رئيس التحرير
ليس كثيراً إذا قلنا أننا ندق ناقوس الخطر، وليس من المبالغة إذا أعلنّاها صرخة مدوية في الآفاق صادحة في أرجاء المعمورة وشاكية مدى المستوى الذي وصله الناس من عزوف عن القراءة والمطالعة والبحث والمباحثة، في الوقت الذي نشهد فيه ثرثرة قلّ نظيرها ومثيلها وهواية للكلام ليس إلاّ، حتى لو كانت الكلمات المنطوقة تضج من أصحابها فالثرثار الذي يستهلك الكلام أكثر من غيره هو بأشد الحاجة إلى المعرفة لئلا يضيِّع الناس أن يتقن فنّ الأخذ من الغير والاغتراف من العلم والانتهال من الثقافة العامة لئلا يبقى مُوزِّعاً للمجهولات بدل المعلومات فالجاهل العارف بجهله يحاول أن يخدع نفسه بإثارة الضجيج والصراخ والمناقشات الحامية التي تفتقر إلى الموضوعية، مع أن الحل لهذا وغيره هو في التزوّد من الكتب المفيدة وتصميمه على البحث عن نفسه من خلال التفكّر والقراءة، فهو وبدل أن يغرق إلى أذنيه بالبحث عن البرامج التلفزيونية القاتلة للوقت والإنسان، لماذا لا يتأمل في أعماق نفسه ويجيب عن أسئلة مُلحَّة عن الخلق والوجود والخليفة والمسؤولية والواجبات؟ وبدل أن يُشغل نفسَه والناس في أمور تافهة لماذا لا يشتغل بالتحصيل العلمي ليعرف لماذا خلقه الله؟ وما هو الدور الذي ينتظره؟
وهو وبدل أن يتعامل مع أي كتاب يعثر عليه بالازدراء وأنه ما أحبّه من النظرة الأولى، لماذا لا يفتحه ويقرأ في سطوره ليدرك بعد ذلك أنه لا يستغني عنه وعن نظائره؟
ألا يوافقني الرأي من وُفِّقتُ به قارئاً لسطوري هذه، أن ناقوساً يجب أن ندق محذرين من مخاطر الابتعاد عن المطالعة، وأن أمة إقرأ باتت لا تقرأ وأن نصيب الكثير من المقالات والكتابات أن نقيس حجمها طولاً وعرضاً لنقول لها: نلتقي في موعد آخر ـ وهيهات أن يحين الموعد ـ، لقد خطر في البال أن أُعنْون الافتتاحية هذه بعنوان: وأتحدَّاك أن تقرأ سطوري هذه، ورحت أجول حول هذا المعنى ليشكِّل العنوان أسلوباً من أساليب التشجيع ليعطي القارئ دقائق من وقته وإن نصيحتي لكل منصف وعاقل، وقبل أن يحكم على أي كتاب حكماً غيابياً، لا بأس أن يقرأه بتدبر ليكون الحكم عادلاً، وقبل أن يقلب شفتيه رافضاً مقالة في مجلة أو بعض صفحات المجلة نسأله هل تأمّلت المضامين جيداً أم أنك تصرّ على أن تعمل من وحي قول المثل (المكتوب يُقرأ من عنوانه) فتفهم منه خطأ قراءة العنوان دون أن تتوغل في عمق المعنون، إنها نصيحة ودعوة ورجاء لكل الغيارى على هذا الدين، فالأعداء يسعون جاهدين لإبقائنا في بحور من الجهل لنبقى محكومين لأدائهم ومبهورين لتمدنهم، فها هي العودة إلى العلم والدين تتجذّر لتضع رجالاً إلهيين كما في الجمهورية الإسلامية في إيران وكما في لبنان وفلسطين وغيرهما مِمّن لو حملوا على الجبال لأزالوها ذلك أن الثقافة التي يحملها هؤلاء هي التي تصوغ شخصياتهم وبالتالي فإنهم إذا ما قاوموا الاحتلالات فهم قد مهدوا لذلك بجميع أنواع المقاومة لأي من أنواع التحدي الثقافي ومحاولات التطبيع الثقافي الذي يهيّئ الأجواء للأعداء.
فحذار من الوقوع في أفخاخهم، ومن كل الوسائل التي اخترعوها لنا ليسهل خداعنا وانقيادنا واستسلامنا، وكلنا أمل أن نفوّت عليهم الفرص، فالتاريخ البعيد والقريب شاهد على إمكانياتنا وطاقاتنا فهلمَّ إليها والسلام.