إعداد: محمود دبوق
الكاتب: الأستاذ الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي.
الناشر: دار التعارف للمطبوعات.
كثيرٌ هم الذين تناولوا واقعة كربلاء في كتاباتهم وخطاباتهم، فمنهم من أخذها بطابعها العاطفي، ومنهم من أخذها بطابعها العقلي والعقائدي، لكن قلّة هم الذين وفّقوا للجمع بين عناصر هذه المفاهيم مشتركة، والأستاذ الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي، هو بالتأكيد من بين تلك القلّة حيث جمع بين دفّتي كتابه "بارقةٌ من سماء كربلاء" هذه الأمور على شكل تساؤلات وأسئلة عديدة، أجاب عنها بطريقة منهجية بعد أن رتّبها بطريقة عملية.
* شبهات حول عاشوراء وإحيائها
لِمَ مشاهد الحزن هذا كلّها؟ وما الهدف من اللطم والبكاء ولبس السواد وغيرها؟ ولماذا لا بدَّ من تخليد حادثة عاشوراء؟ ولماذا لا نكتفي بالبحث والنقاش في إحيائها؟ ولماذا لا بدَّ من صب اللعن على أعداء الإمام الحسين عليه السلام؟ هناك أسئلة وشبهات تُطرح في أذهان الكثيرين من اليافعة حول نهضة سيد الشهداء عليه السلام، كما يقول الأستاذ "اليزدي" ويضيف بأنه لو كان في مثل عمر هؤلاء الشبّان لَمَا اقتنع بالعديد من الاجابات التي لا تشفي الغليل لذلك فإنه يقوم بالإجابة على هذه الشبهات بصورة دقيقة وواضحة. ويقسم هذه الأسئلة إلى أربعة:
* دور عاشوراء في بقاء الإسلام:
تحت هذا العنوان يشرح في "سعة وأهمية وتأثير إقامة العزاء لسيد الشهداء" متحدثاً عن مراسم العزاء التي تقام في جميع أنحاء العالم لشدّة حب الناس للإمام الحسين عليه السلام من الشيعة وحتى من بعض السنّة المشاركين في تلك المراسم. ثم يتناول موضوع "قداسة نهضة عاشوراء وامتناع تحريفها" ويقول أن ذلك ينبع من تضحية وفداء الحسين عليه السلام ومعه عائلته وأصحابه، وبرغم تجبّر السلاطين والملوك فقد بقي الشيعة مخلصين للإمام عليه السلام.
* الأرضية لنهضة عاشوراء
في الحديث عن الأرضية لنهضة عاشوراء يمرّ الكاتب على اطلالة تاريخية، ليبيِّن الظروف التي مكنت معاوية من حكم إمارة الشام، ويؤكد الكاتب أن انحراف المجتمع كان السبب الأساس في تمهيد الحكم ليزيد، وعدَّ من الأسباب الأخرى: المستوى الثقافي المتدنّي، وروحية الارتباط القَبَلي، إضافة لضعف إيمان الناس، وعوامل أخرى منها سوء استخدام الاعلام كالفن، والأدب، والشعر، وكذلك أسلوبي الترغيب والترهيب، ويلفت إلى وصايا معاوية إلى ابنه يزيد، والذي لم يعمل أبداً بطريقة أبيه مستبدلاً المراوغة والنفاق بالقوة والقهر، ثم يدخل الكاتب وعلى عادته في هذا الكتاب الشيّق إلى مداخلة تُقارن بين عصرنا وعصر الإمام الحسين عليه السلام، حيث أن: "أساليب الظالمين لم تتغيّر وهكذا نرى أساليب أمريكا في المنطقة وفي إيران، وأما المسافة بين معاوية وأبي هريرة ومنافقي الداخل في إيران فليست سوى هذه الأسماء" وينصح بضرورة التصدي للسياسات الشيطانية وأول ذلك أن لا تتعلق قلوبنا بالدنيا كما فعل القاسم بن الحسن عليهما السلام في عاشوراء. وتحت عنوان الأرضية لنهضة عاشوراء يتحدث أيضاً عن:
* دقّة أمير المؤمنين عليه السلام في تنفيذ الأحكام الإلهية:
تدور الفكرة الأساسية لهذا العنوان حول عدالة أمير المؤمنين عليه السلام واستقامته من خلال إدارة جميع شؤون الأمة بنور العصمة والحرص الشديد على أموال المسلمين حيث أراد بذلك أن يقدّم مثالاً للحكومة الإسلامية، التي لا تُقاد بقيادات فاسدة ومنافقة.
* النشاط السرّي للحسين عليه السلام في زمان معاوية:
بعد أن رأى الإمام الحسين عليه السلام أساليب معاوية ومكره في أيام والده أمير المؤمنين وأخيه الإمام الحسن عليهما السلام انطلق حينها وبسرّية تامّة ولكي لا ينطلي الخداع على علماء الأمّة وكبارها، ليظهر لهم هذه الأعمال المشينة فاجتمع مع بعضهم في منى، ولفت انتباههم إلى ضرورة المحافظة على سرّية الأمور كونه يدرك ما يدور حوله من الظروف غير المؤاتية للثورة على هذا الحاكم الطاغية والمخادع. ثم يعود الأستاذ اليزدي لينبّه عبر المقارنة بين هذه الأوضاع قديماً وحديثاً وبطريقة ملفتة، إلى وجوب الحذر من أقوال بعض النفعيين والجهلة، ممن لا يدركون مكر أمريكا والمنافقين في الداخل لتشويه صورة إيران الإسلام سعياً لقلب نظامها الإسلامي إلى نظام آخر يحقق للبعض أحلام الدنيا وأوهامها.
* انفعال المجتمع: ينتقل الكاتب ليبّين وبوتيرة تصاعدية الأسباب التي دفعت الإمام الحسين عليه السلام لثورته وفي ذلك الوقت، ويختصر الكاتب مشكلة الناس في تلك الأيام تحت عنوان "انفعال المجتمع في مقابل نشاطات معاوية" وأن أحدهما وجه العملة للآخر فيقول: "إن أحد الوجهين هو الفعل والوجه الآخر هو الانفعال، فبنو أميّة هم المؤثّرون والناس هم المتأثرون، بنو أميّة هم الفاعلون للاعلام والتهديد والتطميع، والناس منفعلون في مقابل هذه الأمور".
* الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
يعالج الكاتب في العنوان الأخير نتائج ثورة الإمام الحسين عليه السلام ثم يقدّم نماذج من سلوكيات بعض الناس في مجتمعاتنا مع مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم على مراتب في فهمه، وأكثرهم صعوبة المتسخفّون بالأحكام الإلهية، وليصل بعدها ليتناول سعة معنى الجهاد الذي حمله الإمام الحسين عليه السلام بأرقى معانيه، ثم ينطلق الكاتب للحديث عن بعض المشاكل التي يُحدثها بعض ضعاف النفوس في إيران الإسلام فهم يطلقون أفكاراً مجبولة بالمغالطة على مقام النبي صلى الله عليه وآله والنبوة، وعلى ولاية الفقيه التي تتمنى أمريكا لها الاندثار بقولها: "إذا انتهينا من وصاية ولاية الفقيه فإن مشاكلنا مع إيران ستحل". أما نهضة الإمام الحسين عليه السلام فيعدّها الكاتب من مصاديق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمعناه العام من خلال الجهاد والحرص على الشهادة من أجل ايقاظ المجتمع.
وفي الختام يطل الكاتب على واجبات الحكومة والناس في الظروف الحاضرة ليربط حاضرنا بنهضة الإمام عليه السلام بشكل عملي للغاية وتحت عناوين عديدة وهي: واجب الحكومة والمجتمع في مجال تعليم الأحكام والمسائل، وواجبهما في مقابل مؤامرات الأعداء، ويتحدث عن أسباب وعلل نسيان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم يقول بضرورة ايجاد التنظيمات الإسلامية للقيام بالنشاطات الاجتماعية ويختم الكتاب ليفصّل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القرآن الكريم في معانيه الاصطلاحية ودرجاته والشعور بالمسؤولية اتجاه الآخرين ولماذا استعمل القرآن تعبير المنافقين في مقابل المؤمنين. "بارقة من سماء كربلاء"، كتاب يحمل لوناً لطيفاً من الاطلالة على عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام في 298 صفحة إضافة لايضاح بعض التساؤلات بخصوص العديد من القضايا المتداولة في الجمهورية الإسلامية والتي تعتبر الدولة الأكثر رسوخاً في جذورها طالما أنها وبحمد اللَّه تحمل الكثير الكثير من مبادئ الإمام الحسين عليه السلام وإن اعترتها رياح المؤامرات الأمريكية وبعض أعوانها الداخليين، لكنها تبقى الجمهورية الإسلامية التي تحمل راية الإمام المهدي عجل الله فرجه والإمام الحسين عليه السلام.