إعداد: محمود دبوق
المؤلّف: المحقق الأستاذ الشيخ حسين مظاهري.
الناشر: دار التعارف للمطبوعات.
قد لا تختلف كتب الأخلاق بموضوعاتها، إلاّ أن أسلوب عرضها يختلف من كاتب لآخر، أو من مفكر وأستاذ إلى آخر، وهذا الكتاب الذي بين أيدينا هو نموذج عملي لأسلوب الأستاذ الشيخ حسين مظاهري، الذي طالما أتحف القرّاء ومحبّي محاضراته بنوعية المعلومات العلمية والعملية التي يقدّمها إليهم، وهذا هو حال "دراسات في الأخلاق". يبدأ الحديث في هذا الكتاب عن أهمية علم الأخلاق، لكونه يشكل حالة اتصال وصلة بين الإنسان وخالقه، وتظهر أهميته من خلال كلام الباري لرسوله الكريم ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم: 4)، ولكونه أيضاً يُظهر الرذائل التي تقابل الفضائل. وممّا يذكر أنه قد سطع نور هذا العلم حديثاً على يد الإمام الخميني العظيم قدس سره والذي يوصي به، ويهتم بمريديه، ويشجّع على انتشاره، خصوصاً في عصرنا الحاضر حيث طغت الدعوات المادّية الكافرة. مقدّمة الكتاب قد اشتملت على خمسة فصول في معنى الأخلاق ثم جُزّئ الكتاب إلى قسمين، الأول ويتناول البحث عن الأخلاق، والثاني موكولٌ إلى مجلد آخر تابع لنفس هذا الكتاب.
* علمُ الأخلاق:
يبدأ الفصل الأول من المقدّمة المذكورة في تعريف علم الأخلاق، فيقول الكاتب الكبير: "... علمُ الأخلاق هو علمٌ يُبحث فيه، عن الصفات الكامنة في النفس، وعن الأفعال والأقوال والأفكار الصادرة عن تلك الصفات، وعن كيفية تهذيب النفس عن الرذائل، وعن كيفية التخلّق بالفضائل..."، ويتحدّث عن الأخلاق كونها من الفطريات والوجدانيات، وهي من العلم الحضوري ووسيلةٌ للوصول إلى مقام العبودية، وتعتبر بمثابة المقدمات والوصول إلى المنازل الخمسة وهي: التوبة، واليقظة، والتخلية، والتحلية والتجلية". وفي فوائد علم الأخلاق وضمن الفصل الثالث، يعدُّ أربع فوائد ويقول تحت عنوان تجسّم الأعمال: "يظهر من القرآن والروايات أن الملكات، رذيلة كانت أو فضيلة، تحصل من الأفعال والأقوال والأفكار، وهوية الإنسان وحقيقته تحصل من تلك الملكات...". وفي الحديث عن وجوب تهذيب النفس وتزكيتها والتخلّق بالأخلاق الحسنة والصفات الفاضلة التخلية والتحلية وضمن الفصل الرابع يقول أنها من أوجب الواجبات بأدلة أربعة وهي: دليل الكتاب، دليل السنّة، دليل الإجماع، ودليل العقل. ويقدّم في كل منها تفصيلاً هامّاً ومن المفيد جداً مطالعتها.
* كيفية التزكية:
في الفصل الخامس، والأخير من المقدّمة، يأتي على ذكر موضوع كيفية تزكية النفس، وبعد تقريره لمسائل قيّمة يشرح أوّل ما في سورة المزمّل، لكونها دستوراً جامعاً لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله في موفقيّته ونجاحه، يبدأ الأستاذ مظاهري بتعداد طرق تهذيب النفس عن الرذائل، ويفصّل فيها، وهي ست طرق: التقوى، المراقبة، العبرةُ من السير والتاريخ، الحبُّ في اللَّه، الإنذار والتبشير، الحبُّ للَّه تعالى. وتحملُ هذه الطرق في مفرداتها وشروحاتها ما يلفت انتباه الباحث عن حقيقة الطرق الأفضل لتزكية النفس.
* البحثُ في الفضائل والرذائل:
فيما يبدو أنه اعتماد لأسلوب المقدمات الايجابية والتمهيدية، يأخذ الأستاذ مظاهري في القسم الأول من كتابه بالحديث عن المراد من الأخلاق والأخلاقيات وبشكل موجز يقول "المراد من الفضائل الأخلاقية والرذائل الأخلاقية، هي الصفات الفضيلة والصفات الرذيلة، والأعمال الحسنة والأعمال القبيحة". وإذ يتعرّض للفضائل العشر وما يقابل بعضها من الرذائل، وضمن عشرة فصول احتواها القسم الأول "المذكور"، يشرع الأستاذ مظاهري بالحديث عن تلك الفضائل ونحن نقتصر على ذكر العناوين مع تقديم بعض التفاصيل لإحداها كنموذجٍ للطريقة التي يعالج بها الأستاذ القدير هذه المواضيع والعناوين هي: اليقين وتقابله الريبة، التوحيد ويقابله الشرك، الفكر ويقابله الغفلة، الشجاعة، الخوف من اللَّه تعالى، الرجاء باللَّه تعالى، كرامة النفس وتقابلها دناءة النفس، الغيرة والحمية، السكينة وتقابلها العجلة، وفي الفصل أيضاً رذائل: العجلة، واضطراب الخاطر، والهلوع، والتذبذب، والفضيلة العاشرة: حسن الظن يقابلها سوء الظن والوسوسة الفكرية.
* كرامة النفس:
يقول: "هذه الفضيلة من الفضائل التي يترتّب عليها آثار، وكلُّ أثرٍ منها خيرٌ من الدنيا وما فيها كالثبات والتحمّل في الشدائد والمصائب فصاحبها كالجبل الراسخ لا تحرّكه العواصف، وكعلو الهمّة الذي يصل الإنسان به إلى الدرجات العلى في الدنيا والآخرة...". ثمَّ يقدم الأستاذ مظاهري تفسيراً آخر لما تقدّم من الكلام فيقول: "القرآن يقول إنَّ المؤمن الذي عليه سلطة الأجانب ليس له كرامة وشخصية وأنه ليس بشيء، قال اللَّه تعالى ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ (آل عمران: 28). وهكذا يقول "أن المؤمن المتّقي ليس عليه سلطة لشيطان، قال اللَّه تعالى: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ ﴾ (النحل: 99 و100). والسرّ في ذلك أن المذنب أهان نفسه أوّلاً ثم أذنب واعتدى على الناس، فلو كان له كرامة وعظمة وشخصية لم يتسلّط عليه الشيطان".
* الكرامة وأقسامها:
يقول الأستاذ مظاهري في هذا المقام وفي الحديث عن مراتب الكرامة وأقسامها وباعتبار إضافتها إلى الغير إنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام وهي: الشخصية الفردية، والشخصية الاجتماعية، والشخصية الدينية، فيقول: "والمراد من الأولى إدراك الإنسان نفسه حيث يرى شخصية نفسه ويلتذُّ بها وهي تمنعه عن ارتكاب الأفعال الدنيّة، عرفيةً كانت أو شرعيّة، والمراد من الثانية إدراك المجتمع شخصية ذلك الإنسان وهذا هو الذي سمِّي في القرآن بالودّ... والمراد بالثالثة قبول الشرع بالوجاهة الشخصية وفي عرف القرآن لا يكون أحدٌ ذا كرامة إلا المتّقي". ثم يضيف أن الشخصية ذاتية واكتسابية.
* دناءة النفس:
"هذه الرذيلة ضد كبر النفس والشخصية، ولو لم يكن لها تبعةٌ وأثر سوء إلا الاضطراب والتذبذب في الأمور، والشك والارتياب في الإرادة وعدم القدرة على التصميم والجزع والفزع عند المصائب والشدائد والآلام حسبك أن تصدّق رذالتها مع أنَّ لها سوءً وتبعات مهلكة موجبة لشقاوة الدّارين... ومنها حصول عقدة النقص له، لعدم القدرة على إرضاء الميول... ومنها قبول السلطة وهو مصيبةٌ عظيمة ونار تحرق صاحبها ومن يتعلّق به، بل غالباً تحرق مملكة ولا أقل من مدينة، والتاريخ شاهد على أنَّ الظالمين والمستغلّين سيما في القرون الأخيرة لم يتسلّطوا على الممالك الإسلامية أو غير الإسلامية إلا بالأفراد الذين ضُرب عليهم الذلّة والمسكنة بصغر النفس وعقدة النقص. وملخصُّ القول أن هذه الرذيلة أم الرذائل كما قلنا في ضدها وهو كبر النفس أنها أمُّ الفضائل". كتابٌ يقع في 483 صفحة يجذب القارئ بأسلوبه العملي، ويلفتُ الانتباه بتفاصيله التي يعالج فيها أدقَّ المسائل الاجتماعية والأخلاقية التي يلامسها الأفراد والمجتمع يومياً.