الأمين العام للجنة المتابعة لقضية الأسرى محمد صفا: "الأسرى هم الأحرار ونحن المعتقلون"
حوار: جمانة عبد الساتر
حياتنا مع العدو الصهيوني كلُّها تقوم على المعارك، سواء في ساحات المواجهة، أو في الدفاع عن الوجود والمستقبل، أو في مواجهة الهيمنة والاستعلاء العسكري أو الثقافي الذي تدّعيه دولة الاحتلال. وفي كل المواجهات أثبتنا أننا الأجدر بالبقاء والأكثر انتماءً للأرض. واليوم ما زلنا نخوض معركة أخرى مع العدو ذات صلة بالمعارك السابقة، وهي معركةُ الأسرى الذين يشكلون رأس حربة جهاد شعبنا بوجه المحتل. فماذا عن أوضاعهم وعن كيفية تعاطي الحكومات المحلية والعربية والدولية مع قضيتهم؟ ماذا عن التغطية الاعلامية العربية لقضيتهم؟ وأين أصبحت الشكاوى التي توجّهوا بها إلى الأمناء العامين للأمم المتحدة من ممارسات وانتهاكات "إسرائيل" التعسفية؟ أسئلة عديدة نطرحها على بساط هذا العدد من مجلة بقية الله على الأمين العام للجنة المتابعة لقضية الأسرى محمد صفا.
* بصفتك متابعاً لقضية الأسرى اللبنانيين والعرب هل لك أن تحدثنا عن التحرك الحالي للجنتكم وما هي خلفية هذا التحرك؟
قضية الأسرى تتلخص في أنها قضية مواطنين لبنانيين وعرب قاوموا الاحتلال الإسرائيلي ورفضوا التعامل معه، فزُجّوا في السجون الإسرائيلية. هذه القضية لها أبعاد وطنية وإنسانية وقومية وعالمية. إذا تحدثنا بلغة الأرقام، على الصعيد الفلسطيني، لا توجد عائلة فلسطينية لا يوجد فيها أسير أو أسيران. أستطيع أن أقول إن ربع الشعب الفلسطيني داخل السجون الإسرائيلية. حالياً يوجد أحد عشر ألف فلسطيني وعربي من ضمنهم سوريون ولبنانيون وأردنيون في السجون الإسرائيلية. هذه القضية هي قضية شعب وليست قضية أرقام موجودة خلف القضبان. هذه قضية تجسد قضية الشعوب العربية. لكن للأسف، هذه القضية لم تلق الاهتمام الكافي ولم تلق الاهتمام من الحكومات العربية ابتداءً من الحكومة اللبنانية ولم تطرح هذه القضية كأولوية على جدول أعمال هذه الحكومات، إن من خلال الاتفاقيات التي عُقدت مع العدو الإسرائيلي أو المفاوضات التي صارت في وادي عربة شرم الشيخ أنابوليس. فيمكننا القول باختصار إن هذه القضية منسية وهامشية. إذا كانت هذه القضية مهملة من قبل الحكومات العربية فمن الطبيعي أن لا يهتم المجتمع الدولي والمنظمات العالمية والأمم المتحدة بها. وأنا هنا لا أبرر، فالمجتمع الدولي مقصّر إذا لم نقل متواطئ. أيضاً هناك تجاهل لقضية أحد عشر ألف أسير بينهم أطفال ونساء و73 أسيراً منهم مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين عاماً، فلسطينيين ولبنانيين وأردنيين وسوريين كسعيد العتبة (30 سنة) وسمير القنطار (29 سنة). في الأردن أُفرج عن الأسرى الأردنيين ثم نقلوهم إلى سجن في الأردن. تم نقلهم من السجن الإسرائيلي إلى السجن العربي. هذه القضية على مستوى الأمم المتحدة وعلى مستوى المجتمع الدولي وعلى مستوى المنظمات الدولية التي تتعاطى بحقوق الإنسان، لم تأخذ الاهتمام المطلوب.
* تبنّي المقاومة لهذه القضية هل هو مكمّل لعملكم؟ هل تنسقون معها في بعض الجوانب والمجالات المتعلقة بها؟
قد تكون هناك عدة أساليب لإطلاق سراح المعتقلين منها: الضغط السياسي على الاحتلال من الحكومات، من خلال علاقاتها الدولية والديبلوماسية. ويُفرج عن المعتقلين من خلال حملات الضغط العالمية التي ننظمها نحن والمنظمات الإنسانية، الوسيلة الأخرى هي من خلال عمليات التبادل. هذه الأساليب مكمّلة لبعضها البعض. في كل فترة ممكن أن نجد الخيار الأنجع، لكن ليس هناك من خيار يُلغي الآخر. حتى من خلال تجربتنا في لبنان، تجربة المقاومة في عمليات التبادل أحياناً كانت بحاجة إلى ضغط إعلامي لإبراز هذه القضية وتعريف الرأي العام عليها ليهتم بها. أمام التعنت الإسرائيلي لا يوجد سوى اللجوء إلى عمليات التبادل من خلال خطف جنود إسرائيليين وإجراء عمليات تبادل.
* هل دور شبكة أمان التي ترئسها يقتصر على تقديم الخدمات الطبية والنفسية، أم هي شبكة نضالية مناهضة للتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان؟
نحن جزء من شبكة عربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من ضمن أحد عشر مركزاً. عناوين هذه المراكز هي: مناهضة التعذيب في كل السجون، سواء الإسرائيلية أو العربية. إنها تهتم بكل أشكال الاعتقال والتعذيب، ومنها مناهضة التعذيب والدعوة إلى الإفراج عن المعتقلين، وفي نفس الوقت مساندة هؤلاء المعتقلين، تقديم الدعم النفسي والصحي والاجتماعي لهم ولعائلاتهم، لأن المعتقل أو الأسير عندما يخرج من السجن يكون بحاجة إلى عمل ورعاية.
* تحدثت عن تقديم الدعم المادي والنفسي للمعتقلين. إلى أي مدى يلعب الصليب الأحمر دوراً مهماً في إيصال هذه المساعدات والرسائل من وإلى المعتقلين وذويهم؟ كيف تتحركون داخل الكيان الغاصب؟
ج داخل الكيان الغاصب، هناك مراكز فلسطينية في رام الله وغزة هي التي تتحرك مع المعتقلين الفلسطينيين وضحايا الاحتلال ونبقى خارج العلاقة المباشرة. الصليب الأحمر دوره دور قيادي وتخفيفي، أحياناً يتعرض لضغوطات، ينقل الرسائل والمساعدات، يكشف عن مصير المفقودين. يتحرك بصمت بحكم برنامجه.
* كيف تطورون الشبكة من ناحية التربية على حقوق الإنسان وتنمية ثقافة المواطنية؟
سيتم عقد مؤتمر في اسطنبول عن الصدمات النفسية ما بعد الحرب عند الأطفال والاعتقال، ويشارك فيه 280 مركزاً من كل بلدان العالم. نجتمع سنوياً ونطرح خطة لتطوير العمل، خاصة لمنطقة الشرق الأوسط الأكثر التهاباً، حيث الاحتلال الإسرائيلي والاحتلال الأميركي. إذاً، نحن كلنا معتقلون بدل أن تكون مناطقنا أكثر اهتماماً ومطالبة.
* طالبتم بإنشاء محكمة الخيام الدولية وبدفع التعويضات للأسرى المحررين، أين أصبحت هذه المطالبة؟
في قضية التعويضات كنا نعمل على محورين:
المحور الأول: الضغط على الدولة، دولة المقاومة، لتتبنى المحررين وعائلاتهم. واستطعنا بمعاونة الجمعيات الأخرى أن ننتزع مكاسب جزئية وليست كافية: تعويضات عن كل سنة اعتقال خمسة ملايين ليرة، والذين اعتقلوا لأكثر من ثلاث سنوات يأخذ كل واحد منهم 300 ألف ليرة شهرياً، وهو شيء مخجل أن يعطى أسير مكث في الاعتقال 15 سنة 400 ألف ليرة. رفضنا هذا القانون واعتبرناه مجحفاً وأقمنا اعتصامات، فيما كان من المفترض من الدولة معاملتهم كجنود من خلال توظيفهم واعتبارهم أبطالاً، لكن هذا لم يحدث. في جانب آخر، كنا نطالب الدولة أن تطالب بمحكمة دولية تحاكم إسرائيل على جرائمها في قانا 1996 وفي حرب تموز 2006 على غرار مطالبتها بمحكمة دولية للكشف عن جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. للأسف، الدولة لم تتحرك ولا تملك الملفات ولا حتى أسماء الأسرى.
* هل هناك برنامج عربي لمناهضة التعذيب ومرصد عربي للوقوف بوجهه؟
البداية صفحة انترنت، وهي صفحة الكترونية نوزع من خلالها رسائل الكترونية كل شهر عن الانتهاكات في الوطن العربي.
* هل هناك تنسيق مع مواقع فلسطينية تُعنى بالأسرى وأخبارهم؟
تتم الاستفادة منهم ومن الجرائد ومن مواقع أخرى، وخاصة عبر مراكزنا، على أمل أن تصبح هناك اتفاقية عربية لمناهضة التعذيب. وجهنا رسالة للأمين العام للأمم المتحدة للبدء بهذا الموضوع لكن معظم الدول العربية تعترض على وجود لجان حقوق الإنسان على أراضيها.
هل تتجاوب الأمم المتحدة مع مطالبكم؟
الأمم المتحدة إيجابية، لكن العبرة في تطبيق الدول العربية وتجاوبها معنا. نحن نتحمل المسؤولية كمجتمع مدني ومنظمات ضغط، لكن هذه المنظمات تعاني ضعفاً في عملها وإمكانياتها وخططها.
* ما هو السبب الرئيسي الذي يدفع نحو عدم الاهتمام الرسمي بهذه القضية؟
الأسباب سياسية برأيي، كان دعم الرؤساء لنا ليس عن اقتناع إنما خجلاً، كونها قضية وطنية عامة.
* ماذا عن التغطية الإعلامية لقضية الأسرى، أين هي وما هو موقعها؟
الوضع السياسي يؤثر كثيراً. الصراع السياسي أضاع القضايا الوطنية. الأسرى يعانون أمراضاً مزمنة هم وعائلاتهم ولا يتم الاكتراث بهم. أناشد الإعلام أنه مهما كانت القضايا سياسية، يفترض به تسليط الضوء على قضية الأسرى الذين اعتقلوا نيابة عنا، ولم يتم اعتقالهم لأنهم ينتمون لهذا الحزب أو ذاك أو هذه العائلة أو تلك أو هذه الطائفة أو تلك.
* العزل تدني مستوى الطعام ومصادرة وسائل الإعلام من المعتقلين وغيرها من الممارسات التعسفية والانتهاكات التي يعيشها الأسرى، كيف ينظر إليها القانون الدولي وخاصة معاهدة جنيف الرابعة؟
القانون الدولي يحرّم اعتقال أطفال دون سن الثامنة عشرة. في السجون الإسرائيلية هناك 320 طفلاً. القانون الدولي يحرّم العزل والعقوبات التأديبية والاعتقال الإداري بدون محاكمة. لم يتحرك العالم عندما ولدت سميرة صبحي داخل المعتقل وأنجبت أصغر معتقل في السجون الإسرائيلية وهذه جريمة إنسانية.
* برأيك ما هي السبل لتفعيل قضية الأسرى إعلامياً وسياسياً، أو في المحافل الدولية؟
مهما كانت الصعوبات كبيرة، يجب أن يبقى صوتنا عالياً وأن نكون ضمير هؤلاء الأسرى. ويمكن القول إنهم هم من يتضامن معنا وليس العكس. لديهم من الإرادة والحماسة والمعنويات أكثر منا. يجب أن تبقى هذه القضية حيّة. عندما تعمم هذه القضية على الإعلام يصبح لديها تأثير، وستفرض على الحكومات والمجتمع الدولي وستهتم بها المنظمات الإنسانية.
* كلمة أخيرة توجهها للأسرى والمعتقلين؟
الأقسى من التعذيب والاعتقال هو الإهمال واللامبالاة. أهم شيء أن تبقى الشعوب تضغط على الحكومات والأنظمة حتى تبقى القضية حيّة. هؤلاء الأسرى هم الأحرار ونحن المعتقلون، يجب التذكير بقضيتهم بشتى الوسائل.
كما نطالب بالاهتمام ورعاية الأسرى المحرّرين لأنهم رموز لنا.