مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

معزّون ولكن!

تحقيق: زينب رعد

"كلنا من الله... والعالم كله سيعود إلى الله".

كلنا مبتلىً في هذه الدنيا. ومن أعظم البلاء هو فَقد الأحبة. فكيف نتعامل مع هذا الاختبار الإلهي؟ وما هي الأمور الشائعة أثناء العزاء في مجتمعنا؟ وهل نساعد أهل العزاء أم نضيف إلى آلامهم آلاماً من نوع آخر؟ ما هي الأمور التي يجب أن نتجنبها في مجالس التعزية؟ وماهي الحدود الشرعية للتعبير عن حزننا؟

*تربية النفس على تقبّل الموت

في كثير من الأحيان نسمع من أهل الميت عبارات مثل: "يا رب ليش أخدتو؟" أو "يا رب ليش عملت فينا هيك؟"... فضلاً عن الصراخ والنحيب، ونشر الشعر، وغيرها من الأمور غير الجائزة شرعاً. تروي سلوى شعورها لحظة إبلاغها خبر وفاة خطيبها: "في البداية لم أصدّق، وصرخت بالجميع أنهم كاذبون، فهو لا يستحق أن يموت ويرحل شاباً... وحين تشييعه لم أتمكن من إفلات جثمانه ليذهب وحيداً ويدفن، فهي آخر مرة أراه فيها".

تقول الحاجة أمل القطان (مديرة معاهد سيدة نساء العالمين عليها السلام ): "أحياناً نحن ننطق بكلمات الكفر في لحظات الحزن الشديد". وعن صحة ومشروعية ما يقال في العزاء تجيب: "هذا لا يرضي الله لأن فيه اعتراضاً على أمره، الذي هو في منتهى الدقّة والحكمة ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (البقرة: 156 – 157). وهذا الأمر له علاقة بالتربية وكيف نتقبّل ونواجه الموت. فالإنسان يجب عليه - وفي علاقاته مع كل من حوله من أهل أو أصدقاء- أن يلقّن نفسه أنه قد يفقد أحداً منهم يوماً. والله تعالى يحثّنا أن نُكثر من ذِكر هادم اللذات...".

*"حتى ما يحكوا علينا"

من ناحيةٍ أخرى صادفنا حالاتٍ تتصنّع التأثر، وتتظاهر بالحزن الشديد أمام الناس والسبب كما يقولون: "حتى ما يحكوا علينا!!" كما عبّرت (إيمان. س.) تقول: "كان والدي شديد الإعياء والمرض وعانى كثيراً من الألم، فكنّا نطلب له الراحة، لكن الناس وصفوا تقبُّلنا حالة رحيله بالقسوة وعدم محبته". في حين تقول (سناء. م.): "اتهمني أهل القرية أنني لا أستحق زوجي، وعاتبوني بشدّة لأنني لم أصرخ عالياً ولم أقم بالتلويح بصورته خلال تشييعه، كما هي العادة... ولكني أعتقد أن ذلك لا ينفعه، بل لا يجوز أبداً".

على عكس ذلك، تعتقد أم رضا التي أوضحت: "العزاء هو الذي يبيّن مقدار تعلّقك وحبّك لفقيدك، فبقدر ما تحبّه تبكيه وتخاطبه وتعدّد تصرفاته وأفعاله معك، ليعرف الجميع مكانته عندك وأنك لن تنساه أبداً. خاصةً إذا كان الفقيد شاباً أو شابة... عار أن يكون عزاؤه صامتاً خجولاً، أليس لديه أهل وأحبّة وأصدقاء يصرخون ويبكون عليه؟!".

عبير، كان لها رأي آخر، فقالت إنها كانت مصرة على استثمار فترة ما قبل دفن أختها الشابة فيما تراه أكثر فائدة لموتها من النوح والصراخ: "قررت أنا وعائلتي أن نمضي آخر ليلة مع جثمانها بتلاوة القرآن الكريم على مسامعها. وفي النهار بعد تغسيلها قمنا بقراءة مجلس عزاء ودعاء الجوشن وتلاوة القرآن. وعندما أنهينا القراءة تمنّينا من المعزيات ذكر الصلاة على محمد وآل محمد والاستغفار لها وقمنا بتوزيع السبحات عليهنّ لينشغلن، بذكر الله، عن العويل الذي لن يفيدها، حتى جاء وقت الدفن".

*عادات بالية

قد تكون هذه العادات التي تمارس في مناطق متفرقة شائعة جداً. وعن النواح والصراخ على الميت، تعلّق الحاجة أمل: "هذا من العادات البالية.. أو أن يضطر بعض الأشخاص أن يبكوا ويرفعوا أصواتهم كي لا يتكلم الناس عنهم! ينبغي أن لا نقيس معزّة الناس للميّت بشدة صراخهم وعويلهم عليه، فهذا ليس مقياساً سليماً. والله يطلب منا أن نتصرف بحكمة وليس بتصنع، "فمن ابتغى رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس".

*فوق الألم.. نتحمل سوء العزاء

من التصرفات الشائعة عند العزاء كثرة وفود المعزّين وعدم انضباطهم بوقت محدد يراعي تمكّن أهل الفقيد من الراحة وتناول طعامهم، ولملمة شملهم، خاصة أنهم يعانون من حرقة الفقد. يصف علي حاله في تشييع أخيه فيقول: "كنت مضطراً للمحافظة على رباطة جأشي أمام الجميع خاصة أمام والديّ الكبيرين في السنّ، وكنت أحاول تحمّل الألم وسوء تصرفات بعض المعزّين الذين ينسون أننا في مصيبة فيتحدثون عن أعمالهم وصفقاتهم، وينتقدون الآخرين ويتحدثون عن أمور لا تعنينا أصلاً، وأضطر مع ذلك لمسايرتهم في هز رأسي موافقاً".

فيما يعتبر الحاج عصام أنّ المعزّين يقومون بذلك لتسلية أهل الفقيد ومواساتهم، لكنهم يسيئون تقدير الأمور أحياناً، وفي كلا الحالتين: "علينا تحملهم ومراعاتهم، وضيافتهم...". لقد تكلّف الحاج عصام واجب الضيافة والطعام أسبوعاً كاملاًوخاصةً للذين يأتون من مناطق بعيدة ليقوموا بواجب العزاء وهو بدوره يقوم بواجب إكرامهم، ويحمد الله أنه وجد من يستدين منه لتغطية ما اضطرّ لصرفه في ذلك.

ربما يجب أن نطرح سؤالاً عن حال أهل الفقيد والأعباء التي يكلفهم بها المجتمع، وهل يكون ذلك فعلاً عزاء ومواساة؟ تقول الحاجة أمل: "على الرغم من مصاب أهل الميت فإن الناس يكلّفونهم في تأمين الحاجات العرفية والعادات الاجتماعية، بحيث إنهم يمكن أن يذهلوا عن ميتهم، للانشغال بتقديم الطعام وبالضيافة والأمور المادية الأخرى، فيصبح الموت محطة للاستغراق في هذه الدنياعوضاً عن كونه محطة لإيقاظ النفوس، لكن على شكل عزاء".

*مسؤولية قُرّاء العزاء

أحياناً أخرى يقوم قراء العزاء بتحويل العزاء إلى ذكر مآثر الميت ولا يذكرون مصاب أهل البيت عليهم السلام إلا في الخاتمة. تعتقد أم أحمد (قارئة عزاء) أن أهل الميت غالباً يطلبون مجلساً لنعي الميت ورثائه والتنويح عليه، وهو الأكثر رواجاً وتعتقد أنها إذا أرادت ذكر مصائب أهل البيت عليهم السلام فقط دون التنويح فإنها لا تستدعى لقراءة العزاء ولا تجد قبولاً من الناس الذين يحبون أن يشفوا غليل صدورهم بالنواح على الفقيد.

وعن شرعية هذه المجالس وما يدور فيها من إشكالات أجابتنا الحاجة أمل بقولها: "الهدف من العزاء هنا يكون قد انتفى، لأن الهدف منه هو أن يرى أهل العزاء مصابهم صغيراً أمام مصائب أهل البيت عليهم السلام ، وبالتالي تصبح قدرتهم على الصبر والتصبّر أعلى، وذلك حتى لا يزدادوا جزعاً.. ففي الإسلام يكره الجزع، ويحرم في بعض صوره كخدش الوجه والضرب عليه، كما يحرم نشر الشعر.. كل هذه الأمور غير محبذة شرعاً، بل إنها تؤذي روح الميت..".
 

*البكاء يعين على الصبر

"أما في حالة الصبر، فالبكاء يعين عليه ولا نقول إن فقدان شخص عزيز ليس أمراً موجعاً، ولكن الإسلام ربانا أن نتقبل الموت بطريقة مختلفة. وإن انتقال الإنسان من الدنيا إلى الآخرة، يشبه انتقال الإنسان من عالم الرحم إلى عالم الدنيا. وإذا كانت هذه الدنيا سجن الإنسان المؤمن ومزرعة الآخرة وكان الإنسان ملتفتاً لهذه الحقيقة، ويعمل على أساسها، يفترض أن يكون انتقاله من هذه الدار المؤقتة، إلى دار أوسع وأحسن وأعظم، مورد سرور..

أحياناً بعض الأهل يغمى عليهم، فهل في هذا الأمر نفع للميت؟ هل فيه أجر وثواب؟ وهل من يستمع إلى هذا المجلس يحصل على أجر؟ وهل الروايات التي تتكلم عن البكاء على الإمام الحسين عليه السلام تسري على هذه المجالس أو لا؟".

وتوضح الحاجة أمل أن ذلك يسري على دور قرّاء العزاء: "نحن نحتاج إلى إعادة تأمل ونظر. فإذا كان الهدف من العزاء هو كسب رضا الله سبحانه وتعالى، فلنرَ ما هي الأمور التي وردت في الروايات عن الخير للميت في هذا الوقت، ومن ذلك:
1 - قراءة القرآن: وهي من أهم الأمور التي لها أثر معنوي خاص يساهم في الربط على قلوب أهل الميت.
2 - أن يختم الأهل القرآن قبل أن يوضع الميت في قبره.
3 - الصلاة على محمد وآل محمد.
4 - التسبيح.
5 - قراءة سورة الإخلاص.
6 - سورة الفاتحة.
7 - الصدقة عن الميت قبل أن ينزل في قبره.
8 - أن نرد له المظالم والدين قبل دفنه إن أمكن.
9 - أن نطعم الطعام على حب أهل البيت عليهم السلام ونهديه ثواب هذا العمل.
10 - قراءة دعاء الجوشن فهو كالدرع الذي يقي الإنسان من العذاب.

هذه الأمور مفيدة للميت من جهة، ولأهل الميت من جهة أخرى، فهي تساعدهم على الصبر وعدم التفجع الذي قد يخرجهم عن طاعة الله".

إن مشكلة تعلق الإنسان بغير الله سبحانه تحتاج إلى علاج وتربية للنفس، لأن الإنسان يُحاسب إذا كان مدركاً أنه يجب أن يهيئ نفسه لهذا الأمر، ولم يفعل. ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (الأنبياء: 35).

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع