تقرير: نانسي عمر
"شخص واحد على الأقلّ يقدم على الانتحار كلّ ٤٠ ثانية!" هذا ما كشفته منظّمة الصحّة العالميّة التي أكّدت أنّ ضحايا الانتحار يقدّرون بنحو 700 ألف شخص حول العالم. وفي العالم العربيّ، تتصدّر مصر القائمة بالمعدّل الأعلى للانتحار بين أبنائها. أمّا في لبنان، فقد كشفت الإحصائيات أنّ حالات الانتحار تشهد منذ عام 2016م ازدياداً مطّرداً بلغت نسبته 35.5%، وهو رقم صادم ومخيف ويستدعي الوقوف عنده. يبرز على رأس الأسباب المؤديّة للانتحار الضغط النفسيّ المتراكم. للتعرّف أكثر على هذا المرض وأسبابه وعلاجاته، أجرينا مقابلة مختصرة مع الأستاذة ناديا هاشم عطية المتخصّصة في علم النفس العياديّ وعدنا بالتقرير الآتي.
* مرض خطير
تتنوّع أسباب الانتحار، لكن يبرز على رأس القائمة الضغط النفسيّ المتراكم لدى كثيرين؛ بسبب مشاكلهم الحياتيّة المتنوّعة، ما يؤدي بهم إلى اليأس والقنوط، فيلجؤون إلى سلوك عدوانيّ تُجاه أنفسهم ظنّاً منهم أنّهم ينهون به معاناتهم أو عذاباتهم، لكنّهم ينهون حياتهم.
لطالما حذّر الأطبّاء النفسيّون من المشاكل النفسيّة التي يهملها أصحابها إلى أن تتفاقم وتؤدّي إلى أذيّتهم وأذية من حولهم. وقد لا يؤدّي الضغط النفسيّ إلى الانتحار، لكنّه يلقي بظلال ثقيلة على أصحابه إلى حد جمود حياتهم، وتحكّم السلوك السلبي في تصرفاتهم.
* ما هو الضغط النفسيّ؟
الضغط النفسيّ هو حالة نفسيّة تحدث نتيجة تراكم الضغوط والتوتّرات النفسيّة والعاطفيّة اليوميّة، وقد يؤثّر سلباً على الصحّة العامّة والعافية النفسيّة. وتشمل هذه التراكمات:
1. ضغوط العمل اليوميّة.
2. العلاقات العائليّة المعقّدة التي تتخلّلها مشاكل وأزمات.
3. المشاكل الماليّة.
4. سائر الضغوط الاجتماعيّة التي تأتي من البيئة المحيطة.
يمكن تشخيص الضغط النفسيّ عند طبيب نفسيّ أو معالج متخصّص، وذلك عبر مقابلة عياديّة سريريّة واختبارات نفسيّة يجريها المتخصّص للمريض.
* عوارضه
قد يُصيب هذا المرض الأشخاص من الفئات العمريّة المختلفة، ولكنّ أكثر من يُصاب به هم البالغون العاملون عادةً. ويمكن تقدير شدّته بحسب العوارض، والأكثر انتشاراً وشيوعاً منها:
1. القلق المستمرّ.
2. مشاعر الاكتئاب.
3. التعب الشديد والشعور بالصداع والدوار بشكل دائم دون تفسير عضوي.
4. زيادة الشهيّة على الطعام أو فقدانها.
5. كثرة النوم المفرط أو الأرق المستمرّ.
6. صعوبة التركيز وصعوبة القدرة على اتّخاذ القرارات.
7. مشاكل في المعدة والصدر والقلب.
8. تشنّجات في العضلات والأعصاب.
9. مشاكل في الذاكرة وعلى رأسها النسيان.
10. التوتّر العصبيّ وسرعة الانفعال.
* خطورة الضغط النفسيّ
الضغط النفسيّ يمكن أن يؤذي المريض إذا لم يتمّ التعامل معه بشكلٍ صحيح، إذ إنّه يمكن:
1. أن يزيد من مخاطر الأمراض النفسيّة ويسبّب مشاكل اجتماعيّة تؤثّر على علاقات المريض بمن حوله.
2. يؤدي إلى الإصابة بأمراض جسديّة؛ إذ إن الكثير من الأمراض التي يعاني منها الناس اليوم يرتبط إلى حدّ كبير بتعرّضهم للضغط النفسيّ، ومنها أمراض القلب والمعدة والتشنّجات العصبيّة والعضليّة.
3. يؤدي إلى الإدمان؛ ففي معظم الحالات، تعود أسباب ارتفاع معدّلات الإدمان على الكحول والمخدّرات يوماً بعد يوم إلى تعرُّض أصحابها إلى ضغط نفسيّ كبير، لم يؤخذ على محمل الجدّ ولم يُعالج بالطريقة المناسبة، فيلجؤون إلى هذه الأمور، في محاولة للهروب من الواقع والأحداث التي تسبّب لهم التوتّر.
4. يؤدي إلى الانتحار؛ وهو أسوأ ما يفكّر به الإنسان في أذيّة نفسه، أو أن يحاول أذية الآخرين في لحظة انفعال عابرة.
* التفريغ النفسيّ
تمثّل تقنيّة "التفريغ النفسيّ" إحدى أنجح الطرق العلاجيّة أو الوقائيّة من مجموعة من الاضطرابات، منها الضغط النفسيّ، وتقوم هذه التقنيّة بتفريغ تراكم الطاقة السلبيّة من داخل الإنسان؛ لتأخذ شكلاً من أشكال الخروج السلميّ من نفسه، فيخرج عبؤها أيضاً (حزن، إحباط، غضب، صراع، كآبة، قلق..) قبل أن تأخذ شكل الأمراض، ومن وسائلها:
1. المشاركة في مناسبات العزاء، ومواساة الآخرين في أحزانهم والتعاطف معهم.
2. قضاء وقت مع الأطفال واللعب معهم.
3. ممارسة الهوايات، خاصة الرياضية (سباحة، ركض، تسلق جبال، ملاكمة، فنون قتاليّة..).
4. الحديث مع الأصدقاء أو الأهل عمّا يجيش في الصدر، ومشاركتهم الهموم، وقد لا يقدمون أي نصائح، المهم أن ثمّة من يسمعك ويخفف عنك.
5. الكتابة، يمكن أن تخرج الأفكار بشكل منظم إذا أفرغتها على الورق، وغالباً يخرج الكُتّاب من محنهم عند الكتابة التي تنعطف بهم إلى حلول ومشاهد وقصص.
6. المشاركة في أعمال تطوعيّة تعيد إلى الإنسان كثيراً من القيم الإنسانيّة وترمّم ثقته بنفسه.
* التوجّه إلى الله
بحسب علم النفس، فإنّ أول مصادر الدعم النفسيّ للإنسان وأهمّها هو المصدر الروحي والدينيّ، مهما كان الدين الذي يؤمن به، فهو يمدّه بالأمل وبالفرج القريب ويعطيه القدرة على تحمّل صعوبات الحياة، وكلّما كان الإنسان قريباً من ربّه ومؤمناً بمعتقداته الدينية وملتزماً، كانت فرصته في تخطي التوتر والضغط النفسي أكبر بمساعدة عامل التديّن هذا. لذا فإنّنا كمعالجين نفسيّين عندما نتعامل مع متديّنين ننصحهم عادةً باللجوء إلى الله تعالى من خلال تلاوة القرآن الكريم والدعاء والسجود؛ للتخفيف من الضغط الذي يعيشونه، وهي أساليب أثبتت فاعليتها في مساعدة المريض على التعافي بشكل أسرع.
* طرق العلاج
الحديث عن العلاج يعني أنّ الضغط بات في مرحلة صعبة وجدّيّة، ويشمل العلاج عادة:
1. الخضوع لجلسات مع مختصين نفسيّين، يحدَّد عددها بحسب الحالة والتشخيص.
2. لجوء المعالج النفسيّ إلى وصف عقاقير مهدّئة في بعض الحالات.
3. تعلّم استراتيجيّات التحكّم في التوتّر، وأساليب أخرى تساهم في تخفيف حدّته ومنها ممارسة تمارين التنفّس العميق، وتمارين الاسترخاء العضليّ، والمشي لمدّة لا تقلّ عن عشرين دقيقة.
4. اللجوء إلى التفريغ النفسيّ الذي تحدّثنا عنه، وقد يكون بالتحدّث إلى الأصدقاء والأهل عن المشاكل التي يمرّ بها.
وقد أثبتت هذه التمارين فاعليّتها في تخفيف حدّة التوتّر وتفريغ الطاقة السلبيّة لدى الناس.
* نصائح للوقاية من الضغط النفسيّ
حتّى لا يصاب الإنسان بعوارض الضغط النفسيّ، يُنصح بإضافة بعض الخطوات إلى روتينه اليوميّ، منها:
1. إدارة الوقت بفعاليّة.
2. الاعتناء بالصحّة البدنيّة من خلال ممارسة الرياضة.
3. اتّباع حمية غذائيّة سليمة.
4. التواصل الجيّد والإيجابيّ مع الأصدقاء والعائلة.
5. تعلّم تقنيّات التنفّس والاسترخاء.
6. ممارسة الهوايات والأنشطة الترفيهيّة والتطوعيّة.
7. تحديد الأهداف الواقعيّة وتحقيقها ببطء.
8. اللجوء إلى الله تعالى من خلال الثقة به والتقوى والدعاء والذِّكْر والأمل بالفَرَج، وتذكر دائماً قوله تعالى: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: 28).
ونصيحة أخيرة، إذا كنت تعاني من الضغط النفسيّ ولا تستطيع التخلّص منه، فلا تتردّد في استشارة أحد المتخصّصين في مجال الصحّة النفسيّة؛ لأنّه سيساعدك في استعادة حيويّتك وعافيتك.