مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

البلطجيّة..من يخلّصنا منهم؟!

تحقيق: لطيفة الحسيني


الاستقواء السلبيّ على الناس حيثما حلّ قد يكون الآفة الأخطر في مجتمعاتنا، وهو ظاهرة متفشّية جدّاً. وهنا نسأل: "هل بالعنتريّات تُحصّل الأرزاق وتُكسب؟!".

يُجمع أهلُ العلم والدين على أنّ أصل المشكلة يكمن في أسباب نشأتها: البطالة وغياب الدولة. علّتان وإن كانتا في الظاهر مُقنّعتيْن، لكن: هل تبرّران الخروج على القانون والوعي والإدراك؟ وهل استسلام فئة لكلّ أساليب التسلّط عليها حجّة لنستسلم جميعنا؟!

عصابات وبلطجيّة
(محمّد. ن) مقاولٌ شهير، أراد المباشرة بمشروع عقاريّ، لكنّ بعض القوى أحبطت عزيمته ومنعته من إكمال مشروعه، إلّا إذا دفع لهم مبلغاً ماديّاً، ليستكمل ما بدأه. (منى. ف) رغبت في تغيير اشتراك المولّد الكهربائيّ في منطقتها بسبب سوء خدمته، غير أنّ جهة متنفّذة منعتها. (أحمد. ش) اضطرّ إلى شراء كميّة من المياه غير المالحة لحاجة منزله الماسّة إليها، إلّا أنّ حرباً أهليّة كادت تندلع في موقف السيّارات أسفل مبناه، بعد تفجّر الخلاف بين تاجريْ مياه وتبادل الاتّهامات بسرقة "رزق" الآخر. أمّا (فيصل. أ)، فاستسلم لخدمة الإنترنت الرديئة في منزله، بعد استحالة تغييرها، واحتكار المهمّة من قبل الموزّعين في نطاق منطقته. الخيبة نفسها تنسحب على (لمى. م) التي لا تستطيع التأمين على دارها في قريتها خوفاً من السطو عليه ومصادرة أثاثه، لماذا؟ لأن لا أحد قادر على لجم عصابات التشبيح والبلطجة، ولا سيّما من يُشرّع لنفسه الاستحواذ على ما يحلو له دون وجه حقّ!

حال هؤلاء لم تعد صادمة. الكلّ اعتاد هذه التجاوزات "الفاقعة". الكلّ ينادي بصدّها ومكافحتها بشكلٍ حاسم، لكن لا مُجيب، حتّى بات السؤال الأغرب الذي يُطرح: "إذا كان الجميع ضدّها فمن يقترفها؟ هل هي أشباح أم مخيّلات أم كوابيس؟". 

إرهابٌ مجتمعيّ مستفحل
الشيخ شوقي زعيتر(*)، من أبرز الوجوه الداعية إلى الإصلاح بين الناس، يُشارك مجلّة "بقيّة الله" ما خبره طيلة سنوات "كفاحه" ضدّ منطق الاستقواء وظلم الآخرين. من حديث لرسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه: "المؤمن القويّ خيرٌ وأحبّ إلى اللّه من المؤمن الضعيف"(1)، ينطلق الشيخ ليقول: "عندما تُعرِض القوّة عن خدمة الإنسان، تصبح فساداً وظُلماً للنفس وللآخر، فمن يظلم هو الإنسان الضعيف، كما ورد في دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام: (إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الظُّلْمِ الضَّعِيفُ)، في هذه الحال، تُمسي وُجهة القوّة ضدّ المؤمنين والمستضعفين إرهاباً عليهم، خلافاً لما يجب أن تكون عليه؛ أيّ ضدّ العدوّ لا المساكين.

بحسب تشخيص الشيخ زعيتر، "يشعر بعض الناس بفائض قوّة من خلال عشيرته أو أمواله، فيعمد إلى ممارسة نوعٍ من البلطجة و(الزعرنة) و(السلبطة) على الناس، يُجبرهم عبرها على دفع مبالغ هائلة تحت عناوين كثيرة، كشريك أو حامٍ لهم، مستغلّاً عدم وجود سند لهم أو مدافع عنهم. هذه الفئة لا عمل لها سوى تحصيل النقود دون تعب أو خسارة، ويفرضون (الخوّة) بلا رقيب أو حسيب. هذا كلّه عبء على المواطن الضعيف الذي لا ناصر له ولا مُعين".

غياب الدولة مؤثّر
المسؤوليّة لا يتحمّلها فقط من يُقدم على الاعتداء على الآخرين، فبرأي الشيخ زعيتر: "القوى الأمنيّة ضالعةٌ في تضخيم الظاهرة؛ لأنّها تسمح لهذه الفئة بالقيام بما تقترفه، لا بل تقوّيها أكثر لأنّها تتركها لتفعل ما تشاء دون أيّ تدخّل". أعوامٌ كثيرة والشيخ زعيتر يدخل على خطّ حلّ الخلافات التي تُفجّرها أساليب البلطجة. وفق تجربته، "تلعب البطالة وقلّة الدين والأخلاق، مضافاً إلى غياب التربية السليمة، دوراً في إشاعة هذه الأعمال واستفحالها في المجتمع اللبنانيّ. غير أنّ هناك من استُدرج إلى هذا العالم عن عدم دراية، بعدما شاهد كيف أنّ أحداً لم يضع حدّاً لمن افترى على الآخرين، فاستسهل الموضوع وسلكه".

برأي الشيخ زعيتر، "الناس قسمان؛ هناك من يدفع لمن يتوعّده خوفاً ورُعباً، حتّى لو وقفنا إلى جانبه، تحت عنوان (لا أريد مشاكل)، وهناك من يشتكي للقوى الأمنيّة فلا يجد نتيجة، فيحاول أن يلجأ لأطراف أخرى ليحصل على مساعدة منشودة دون أن يتأذّى".

من وجهة نظر الشيخ، "هذه الظاهرة تزداد ولا تنحسر، ومن أبرز عوامل بقائها عدم حصار تُجّار المخدّرات وعدم البتّ بالعفو العامّ، وفي العاملَيْن، يبدو أنّ المسؤوليّة تقع على عاتق الدولة؛ لأنّها تعاملهم بطريقة (أبو ملحم) ولا تحسِم"!

أصناف الحيل والخداع
النشاط الإصلاحيّ للشيخ زعيتر ومن يتشابه معه من أصحاب المُبادرات "الإطفائيّة" قد تكبّده "وجع راس". هنا يشير إلى صولاتٍ وجولاتٍ في مواجهة تجّار مخدّرات ومُرابين وبلطجيّين، ما تسبّب له بمشاكل كثيرة، لا لشيء سوى أنّه يدعو إلى تغليب لغة العقل والدين على لغة القوّة والتهويل.

وهو يُحذّر من أمر أسوأ وأخطر في هذا "العالم"، مع "توجّه عدد كبير من هؤلاء البلطجيّين إلى التعامل بموضوع الربا عبر التحايل على القانون استباقاً لأيّة شكوى قد يتقدّم بها أحد ضدّهم؛ لأنّ أولئك المستضعفين وقّعوا على أوراق قانونيّة تطالهم بكلّ بساطة! هؤلاء يستفحلون في (خنق) الناس ويحرمونهم من طريق خلاصٍ، فيُجيّرون حتّى القانون لصالحهم".

يُسهب الشيخ زعيتر في تطرّقه إلى أفعال المُرابين، ليؤكّد أنّهم "يمارسون تغطية أنفسهم عبر الهدايا والرشاوى، ولو أُلقي القبض على واحد منهم فقط، لاتّعظ الآخرون وهربوا، أو ربّما توقّفوا عن أساليبهم الظالمة".

الحلّ بالقانون؟
ويتحدّث رئيس اتّحاد بلديات الضاحية الجنوبيّة محمّد درغام عن شكاوى ترِد إلى البلديّات بعد تعرّض السكّان لتهديد ما، غير أنّ بعض السكّان لا يتابعون قضيّتهم، والخوف من تداعيات الإجراء قد يكون السبب الوحيد وراء ذلك.

هنا يقول: "الناس لا يُكملون في اعتراضاتهم، بل يفضّلون حلّ المسألة بعيداً عن الاحتجاج الرسميّ، وهذا ما يُبقي الحال على ما هو عليه اليوم".

يستذكر درغام كيف أنّه في إحدى المرّات، وصلت شكوى إلى إحدى بلديّات الاتّحاد، على خلفيّة مخالفة متماديـــة لصاحب مولّــــــد كهربائيّ. على الأثر، حضرت أجهزة المعلومات، وعندما تواصلت مع أصحاب الشكوى لاستكمال الإجراءات، امتنعوا عن الإجابة على هواتفهم لتثبيت دعواهم!

يرى درغام أنّ الصورة القاتمة لحالات الاستقواء السلبيّ على الناس تحتاج إلى خطوات، وأنّ الشكوى القانونيّة في قلم البلديّة أو المحافظة هي الخطوة الأولى للتخلّص من المشكلة؛ "ما مات حقّ وراءه مطالب"، يتابع درغام، "لأنّ القاضي لا يحكم على النيّة، بل وفقاً لأدلّة دامغة ومعطيات، وعليه فإن المواطن هو المتضرّر، وهو في الوقت نفسه جزءٌ من الحلّ، وما علينا إلّا أن ندعمه".

هل هناك جدوى لسلوك هذا المسار القانونيّ؟ يُجيب درغام: "طبعاً، وما حصل في قضيّة مولّدات الكهرباء أتى بنتيجة مُرضية. نحن نطلب دائماً من المواطنين أن يشتكوا على صاحب اشتراك كهرباء يمتنع عن تقديم الخدمات كما يفُترض، أو أحياناً يؤذي الناس ويفرض شروطه عليهم، لكنّهم في معظم الوقت يبتعدون عن هذا الخيار"!

الدين أكبر رادع
إزاء تكرّر حالات إرهاب الناس في بيوتهم وتوجيه التهديدات الخطرة لهم ما لم يرضخوا لشروط بعض المطلوبين أو "البلطجيّين"، ثمّة من يرى أنّ الاستقواء قد يكون رادعاً مؤثّراً يمكنه "إجهاض" تلك الظواهر. من هنا، يرى الشيخ عبد المنعم قبيسي أنّ "الدين، والخوف من عقاب الله، وتذكّر حساب القبر ويوم القيامة، من شأنه أن يمنع هذه الفئة عن استكمال تعدّياتها، بموازاة الرادع البشريّ بين أهله ومحيطه وعائلته، والذي يمكنه لجم تلك الآفة عبر نبذها ومقاطعة مرتكبيها مع الأمر بالمعروف والنُصح بالأساليب المتدرّجة والمقنعة". يبني الشيخ قبيسي على حديث للنبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيه: "إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ يُكْرَمُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ"(2)، ليُشدّد على أنّ "استعمال القوّة بالباطل، والظلم، والاعتداء على الناس في أنفسهم وأملاكهم وحقوقهم، مرفوض شرعاً وغير جائز بتاتاً. وقد جاء في القرآن الكريم الحكم الواضح ﴿وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (البقرة: 190)، كما جاء ﴿وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَٰناً وَإِثْماً مُّبِيناً﴾ (الأحزاب: 58).

مال حرام
من المنظور الدينيّ، يلفت الشيخ قبيسي إلى أنّ "من يهدّد غيره، يتشابه وقطّاع الطرق والغاصبين، فتكون الأموال التي تنتج عن ذلك حراماً، تجب إعادتها إلى أهلها، ولا يجوز التصرّف بها".

القوّة أمانة عند الإنسان ليستخدمها عند الحقّ ودفع الظلم، يجزم الشيخ قبيسي، ويضيف أنّ "الدين أساس الحلّ وتذكّر حساب القبر ويوم القيامة أهمّ رادع يُنير الناس إذا ما خالطوا أموالهم بالحرام نتيجة الاعتداءات على غيرهم". وهنا يستشهد الشيخ قبيسي بأحاديث شريفة، تنهى في مجملها عن هذه الأفعال المُشينة. يقول رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة الوداع: "أيّها الناس، إنّما المؤمنون إخوة، ولا يحلّ لمؤمن مال أخيه إلّا عن طيب نفس منه"(3)، ويقول مولانا عليّ بن أبي طالب عليه السلام: "والله، لو أُعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي اللّه في نملة أسلبها جلب شعيرة، ما فعلت، وإنّ دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمه"(4). وعن لقمان الحكيم: "إذا دعتك القدرة إلى ظلم الناس، فاذكر قدرة اللّه عليك"(5).


(*) عضو المجلس المركزيّ في حزب اللّه ومسؤول العلاقات في المنطقة الخامسة.

1-مسند أحمد، ج2، ص366.
2-مستدرك الوسائل، الميرزا النوريّ، ج9، ص36.
3-بحار الأنوار، المجلسيّ، ج80، ص284.
4-نهج البلاغة، الإمام عليّ عليه السلام، من كلام له عليه السلام (224).
5-بحار الأنوار، (م.س)، ج13، ص423.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع