تحقيق: ليندا زراقط
﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ (البقرة: 195) ضياع... انحراف... فساد... قلق... عذاب... فشل... رذيلة... جريمة... ندامة. إنها ظاهرة المخدرات، آفة مدمرة تفتك بالروح قبل أن تفتك بالجسد... تسلب الدين والدنيا من حياة شباب في عمر الزهور وتأخذ بهم إلى طريق الندامة. في هذا التحقيق ننقل للقارئ الكريم تجارب بعض المدمنين وسبل العلاج ورأي الشرع في موضوع الإدمان على المخدرات.
* قصص واقعية
* يقتل أمه ثم يقتل نفسه
(ح. م) شاب مهندس في مقتبل العمر لجأ إلى المخدرات عن طريق أصدقائه تحت تأثير ظروف نفسية ضاغطة كحلٍ للخروج من الهموم ومتاعب الحياة مما جعله أسيراً لهذه الآفة. وذات يوم دخل المنزل وطلب من والدته المال ثمناً لجرعة مخدرات، فلم تذعن الأم لطلبه ورفضت إعطاءه المال، فانتابته حالة جنونية وفقد السيطرة على نفسه، فما كان منه إلا أن أطلق عليها الرصاص فأرداها قتيلة، وسرق المال، وبعد أن استعاد وعيه وعاد إلى رشده، أحسّ بفظاعة ما اقترفت يداه، ولم يتحمَّل ذلك فقتل نفسه.
* سنوات من القهر والألم
يقول (س. د 20 عاماً): سنوات من القهر والألم والضياع أمضيتها في عالم الإدمان. كنت في بعض الأحيان أسرق لكي أؤمن سعر الجرعة أو الحقنة. ثم أيقنت أن الاستمرار بهذا الطريق المدمر سيقضي على حياتي دون هدف ولا رسالة فقررت العلاج وكنت بحاجة لمن يمد لي يد العون كي أخرج من الظلمات إلى النور، والحمد لله بمساعدة بعض الأقارب خضعت للعلاج بعد سنوات عديدة ورحلة طويلة مع الإدمان. لم تكن فترة العلاج سهلة علي، فقد عانيت كثيراً، سنة كاملة قضيتها متنقلاً بين مراكز العلاج، حتى تخلصت من هذه الآفة المميتة. أنا اليوم إنسان طبيعي وأعيش حياة طبيعية، علاقتي بأهلي جيدة، وعلاقتي بنفسي ممتازة، وحقَّقت استقراراً نفسياً واجتماعياً وعادت مكانتي عند الأسرة والمجتمع، وامتهنت عملاً شريفاً، أحصد منه رزقي بعرق جبيني. وصيتي إلى كل مدمن عكرت صفو حياته المخدرات، أن يترك هذه الآفة القاتلة، فهي ليست أكثر من وهم.. وأنصح جميع الشباب بالابتعاد عن أصدقاء السوء والمنحرفين، والتمسك بالدين.. وأطلب من الجهات المعنية والمؤسسات والجمعيات الأهلية إنقاذ الشباب من الوقوع في فخ المخدرات عبر الحملات والندوات والإكثار من الإرشادات التوعوية ضد هذه الآفة.
* احذروا رفقاء السوء
يقول (ر. ح): هناك عوامل عديدة جعلتني أدخل إلى عالم المخدرات، أما العامل الرئيس الذي كان وراء إدماني فهو أصدقاء السوء. كان أكبر همي هو نفسي وإحساسي لدى أخذي جرعة المخدرات، كان اهتمامي محصوراً بشعوري باللذة. ولكن عندما كنت أعود إلى رشدي وأستعيد وعيي كنت أشعر بحقارة نفسي وأتساءل: ما هذا الذي فعلته؟ وإلى أين سوف أصل؟ ولماذا أفعل هذا بنفسي؟ ويضيف: الأذى الأكبر الذي يتعرض له متعاطي أو (مدمن الحشيش)، أنه ينعزل عن العالم وتتراجع حياته ويتوقف مستقبله. المخدرات تجعل الإنسان هامشياً، بعيداً عن الحياة ولذلك أحذّر الشباب من الدخول في متاهات المخدرات، فحياتنا غالية علينا وعلى أهلنا وعلى المجتمع، وأقول لكلٍّ منهم: لا تجعل دخولك لعالم المخدرات حجة للهروب وحل المشاكل فتتحول المشكلة إلى كارثة يصعب حلها. الحياة جميلة مهما كان فيها من مصاعب.. وأوجه نداءً للأهل من منطلق معاناتي الشخصية مع المخدرات: احذروا رفقاء السوء واحرصوا على أبنائكم منهم. ويغص بالبكاء مطرقاً برأسه إلى الأرض ثم يكمل: اليوم أعتبر نفسي إنساناً آخر لديّ عملي وبيتي وحياتي، تزوّجت ولدي ابنتان وأنتظر مولوداً جديداً. أشعر بعد التعافي والإقلاع عن المخدرات أنني أعيش أفضل أيام عمري، فقد أصبح لي قيمة عند أهلي وحياتي جميلة وأنا سعيد بها.
* خسرتُ كل ما أملك
هاني رأى الموت بعينيه نتيجة جرعة زائدة فوضع نفسه بين خيارين إما العلاج أو الموت. يروي قصته: من أكثر الناس الذين تأذوا بسبب إدماني هي أمي. فالأم عندما ترى فلذة كبدها يتعاطى المخدرات ويتألم ويموت كل يوم أمام عينيها، تتأذى وتتألم، وأمي كانت تتأذى وتحترق من الداخل بسببي. هجرت المجتمع والناس وانعزلت عن العالم. تركت أمي وأخواتي وجميع العائلة ورافقت أناساً سيئين ومدمنين.. حتى دراستي في الجامعة توقفت عنها. لقد خسرت كل ما أملك من مال بسبب إدماني على المخدرات وغرقت في الديون... وأهم من هذا خسرت سنوات عمري وصحتي، وعدا ذلك تورطت مع تجار مخدرات ومافيات وفي مشاكل وصلت إلى حد الحياة والموت. وفي أحد الأيام تعاطيت جرعة قوية فقدت على أثرها وعيي، رأيت الموت بعيني فقلت في نفسي "كفى! عليّ أن أختار إما العلاج وإما الموت" لم يكن هناك حلّ آخر. فقررت العلاج... والحمد لله تعالجت وتعافيت من الإدمان. الآن هاني القديم مات. هاني الجديد يعيش حياة ثانية، أشعر الآن بأنني إنسان طبيعي. أما أيام الإدمان فلا أعدها ولا احتسبها من عمري.
* الهيئة الصحية وعلاج الإدمان
تقوم الهيئة الصحية الإسلامية باستقبال وعلاج حالات الإدمان عن طريق فريق عمل مؤهّل ومتكامل، ما هو دور الهيئة؟ وما الذي تقدمه لمساعدة مرضى الإدمان؟ تقول ريما بدران المشرفة على مركز العناية النفسية: بدأنا بموضوع معالجة الإدمان عن طريق حملة توعية بأضرار المخدرات من خلال إقامة العديد من الندوات واللقاءات وتنظيم مسرحية في عدة مناطق. نقوم باستقبال حالات مرضى الإدمان فنتعامل مع كل حالة حسب نوع مادة التعاطي، فإذا كان لا زال في البدايات كتعاطي الحشيش أو الحبوب "tramal" فهو ليس بحاجة لسحب المادة "Detox" ويُعطى علاجاً بديلاً عن المادة التي يتعاطاها تحت إشراف الأطباء ومراقبتهم، أما في حال كانت الحالة متطورة أكثر كتعاطي الهيرويين والكوكايين عندها تحوَّل الحالة إلى مستشفيات خاصة لسحب المادة. بعد الانتهاء من علاج سحب المادة نتابع تحويل المرضى لمراكز التأهيل، فالمدمن بحاجة لإعادة تأهيل طبي ونفسي واجتماعي عبر برامج علاجية على مستوى عال من التأهيل والكفاءة سواء كان ذلك عبر أطباء أو أخصائيين اجتماعيين أو نفسيين ليُعاد بناء شخصيته وليرجع عضواً فاعلاً في مجتمعة. أما عن أسباب إدمان الشباب فتقول: جلسنا مع ما يقارب ثلاثين مريضاً أو أكثر وكانت الأسباب الرئيسة لإدمانهم تتلخص بـ: ضعف الرقابة الأسرية، رفاق السوء الذين يقومون باستدراجهم، وللأسف هناك ضحايا كثيرة وقعت في الإدمان نتيجة الغلط والغدر وخاصة المراهقين الذين لديهم الفضول للتعرف إلى كل شيء فيجرب هذه المواد ظناً منه بأنه لن يقع في براثن شرها فيتورط بها حتى يصبح مدمناً. وتلفت بدران إلى أنه لا توجد أعداد أو إحصائيات حول عدد المصابين بهذا المرض. ومن يأتون للعلاج لا يمثّلون العدد الحقيقي للحالات, وخاصة الفتيات.
* رأي الشرع
وحول الرأي الشرعي كان هذا اللقاء مع الشيخ الدكتور محمد شقير.
- ما هو حكم تعاطي المخدرات شرعاً؟
إن تعاطي المخدرات يتعارض مع الشريعة الإسلامية التي حرصت على المحافظة على الدين وحماية العرض والنفس والمال والعقل. فحرَّم الدين المخدرات والمسكرات وحتى ترويجها والاستفادة منها مطلقاً نظراً لما يترتب على استعمالها من أضرار شخصية واجتماعية معتدّ بها. ومن هنا يحرّم التكسب بها، ويحرّم أيضاً حملها ونقلها وحفظها وبيعها وشراؤها وغير ذلك. وأي نوع من أنواع المساعدة على هذا الموضوع هو حرام.
- كيف يعالج الدين هذه الآفة الخطيرة؟
يسعى الدين إلى استنقاذ المدمن، فيتعامل معه كضحية، ويسعى إلى مساعدته وإنقاذه، وذلك عبر معرفة الأسباب التي أدّت به إلى الإدمان، فإن كان سببه ضعفاً دينياً أو وضعاً نفسياً، يسعى الإسلام لعلاجه. ويلعب الإيمان دوراً أساساً في هذا المضمار، ويكون ذلك عبر تحصينه للحؤول دون عودته مجدداً إلى براثن المخدرات. أما في حال لم ينفع العلاج عندها فالعقاب هو الحل، وبه سبيل إنقاذه. وقد يكون العقاب جزءاً من العلاج، كالسجن مثلاً، ولذا يجب أن يكون العقاب ملائماً ومتناسباً مع الجرم الذي ارتُكب. ويختلف الترويج عن الإدمان، باعتبار أن المروج يسبب ضرراً أكبر على مستوى الفرد والمجتمع، وبالتالي لا بد من العقاب، ولا بد أن يكون العقاب في هذا المورد صارماً؛ باعتبار أن المخدرات من الآفات الخطيرة على الفرد والمجتمع، ومن هنا قد ينطبق على هذا الموضوع صفة الفساد وتكون عقوبته "عقوبة الإفساد في الأرض" المنصوص عليها في القرآن الكريم والروايات، وقد تصل العقوبة إلى الإعدام . ولا بدّ من ملاحظة أن أثر الفساد والإفساد خطير جداً، ولو سارت الأمور على مقتضى أهواء المفسدين، فالمجتمع يفسد كله. قال تعالى: ﴿وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ*الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ (الشعراء: 151-152). وقال: ﴿الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ﴾ (النحل: 88 ). وقال: ﴿وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ (الرعد: 25). إن العذاب يضاعف للمفسدين؛ لأنه قد تعدى فسادهم لأنفسهم إلى إفساد غيرهم. إن الفقه الديني يحرّم الاتجار والترويج والتعاطي بالمخدرات ويرى أن بيعها لا يجوز حتى في الدول غير المسلمة.
- ما هو سبيل الوقاية الذي يجنب الوقوع في شرك المخدرات؟
إن الإيمان أعظم سلاح للوقاية من الإدمان. وهو صمام أمان، لذا يجب تعميق الحصانة الذاتية في وجه هذه الظاهرة وذلك عبر: تحسين مستوى الفرد على الجانب الديني والعمل على تقوية الوازع الديني. فالإيمان صمام أمان للمسلم، يضبط تصرفاته، ويجعله يعي مخاطر هذا الموضوع وما يترتب عليه. ويجب أن تكون لدى الفرد ثقافة واعية وفي نفس الوقت يجب أن لا يسمح للفراغ وما يترتب عليه من آثار سلبية أن يتسلل لنفسه. وفي الختام نوجّه نصيحة للأهل وللمجتمع للتعاطي مع هذا الموضوع باهتمام قبل وقوع الأبناء والأفراد في الإدمان. وأهمية الموضوع تستلزم من الجميع اهتماماً أكبر حتى لا نخسر أحداً. ولا بدّ في هذا السياق من التركيز على الجانب الديني والتربوي وتنمية الوعي عند الشباب.