالخوف ويتحرر من الضعف والكسل.

وعلى أي حال، فإن غريزة الغضب موجودة لدى كل إنسان ومودعة في باطنة، ولكنها في بعضهم خامدة منكمشة، كالنار تحت الرماد. فالواجب على من يلحظ في نفسه حال الخمول والضعف وانعدام الغيرة أن يعالج الحالة بضدها، ويخرج نفسه مما هي فيه إلى حال من الاعتدال.

* ذم الإفراط في الغضب‏
إذا كانت حال التفريط ونقص الاعتدال من الصفات المذمومة التي تؤدي إلى كثير من المفاسد التي ذكرنا بعضها، كذلك هي حال الإفراط وتجاوز حد الاعتدال، فهي أيضاً تعدّ من الصفات المذمومة التي تقود إلى مفاسد كثيرة. ويكفي لتبيان مفاسد هذه الحال ذكر هذا الحديث الشريف الوارد في الكافي.
عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الغَضَبُ يُفْسِدُ الإيمانَ كما يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ".
فقد يصل الغضب بالإنسان إلى حد الارتداد عن دين الله، وإطفاء نور الإيمان، بحيث أن ظلام الغضب وناره تحرق العقائد الحقّة. بل قد يصل الأمر إلى الكفر الجحودي الذي نتيجته الهلاك الأبدي، ثم ينتبه على نفسه بعد فوات الأوان وحين لا ينفع الندم. ويمكن أن تكون نار الغضب، جمرة الشيطان، التي وردت في كلام الإمام الباقر عليه السلام "إنَّ هذا الغَضَبَ جَمْرَةٌ مِنَ الشَّيطانِ تُوقَدُ في قَلْبِ ابْنِ آدَمَ" صورتها في ذلك العالم، صورة نار الغضب الإلهي.

كما ورد عنه عليه السلام في حديث شريف رواه صاحب "الكافي": "مَكْتُوبٌ في التَّوْراةِ فيما ناجى الله عزّ وجلّ بهَ مُوسى: يا مُوسى أَمْسِكْ غَضَبَكَ عَمَّنْ مَلَّكْتُكَ عَلَيْهِ أكُفَّ عَنْكَ غَضَبِي".
ولا شك في أنه ليست هناك نار أشد من نار غضب الله عذاباً. وقد جاء في كتب الحديث، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قَالَ الحَواريّون لِعيسى عليه السلام: أيَّ الأشْياءِ أَشَدّ؟ قالَ أَشَدُّ الأشْياءِ غَضَبُ الله عَزَّ وَجَلَّ، قالُوا بِمَ نَتْقي غَضَبُ اللهِ؟ قالَ بأن لا تَغْضبُوا.
وهكذا يتضح أن غضب الله من أصعب الأمور وأشدها، وأن نار غضبه أشد إحراقاً، وصورة الغضب للإنسان في هذه الدنيا هي صورة نار غضب الله في العالم الآخر. وكما أن الغضب يظهر من القلب، فلعل نار الغضب الإلهي الذي يكون مبدأه الغضب وسائر الرذائل القلبية الأخرى، تنبعث من باطن القلب، وتسري إلى الظاهر، وتخرج ألسنة نيرانها المؤلمة من الأعضاء الظاهرية مثل العين والأذن واللسان وغيرها بل إن هذه الأعضاء تكون أبواب تنفتح على جهنم، فتحيط نار جهنم بالأعمال والآثار الجسمية التي في ظاهر جسد الإنسان، لتتجه إلى باطنه، فيقع الإنسان في العذاب والشدّة بين جهنمين: أحدهما يبرز من باطن القلب ويدخل ألسنة لهيبها بواسطة أم الدماغ إلى عالم الجسم. وثانيهما صورة قبائح الأعمال وتجسم الأفعال، حيث تتصاعد نيرانها من الظاهر إلى الباطن، والله سبحانه وتعالى يعلم مدى هذا الضغط وهذا العذاب، إنه غير الاحتراق وغير الانصهار. أتظن أن إحاطة جهنم تشبه هذه الإحاطات التي تتصورها؟ إن الإحاطة هنا إنما تكون بظاهر السطح فقط. أما الإحاطة هناك فتكون بالظاهر وبالباطن، بالسطوح وبالأعماق. وإذا أصبحت صورة الغضب عند الإنسان صفة راسخة لا سمح الله - وصورة الغضب آخر مراحل الرسوخ - كانت المصيبة أعظم، وأصبح للإنسان في البرزخ ويوم القيامة صورة السباع، السباع التي لا شبيه لها في هذه الدنيا. وذلك لأن سَبُعية الإنسان، وهو في حالة الغضب، لا يمكن مقارنتها بسبعية أي حيوان آخر من الحيوانات. وكما أن الإنسان في حالة كماله أعجوبة الدهر ولن تجد له نظيراً، كذلك في حال نقصه واتصافه بالرذائل وبالصفات الخسيسة لن تجد بين الكائنات من يقف معه في ميزان المقارنة، لقد وصفهم الله بقوله: ﴿إنْ هُمْ إلاّ كالأنعام بَل هُمْ أضلُّ، ووصف قلوبهم فقال: ﴿فَهِيَ كالحِجارةِ أوْ أشدُّ قَسوةً.

هذا الذي مرّ بك كان جانباً من مفاسد نار الغضب الحارقة، إذا لم يستتبع الغضب معاص أخرى، بل بقي ناراً داخلية مظلمة تتعقّد في الباطن وتنحبس وتختنق فتطفئ‏ نور الإيمان، كالنار المشتعلة التي يخالطها الدخان الأسود الذي يغشى النور فيطفئه. ولكن ذلك أمر بعيد، بل قد يكون من الأمور المستحيلة أن يكون الإنسان في حال غضب شديد مستعرة ناره، ثم يمتنع عن ارتكاب معاص وموبقات مهلكة أخرى. فكثيراً ما يؤدي الغضب المستعر، وهذه الجمرة الشيطانية الملعونة، في مدة دقيقة واحدة إلى إلقاء الإنسان في هاوية الهلاك والعدم، كأن يسبّ الأنبياء والمقدسات - والعياذ بالله - أو يقتل نفساً بريئة مظلومة، أو يهتك الحرمات، فيخسر الدنيا والآخرة، كما جاء في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث له: كان أبي يقول: "أَيُّ شَيْ‏ءٍ أشِدُّ مِنَ الغَضَبِ؟ إنَّ الرَّجُلَ لَيَغْضَبَ فَيَقْتُلَ النَّفْسَ الَّتي حَرَّمَ اللُه وَيَقْذِفُ الُمحْصَنَةَ".

لقد وقعت أفظع الفتن وارتكبت أفجع الأعمال بسبب الغضب واشتعال ناره الحارقة. وعلى الإنسان، وهو سليم النفس، أن يكون على حذر كثير من حال غضبه. وإذا كان يعرف من نفسه حدوث حالات الغضب، عليه، في أثناء هدوئه النفسي، أن يعالجها وأن يفكر في مبادئها وفي مفاسدها عند اشتدادها وآثارها ونتائجها في النهاية، لعله يصل إلى معرفة طريق لإنقاذ نفسه. فليفكر في أن هذه الغريزة التي وهبها الله تعالى إياه لحفظ نظام الظاهر والباطن وعالم الغيب والشهادة، إذا استخدمها لغير تلك الأهداف وبخلاف ما يريد الله سبحانه وضد المقاصد الإلهية، فما مدى خيانته؟ وما هي العقوبات التي يستحقها؟ وكم هو مظلوم جهول؟ لأنه لم يَصُنْ أمانة الحق تعالى، بل استعملها في العداوات والمخاصمات. إن إمرى‏ءً هذا شأنه لا يمكن أن يأمن الغضب الإلهي.
ثم إن عليه أن يفكر في المفاسد العملية والأخلاقية التي تتولد من الغضب ومن سوء الخلق. إذ كل مفسدة من هذه المفاسد يمكن أن تكون سبباً في ابتلاء الإنسان بصورة دائمة ببلايا شديدة في الدنيا، وبالعذاب والعقاب في الآخرة.

أما المفاسد الأخلاقية التي تتولد من هذا الخلق فهي الحقد على عباد الله، وقد ينتهي به الأمر إلى الحقد على الأنبياء والأولياء، بل وحتى على ذات الله المقدسة الواجبة الوجود ووليّ النعم، وشدّة هذا القبح وهذه المفسدة واضح للجميع. نعوذ بالله تعالى من شر نفس عنيدة إذا ما انفصم وثاقها للحظة واحدة، جرّت الإنسان إلى تراب الذل وقادته إلى أرض الهلاك الأبدي. وكذلك الحسد وغير ذلك من المفاسد الأخرى التي تتولد من الغضب.

وأما مفاسد الغضب المؤثرة في الأعمال فإنها ليست بمحصورة، فلعله يتفوه بما فيه الارتداد أو سب الأنبياء والأولياء - والعياذ بالله - وهتك الحرمات الإلهية، وخرق النواميس المقدسة، وقتل الأنفس الزكية، والافتراء على العوائل المحترمة بما يوصمها بالعار والذل ويقضي على النظام العائلي بكشف الأسرار وهتك الأستار. وغير ذلك من المفاسد التي لا تحصى والتي يبتلي بها الإنسان لدى فورة الغضب الباعثة على نسف الإيمان وهدم البيوت.

لذلك يمكن أن توصف هذه السجية بأنها أم الأمراض النفسية ومفتاح كل شر. ويقابلها كظم الغيظ وإخماد سعير الغضب فإنه من جوامع الكلم ودائرة تمركز الحسنات ومجمع الكرامات. كما جاء في حديث (الكافي) عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال سمعت أبي يقول: "أتى رَسُولَ الله رَجُل بَدَويٌّ، فَقالَ: إنّي أسْكُنُ البادِيَةَ فَعَلِّمْنِي جَوامِعَ الكَلامِ فَقالَ: آمُرُكَ أنْ لاَ تَغْضَبَ. فَأعادَ عَلَيْهِ الأعْرابيُّ الَمسْأَلَةَ ثَلاثَ مَرّاتٍ حَتّى رَجَعَ الرَّجُلَّ إلى نَفْسِه. فَقالَ: لا أَسْأَلُ عَنْ شَيْ‏ءٍ بَعْدَ هذا. ما أَمَرَنِي رَسُول الله إلاَّ بِالْخَيْرِ. قالَ: وكانَ أبي يَقُولُ: أَيُّ شَيْ‏ءٍ أَشَدُ مِنَ الغَضَبِ؟ أَنَّ الرَّجُلَ لَيَغْضَبُ فَيَقْتُلُ النَّفْسَ الّتي حَرَّمَ اللُه وَيَقْذِفُ الُمحْصَنَة".

بعد أن يدرك الإنسان، في حال تعقله وسكون نفسه وخمود غضبه، المفاسد الناجمة عن الغضب، والمصالح الناجمة عن كظم الغيظ، يلزم أن يحتم على نفسه أن يطفئ‏ هذا اللهيب الحارق وهذه النار المشتعلة في قلبه، مهما لاقى من عنت ونصب في سبيل ذلك، ليغسل قلبه من الظلام والكدر، ويعيد إليه صفاءه ونقاءه. وهذا أمرٌ ممكن تماماً بشي‏ءٍ من مخالفة النفس والعمل ضد هواها، وبقليل من النصح والإرشاد والتدبر في عواقب الأمور. وهذه وسيلة يمكن بها إزالة جميع الأخلاق الفاسدة والعادات القبيحة من ساحة النفس، وإبدالها بجميع الصفات الحسنة والأخلاق المحمودة التي يجب أن يتحلّى بها القلب.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع