مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

لماذا لا نقرأ؟

ايفا علوية ناصر الدين

 



• "أمة إقرأ لا تقرأ"
لم تعد هذه العبارة تحمل إلى مسامعنا خبراً جديداً أو مفاجئاً، لأنّ الحديث عن أزمة المطالعة والعزوف عن القراءة بات أمراً مستهلكاً، انتقلنا فيه من مرحلة الوصف والتشخيص إلى مرحلة البحث عن الأسباب والحلول الملحّة لهذا الواقع المرير الذي ينبئ عن وجود أزمة حضارية، فالمطالعة ليست ترفاً فكرياً أو وسيلة لمتعة النفس والترويح عن الذات ويمكن استبدالها بوسائل أخرى مستحدثة، كما يتهيّأ لبعض الناس، بل هي ظاهرة حضارية لا يخفى على أحد ضرورتها وأثرها وأهميّتها كمنارة للعقول في المجتمع، وهي الوسيلة لاكتساب المعرفة والثقافات، وهي مصدر الرفعة والتقدم، وهي رافد للحصول على المعلومات وبناء الشخصية وتنمية المهارات، هذا عدا عن قدسيتها ومكانتها كأول ما نطق به الوحي على رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله عندما نزل إليه بالرسالة الإلهية: ﴿اقْرَأْ.

* أرقام وإحصاءات
عندما نتحدث عن هذا الواقع المرير، تجدر الإشارة إلى وجود الكثير من الأرقام والإحصاءات التي تتحدث عن النسب المزرية للمطالعة في مجتمعاتنا مقارنةً مع المجتمعات الغربية والإحصاءات التي تبين عدد الكتب المنشورة والمترجمة ومنها دراسة تنسب إلى اليونيسكو في عام 2005 تقول إن معدل ما يخصّصه المواطن العربي للقراءة سنوياً هو عشر دقائق في حين يصل معدل القراءة لدى الإنسان الغربي إلى ست وثلاثين ساعة سنوياً وأن المعدّل العالمي السنوي للقراءة يصل لدى الفرد الواحد إلى أربعة كتب وأن نصيب القارئ الغربي (الفرنسي والألماني والإسرائيلي والأمريكي والبريطاني) هو بين 7 إلى 11 كتاباً، بينما نجد أن كل 20 عربي يقرؤون كتاباً واحداً سنوياً.

وتشير الإحصائيات إلى أن 60 % من أصل 300 مليون عربي هم أميون و20 % لا يقرؤون أبداً و15 % يقرؤون بشكل متقطع و5 % يواظبون على القراءة، وأن مجمل الكتب التي تصدر في مختلف أرجاء الوطن العربي لا تبلغ الخمسة آلاف كتاب في السنة الواحدة بينما نجد أن عدد الكتب الصادرة في أوروبا وأمريكا يصل إلى خمسين ألفاً.  وبالتزامن مع هذه الإحصائيّات والتّقارير يلاحظ أنّه لا توجد أية دراسات علمية مركزة تضع موضوع أزمة المطالعة على بساط البحث والتفصيل في الأسباب والآثار ووضع الحلول العملية كمحاولة للخروج من هذا الواقع المظلم.  ومن المهم أيضاً الإشارة إلى أن الحديث عن وجود أزمة مطالعة بدأ يتعدى نطاق الدول العربية إلى حدّ اعتبارها أزمة عالمية، فقد دقت دراسة حديثة في الولايات المتحدة الأميركية ناقوس الخطر عندما أشارت إلى أنّ الطالب الأميركي لم يعد يخصص للقراءة أكثر من 6 دقائق يومياً.

* أسباب في فلك الأزمة
وفي غمار الحديث عن هذا الواقع المرير الذي يتجلى في ابتعاد المجتمع العربي عن الكتاب وعزوفه عن المطالعة للوقوف على الأسباب المؤدية إلى هذه الظاهرة نجد أن البحث يقودنا إلى مجموعة من الأسباب التي لا يمكن إغفالها قبل أن يتم التركيز على السبب الجوهري الذي يختصر المسألة برمتها، وهي:

كثرة الانشغالات: يعتبر بعض الناس أنّ سبب هجرانهم للمطالعة يكمن في عدم توفر الوقت لديهم في ظل كثرة الانشغالات وتشعب المسؤوليات والهموم الحياتية التي تمنعهم من المطالعة أو تخصيص الوقت لها.

ارتفاع سعر الكتاب: حيث يربط الباحثون هجران المطالعة بالأوضاع الاقتصادية الصعبة المترافقة مع ارتفاع سعر الكتاب وانخفاض القدرة الشرائية لدى المثقفين وعموم الناس.

التخمة في المقررات الدراسية: أيضاً من الأسباب التي يُسَلَّط الضوء عليها هو التخمة والتضخم في المقرّرات الدراسية التي تجعل الطالب في نفور وملل من المطالعة الحرة نتيجة الحفظ والحشو بكم هائل من المقررات والتي لا تترك لهم المجال للتوجه ودّياً نحو مطالعة اختيارية تحقق لهم المتعة والفائدة معاً. إضافة إلى ذلك، فإن أغلب المناهج الدّراسية مبنيٌّ على أساس توفير المعلومة جاهزة للطالب حيث لا يعتمد المعلمون أسلوباً محفزاً للطالب على البحث والرجوع إلى الكتب والمصادر الخارجية.

روحيّة عصر السرعة: يعزو آخرون السبب إلى الأجواء التي يفرضها عصر السرعة اليوم الذي طبع الإنسان بسرعة الملل وعدم امتلاك النَفَس الطويل للتبحر في عالم الكتب وتفضيل الوجبات السريعة التي تقدم معلومات عمومية ومختصرة بعيدة عن الغوص في الشروحات والتفاصيل.

سطوة الحياة المادية: يربط بعض الباحثين السبب بسطوة الاهتمامات المادية على الاهتمامات العقلية وغزو ثقافة إشباع الجسد والبعد عن ثقافة غذاء الروح وإشاعة مفهوم أن الحياة فرصة للمتعة وتحقيق الرغبات مما يبعد الناس عن الاهتمامات الثقافية والفكرية.

وفرة في الملهيات: وهو سبب في غاية الأهمية وهو وجود وفرة في وسائل اللهو والتسالي نتيجة التّقدم التكنولوجي الذي نشهده اليوم، من القنوات التلفزيونية إلى أجهزة الفيديو والأقراص المدمجة إلى شبكة الإنترنت التي فتحت بثورتها المعلوماتية بوابة مشرعة على عالم المعلومات والمعارف وخدمات البحث والاطلاع والتواصل الاجتماعي إلى الهواتف الخلوية التي اتسعت دائرة استخدامها من وسيلة للتخابر إلى وسيلة للتسلية والدردشة والألعاب. ومن المعروف أنّ كل هذه القنوات والوسائل تعتبر سيفاً ذا حدين ومن المؤسف أنّ الكثيرين وقعوا في شرك الاستخدام السّلبي الذي أغرقهم في متاهة التسلية الفارغة.

* السبب الحقيقي للمشكلة
بعد الحديث عن أهم الأسباب التي تدور في فلك أزمة المطالعة يأتي السؤال: هل يمكن اعتبار هذه الأسباب مسؤولة عن إيجاد أزمة المطالعة أم أن المشكلة تتوارى في مكان آخر؟ في الحقيقة إنّ هذه الأسباب هي أعذار واهية، فالمشكلة لا تكمن في كثرة الانشغالات ولا في سعر الكتاب ولا في توجهات العصر ولا في المقررات الدراسية، بل تكمن حقيقةً في عدم وجود الميل لدى الفرد والمجتمع للمطالعة أصلاً! ولو كان الميل موجوداً في النفوس لَوُجِدَ الإقبال ولانتفت كل هذه الأعذار، لأن من يحب المطالعة ويقدسها يجعلها في قائمة اهتماماته وأولوياته ويسعى لاستثمار أي وقت ممكن لها كما يفعل الغربيون الذين يستغلون فترة وجودهم في الباص للقراءة حتى لا يضيع الوقت هدراً. وكذلك، فإن من يحب المطالعة ويشعر بأهميتها لا يستحضر ارتفاع سعر الكتاب مثلاً، بل يبحث عن البدائل كارتياد المكتبات العامة والسعي لتوفير ثمن الكتاب على حساب التخلي عن بعض الكماليات. أما من لا يمتلك الميل للقراءة فلن يقرأ ولو قدمت إليه الكتب بالمجان! إذاً، المشكلة تكمن في وجود ضعف في ثقافة المطالعة وقلة الوعي بأهميتها وموقعها الريادي في حياة الفرد وبمنافعها وفوائدها وهذا ما يتجلى في عدم وجود الرغبة والميل والتوجه والإقبال نحو المطالعة. فمن المسؤول عن هذا الواقع وما هو السبيل للحل؟

*مسؤولية الأهل أولاً
إن المسؤوليّة تقع على من يتولّى مسؤولية تنشئة الطفل، ونقصد، بالمرتبة الأولى، الأهل الذين من شأنهم تربية الطفل وتعويده على سلوك معين وغرز المفاهيم والعادات في نفسه، لينمو معه كعادة أو هواية أو حاجة مترسخة يلبّيها عفوياً ويشعر بالنقص لعدم إشباعها. فالأهل هم القادرون على خلق هذا التوجه والإقبال نحو المطالعة في نفوس أبنائهم من خلال أساليب عديدة، أهمها:
إيجاد مكتبة في المنزل، لأننا لا نستطيع إيجاد جوّ للمطالعة في منزل فاقد لأحد أركانها وهو الكتاب نفسه.
تخصيص مبلغ للطفل لشراء الكتب والقصص. وتعليم الطفل ادخار جزء من مصروفه للغاية نفسها.
استغلال المناسبات المهمة لإهداء الطفل كتاباً لإشعاره بقيمة الكتاب وخصوصيته وتعويده على إهداء الكتب لرفاقه.
مرافقته إلى المكتبات الخاصة والعامة والمعارض بشكل دوري والسماح له باختيار الكتب والقصص مع التوجيه.
تخصيص ركن في مكتبة المنزل لكتبه وتعويده على المحافظة على الكتب ليقرأها إخوته بعده.

وأهم من ذلك كله هو التنشئة بالقدوة، لأن كل هذه الخطوات تبقى متكلفة إذا لم يتعود الطفل على مشهد القراءة والمطالعة في منزله، أي إذا لم يرَ أهله يخصصون الوقت للمطالعة ويضعونها في قائمة الأولويات.

* دور المدرسة
يأتي الحديث بالدرجة الثانية عن دور المدرسة وهو دور مهم للتعويض عن تقصير أو قصور الأهل. وكما البيت يجب أن تعمل المدرسة على ترسيخ وإرساء عادة المطالعة في نفوس الطلاب من خلال إجراءات وأساليب عدة يمكن القيام بها، ومنها:

إيجاد مكتبة مدرسية بمستوى لائق، والاهتمام بالجانب الإرشادي للطلاب من خلال أمين مكتبة متخصص ومهتم.
تخصيص حصص دراسية أسبوعية خاصة لارتياد المكتبة من أجل المطالعة الحرة.
تعزيز أجواء البحث العلمي من خلال تحفيز الطلاب على إعداد أبحاث حول المواضيع الدراسية واعتماد علامات تدرج في تقييماتهم.
تنظيم مسابقات ومعارض وأنشطة تهدف إلى تعزيز الكتاب والمطالعة.
وأيضاً، لا يمكن أن نتجاهل دور الإعلام في التأثير وخلق رأي عام وتوجه لدى جمهور الناس حول ثقافة المطالعة ونشر الوعي حول أهميتها وفوائدها وآثارها.

* نحو مستقبل المطالعة
وفي الختام لا يسعنا إلا التّأكيد على أهمية السّعي بكل طاقة وجهد لتغيير هذا الواقع السيئ والمرير، لأن المطالعة هي الماضي والحاضر والتاريخ وأن نتعلق بخيوط الأمل بعودة المجد والوعي لأمة الكتاب والقلم والعلم، لأن بقاء هذا الواقع يسعد ويرضي أعداءنا كما جاء في قول وزير حرب العدو الأسبق موشيه ديان بعد حرب 1967 عندما سئل عن أسباب هذه الحرب، وهل كانت مفاجأة للعرب أم لا.  لقد نفى ذلك وقال: كلا، لقد نشرنا كل ما يتعلق بحرب حزيران قبل وقوعها، لكنّ العرب أمة لا تقرأ.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع