نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الصحة والحياة: الضغط النفسي

الدكتور فضل شحيمي

 



يتعرض المرء في حياته اليومية إلى الكثير من الضغوطات نتيجة توالي الأعمال والمسؤوليات على عاتقه، فتتسارع الأولويات من الأعمال لتُجهِد نفسه وفكره وجسده، ومن ثم تليها الثانويّات لتأخذ أيضاً حيّزاً في نفسه وفكره. وكل هذه الضغوطات تتراكم لتصُبّ في مرضٍ نفسي وهو الضغط النفسي.  يعتبر الضغط النفسي وليد الصدمات والأحداث السلبية أو الإيجابية التي يتعرّض لها المرء. ويستطيع الإنسان أن يملك خيار الشفاء من المرض أو الاستسلام له، فمن خلال الإرادة وتقبّل مساعدة الآخرين يمكن للمرضِ أن يزول، فيما أن الاستسلام للمرض وعدم تداركه يجعل الإنسان فريسة للصراعات النفسية والهواجس المرضية والتي تنتهي به في دائرة الضياع.

* تعريف الضغط النفسي
الضغط النفسي أو STRESS هو نتيجة تفاعل الإنسان مع العوامل المحيطة به والتي إما تكون عوامل سلبية أو إيجابية. وبمعنى آخر، الضغط النفسي هو مفهومٌ يشير إلى درجة استجابة الفرد للمتغيّرات أو الأحداث البيئية في حياته. والخطأ الشائع في مجتمعاتنا أن الضغط النفسي هو فقط نتيجة الأحداث أو الصدمات السلبية، إذ يكون أحياناً بسبب التعرض لصدمة إيجابية مفرحة مثلاً: الزفاف، الشهرة.. كأن يصبح الفرد فجأة صاحب مقامٍ عالٍ وشهرة ذائعة، هنا يشعر بالضغط النفسي لأنه يعرف أن مسؤوليات كثيرة ستترتب عليه وتؤثر على حياته. وهنا يمكن التمييز بين أمرين مهمين: لكلٍّ من الأحداث السلبية والإيجابية ردَّات فعل مختلفة، فالأحداث الإيجابية تؤدي إلى ردّة فعل مفرحة وسارة أما الأحداث السلبية فإنّها تؤدي إلى ردّات فعل سلبية كأن يعيش المرء مشاعر مؤلمة تؤثر بدورها على حالته الفيزيولوجية أو الجسدية، فهذه التأثيرات السلبية (كالفراق، الفشل، وفاة غير متوقعة، مرض فجائي حاد...) تؤدي إلى ردة فعل تسمّى "المرض النفسي".

* أعراضه
1ـ اضطرابات في النوم؛ إمَّا نوم مفرط أو أرق.
2ـ اضطرابات في الطعام؛ إما أكل مفرط أو إمساك عن الطعام.
3ـ دقات قلب سريعة. ونشير هنا إلى أن الكثير من الناس يذهبون إلى طبيب قلب ومن ثمّ إلى طبيب غدد وتكون النّتيجة أنّهم لا يعانون من أي مرض إلّا أن المريض عنده حالة من القلق Anxiety وهو مرض سببه الضَّغط النفسي.
4ـ اضطرابات التّنفس.
5ـ الغضب المتُسارع Impulsivity غير المبرر.
6ـ ضيق في التنفس.
7ـ الآلام النفسيّة الجسدية. ونشير هنا إلى ملاحظة مهمة جداً وهي أن أغلب مرضى الضغط النفسي يشتكون من إجهادٍ عام General fatigue ويغفلون عن أنهم يعانون من مرض نفسي ولذلك فإنَّ 40% من المرضى الذين يتوجهون إلى الطوارئ في المستشفيات يكونون مرضى نفسيين جسديين Psychosomatic.
8ـ ارتفاع نبرة الصوت بغير دراية أو انتباه.
9ـ استخدام العنف أو تعنيف من هم حوله (عنف جسدي، عُنف كلامي، عنف لفظي...).

* مضاعفاته
يؤدي الضغط النفسي إلى نوعين من الأمراض: مرض عضوي جسدي ومرض نفسي روحي، أما مضاعفاته فهي:
1ـ مرض الاكتئاب أو الكآبة. ومن المهم أن نلتفت إلى أن الضغط النفسي أحياناً يُؤدي إلى حالة اكتئاب وهذه الحالة تسمى بالاكتئاب الذهاني Psychotic depression وهي تؤدي إلى قتل أحد، أو أحياناً تؤدي إلى أن يقوم المصاب بخلافات ومشاكل مع الناس.
2ـ القلق.
3ـ الصداع.
4ـ اضطراب في استقرار السكري.
5ـ اضطراب في استقرار الضغط.
6ـ اضطراب ما بعد الصدمة PTSD وهو من أهم مضاعفات الضغط النفسي ويحصل عندما يتعرض شخص ما لصدمة نفسيّة قويّة، مثل: أن تفقد أمّ ولدها إثر حريق، حادث سير، بغضّ النظر عما إذا توفّي الولد أم لا ولكن مجرّد تعرض الأم لهذه الصّدمة النفسية والمعاناة التي تمر بها يولّد عندها هاجساً اسمُه Flashbacks وهو صور تستذكرها. وتخلق هذه الصدمة عندها هواجس نفسيّه ومخاوف من إمكانية تكرار هذا الضرر الذي تعرّض له ولدها، فتعيش هذه الحالة التي تؤدي بها إلى اضطراب حاد يستلزم سريعاً التوجّه إلى علاج جدِّي. لذلك، من المهم جداً تدارك مرض اضطراب ما بعد الصدمة لتشكيله خطورة على حياة الإنسان إذا أُغفِلَتْ معالجته.
7ـ الخوف من الأماكن المغلقة.
8ـ الضغط المتراكم الذي يؤدي إلى عدم معرفة التوازن أي أنه خلل في التركيبة النفسية.

* أنواع الضغط
لا بدّ من التمييز بين نوعين من الضغوط: الضغوط النفسية الشائعة والضغوط النفسية المتراكمة. أما الضغوط النفسية الشائعة فهي الضغوط التي يتعرض لها الإنسان في كل يوم مثل: زحمة السير، الحرّ... و تُحلُّ هذه الضغوط من دون أي تدخل طبي، وتزول مع الوقت عندما يخصص المرء لنفسه وقتاً للراحة أو يتحدث مع أحد. أما الضغوط النفسية المتراكمة فهي بدايةً عبارة عن ضغوط طبيعية ولكن تتضاعف هذه الضغوط لتصبح متراكمة وتؤدي إلى مرض نفسي يستلزم التدخل الطبّي فوراً، لأنها تصبح قوية، مثل شدّة الحزن الذي يؤدي إلى الأفكار السوداوية ومن ثم إلى التشاؤم أو الانتحار.

* سبل الوقاية
تختلف سبل الوقاية عن سبل العلاج إذا وصل المريض إلى حالة الضغوط النفسية المتراكمة. أما بالنسبة إلى سبل الوقاية فلا بدّ من القيام بالخطوات التالية:

1ـ المصالحة مع الذات، أول شيء يجب أن يتعلمه الإنسان هو أن يكون مدرِكاً لمشاكله قبل البدء بإيجاد حلول، وأن يكون مدركاً لإيجابياته أيضاً.
2ـ القناعة، فمن المهم جداً أن يعرف المرء أنه لا يوجد شيء مثالي في الحياة، وأن يعرف كذلك أن طبيعة الحياة تحتم وجود مشاكل وصعوبات لا بدّ من تخطيها.
3ـ إدارة الوقت Time management أو برمجة الوقت ومن أهم شروطه أن يُخصِّص الإنسان وقتاً لراحته ويعرف أيضاً سُبُل راحته وكيفيتها.
4ـ التواصل مع الأصدقاء، وهو عامل جيد للتخفيف من الضغط النفسي، فالحوار مع الآخرين وتفريغ المشكلة يخفِّف 40% من نسبة الضغط الذي يعيشه المريض. وكذلك اللعب مع الأولاد يساهم في التخفيف من هذه النسبة أيضاً.

* سبل العلاج
أما سبيل العلاج الأمثل فهو أن يلجأ المريض في أولى خطواته إلى الطبيب، أي الطبيب، والذي بعد أن يشخّص الحالة، يقدّر الوسيلة الأنسب لمعالجته وهي إما بالأدوية أو عبر العلاج النفسي. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى ملاحظة هامة وهي أن الكثير من الناس يتوهّمون وجود مؤثرات خارجية تضرّ أو تؤثر على حياتهم فيتجهون إلى المنجِّمين لإيجاد الحل عندهم وهذا أمر يتعارض مع الدين والعقل. في الختام، لا بد من القول إن التوازن ضروري ومطلوب في مختلف أمورنا الحياتية، فالتوازن هو أن يعرف الإنسان كيفية الوصول إلى حالة الاعتدال النفسي من خلال إزالة العوامل التي قد تسبب له ضغوطات معيّنة وكيف عليه أن يسلك من جهة أخرى، سبيل راحته.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع