(علينا أن نهدم الإيمان وأن نمحو من عقول الأغيار مبادئ الله والروح من أسسها وأن نستعيض عن هذه المفاهيم بالمعادلات الرياضية والرغبات المادية).
"البروتوكول الرابع من بروتوكولات حكماء صهيون".
تعيش الثقافة في لبنان أزمة قديمة متجددة وهي أبرز مصداق للوضع الثقافي للعرب والمسلمين بشكل عام، ذلك أن أزمة الكتاب والقارئ تنعكس سلباً على المستوى الفكري والحضاري والثقافي العام للأمة، مما يستدعي تعبئة شاملة وعلى كل المستويات لمواجهة هذا التحدي الحضاري الذي هو الانعكاس الأهم والأخر للغزو الثقافي الغربي الصهيوني الموجه ضد أمتنا لأجل أبعادها عن الإيمان والمبادىء الإلهية وعن الفكر والعقل القويم وتحويلها إلى أمة مستهلكة تافهة طفيلية مغمورة (إن فكرت بالفكر المادي) انطلاقاً من الأهداف الاستكبارية الشيطانية.
وشعوراً بخطورة هذا التحدي كان لا بد من معرفة حال أصحاب دور النشر التي تقوم دور بنشر المعارف والعلوم الإلهية الإنسانية، وقد كان لنا وقفة مع معرض بيروت العربي الدولي للكتاب 39 الذي أقيم مؤخراً في بيروت.
* آراء الدور:
لقد أجمعت كل المؤسسات الطباعية والناشرة على خطورة هذه الأزمة ومدى انعكاسها على الوضع الاجتماعي وعلى الإنسان وأكدت أن الأزمة قد تصاعدت في الأعوام الأخيرة بشكل ملحوظ.
يقول مدر دار المرتضى الحاج علي الظريف أنه: "لا يوجد التفات لدى الناس للكتاب خصوصاً في الفترة المؤخرة، فهو آخر همهم والسبب في ذلك عدم حب المطالعة، فلا يوجد أشخاص يغذون أنفسهم وروحهم كما يغذون بطونهم"، ويرى أن سبب هذا البعد عن الكتب والثقافة يتمثل في عدة أمور وهي:
أولاً: الوضع الاقتصادي العام في البلدان الإسلامية عامة ولبنان بشكل خاص، فالناس لا تريد جلب مصروف وهم آخر غير المصاريف المعهودة.
ثانياً: المحاربة السياسية الخارجية للكتب الإسلامية خصوصاً منها الشيعية والمحاربة هذه هي من الدول العربية والخليجية بوجه الخصوص فكأنك تدخل مخدّرات بإدخالك كتب المعارف الإلهية.
ثالثاً: وهو الأهم، الغزو الفكري الحضاري الثقافي للأمة الإسلامية والذي يتمثل بوسائل الإعلام (التلفاز والراديو أو المجلات) التي باتت تصنع من نفسها بديلاً عن المطالعة والقراءة وأداة لهو خطيرة.
وفي هذا الإطار أيضاً يقول مدير الدار الإسلامية التابعة لجمعية التعاون الإسلامي السيد هادي محسن الغروي: "هناك هجوم فكري شرس وفي المقابل هناك فراغ أمام هذا الغزو مما ينذر بالخطر للمجتمع وإن هدف هذا الغزو هو إفساد الأمة والمجتمعات الإسلامية، وأكبر خطر هو من التلفزيونات التي باتت منبراً للانحلال الأخلاقي، فالوضع الأخلاقي والتربوي ورادع العفة والحشمة بات معدوماً حتى على مستوى المربّين والمعلمين الأساتذة الذين أصبحوا هم من يشجع هذه المسائل، (فالمصروع) والمنحل هو المتحضر والراقي والمتقدم.
وهذا يظهر مدى الحالة التي وصلنا إليها وهذا آثاره ظاهرة في عدم الإقبال على الكتاب، فإن من يكون مصدر ثقافته التلفاز يتخلى، بل يحتقر الكتاب أحياناً".
ويقول أيضاً: "أن الوضع الحالي الثقافي من ناحية الإقبال على الكتب بات أسوأ وينذر بالخطر، فهناك انحسار كبير على مستوى القرّاء وسبب ذلك:
أولاً وبالدرجة الأولى: الوضع الاقتصادي العام للناس وحتى لدور النشر.
ثانياً: الغزو الثقافي خصوصاً التلفزيونات.
ثالثاً: قلة الوقت أيضاً بسبب الوضع الاقتصادي فإن كان إنسان يعمل أعمالاً إضافية حتى يستطيع العيش بكرامته".
* أزمة الدور:
أما بالنسبة لوضع الدور الآن فإنها تعيش في أزمة كبيرة بسبب وضعها الاقتصادي وبسبب تشتت جهودها، وفي هذا الإطار يقول السيد هادي إسلامي مدير مؤسسة البعثة: لا يوجد نشا جماعي ومتوحد ومؤسسي بل هناك أعمال فردية تقوم بها كل دار مما يؤدي إلى تشتيت جهودها وعدم حصول الفائدة المرجوة.
أما على الصعيد الاقتصادي الذي كان السبب المجمع عليه، فكان سببه ارتفاع أسعار الكتب بنسبة 70% أو حتى 100%، ولدى سؤالنا السيد هادي عن سبب ذلك قال إن السبب هو ارتفاع سعر الورق عالمياً بنسبة 100% وأكثر. وقال الحاج الظريف إن سعر الماعون الواحد كان تقريباً 20 أو 22 دولاراً نهاية عام 1994، فأصبح في العام 1995، 44 دولاراً أي بنسبة 100% زاد الوضع تعقيداً أو فجاعةً.
ويؤكد السيد الغروي أن البيع انحسر 180 درجة، فهو شبه معدوم إلا ما ندر كنتيجة لهذا الارتفاع في الأسعار.
ويقول إن البيع أصبح في موسم معين هو شهر رجب وشعبان وشهر رمضان، حيث يكون في بيع كتب الأدعية لكنه أيضاً غير مرضي عنه.
* في معرض الكتاب
وهذا الارتفاع انعكس جلياً في معرض الكتاب الدولي الذي كانت الحركة فيه أخف من السنوات السابقة كما أكد لنا الكثير من الدور حتى الدور الأكثر شهرة والأكثر مبيعاً، وقد اشتكت مؤسسة رياض الريس للكتب والنشر من قلة الإقبال هذا العام وأجمعت الدور على ذلك، كما واشتكت الدور من مكان المعرض وضيقه وطريقة تنظيمه وتجهيزه بحيث كانت الشكوى واضحة، وردّ الجميع السبب في قلة الحركة إلى ازدياد أسعار الورق بهذا القدر الفاحش.
وإن أبرز مصداق في هذا المعرض لخطورة آثار الغزو الفكري والثقافي هو هذا الكم الهائل من المترجمات عن اللغات الغربية وقلة الاهتمام عند المواطنين بالكتب الثقافية والفكري واتجاههم إلى الكتب العابثة الفارغة وبتعبير أحدهم (طق الحنك)، فمما يريعك أن ترى من الكتب الأكثر إقبالاً كتاب ألف باء الطبخ؟!! ومما يظهر مدى الانحلال الذي وصلنا إليه أن ترى أيضاً من الكتب الأكثر مبيعاً (النصوص المحرمة لأبي نواس) أو (خمسون عاماً في مديح النساء!!) أو كتاب (العنف الأصولي)!! يتبين لنا ما هي حقيقة الهجمة.
ومع ذلك فإن أغلب الدور أكدت أنه لا جديد في مستوى الكتب وفي طروحاتها وأكدت خطورة هذه الهجمة الأجنبية المدروسة، فإن زيارة واحدة للمعرض تظهر لك خطورة هذا الكم الهائل من الترجمات من ناحية وندرة الجديد العربي من ناحية ثانية كوجهي نقيض وكأننا في غفلة عن هذا الغزو الشامل.
يقول السيد الغروي في هذا الإطار أنه منذ سنة 1990م، أي منذ أزمة الخليج التي تزامنت مع الانتشار الأخطبوطي لوسائل الإعلام الغربية في المنطة والكتب التي تنشر في الأسواق أصبحت تكراراً للمكررات واختفى الفكر والإبداع والابتكار، وهذه مسألة خطيرة تستدعي استنفار كل الطاقات.
وأكد الحاج الظريف دور العلماء في مواجهة الغزو وإعادة ربط الناس بالثقافة والفكر الإسلامي الأصيل وحثهم على قراءة الكتب الأصيلة لئلا يغرَّب الناس عن ثقافتهم.
وأشار السيد الغروي والسيد إسلامي إلى مسألة التبليغ من العلماء وعدم وجود الوعي الكامل لخطورة الهجمة.
على الصعيد الاقتصادي الخاص بالدور (يقول الغروي): "هناك أزمة تعيشها أكثر الدور خصوصاً منها الشيعية بسبب قلة المبيعات من جهة وسبب إغلاق أسواق الخليج في وجه الكتب الإسلامية من ناحية ثانية، وهي السوق الأهم للدور، (لقد كان ثلثا المبيع للخليج) لا لشيء إلا لأنها تنشر الإسلام الأصيل،إسلام أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، فالقاعدة هناك "كل الكتب للدور الشيعية محظورة إلا ما تثبت العكس"، فمطلوب منها أن تنشر كتب ابن تيمية أو البخاري وكتب مسلم أو.. أو حتى شمعون بيريز مطلوب أن تكون أهدافها واهتماماتها لنشر هذه والكتب الإباحية والجنسية حتى يسمح لها بإدخال مطبوعاتها كما أكد السيد الغروي.
* الحبة التي قصمت ظهر البعير!
ولكن هل انتهت المأساة عند هذا الحد، يقول السيد الغروي: لم تنته الأزمة فصولاً فجاءنا بعد حرب الخليج متمول سعودي ولمح بأن المجال فتح لإدخال الكتب للسعودية خصوصاً وأن الأجواء ترطبت الآن مع الشيعة فأخذ من أغلب الدور الكبيرة كتباً من كل دار بما يقارب 150 إلى 200 ألف دولار، ولم يعطِ من ثمنها إلا اليسير وذهب بها ولما يعد حتى الآن، لقد ترشحت أخبار عن أن الكتب أحرقت وقبض عليه لكن لا يزال الأمر مجهولاً حتى الآن أهو متواطىء مع النظام أم أن هذا احتيال. أن ما ترشح صحيح وهذا ضعيف ومهما يكن فإن ذلك أغرق طرف الرأس الذي ما زال عائماً وقضى على كل حيوية ونشاط للدور المتضررة، فالعض أقفل.
إذاً كما رأينا فالشيعي في الخليج مغيب عن ثقافته وأنه ليخجل أن يطلب كتاباً يتعرف فيه إلى الدين والشريعة، بينما غيره ودون خجل يطلب الكتب الإباحية وباعتزاز!!!
* الأكثر إقبالاً
أما أكثر الكتب مبيعاً فإنها الكتب التي لا تضر ولا تنفع كتب الطبخ.. فبعض الدور قالت إن الإقبال عندها على كتب السحر والتنجم!!! والبعض الآخر على كتب الغزل!!!. وفي المواسم هناك إقبال على كتب الأدعية "للبركة"!!!.
أما أكثر الكتب الثقافية الإسلامية مبيعاً فكانت في الغالب كتب الإمام الخميني قدس سره وآية الله جواد آملي والشهيد مطهري وآية الله السيد محمد حسين فضل الله والشهيد السيد دستغيب وأكثر المواضيع التي هي مورد إقبال هي مواضيع الأخلاق والعرفان وغيرها.
وفي النهاية ركّز كلُّ أصحاب الدور الإسلامية على ضرورة تركيز العلماء على الثقافة والمعرفة عند الناس وترسيخ الرابط بين المسلم وأصله وثقافته عبر الكتاب وسن بعض السنن الجيدة كإهداء الكتب في المناسبات وقراءة الكتب قبل النوم وغيرها وهذه المهمة ملقاة على عاتق العلماء الأفاضل.