مقابلة مع رئيس بلدية الغبيري الحاج محمد سعيد
الخنسا
حوار: جومانة عبد الساتر
يعدّ العمل التطوّعي أداة مهمة ومكمّلة للرقيّ بمحتمعاتنا
في شتّى المناحي الحياتية. ولا يمكن لأي مجتمع الاستغناء عن الدور الذي يمثلِّه
فيها. وتركِّز غالبية الدول جهودها لدعم مساهمات المتطوّعين للوصول إلى الأهداف
التنمويّة. فالعمل التطوّعي يساهم بشكل كبير في المجالات التنموية والإنسانية.
فما هو مفهوم العمل التطوّعي وما هي تقنيّاته؟ وما هو الإطار التنظيميّ لهذا العمل؟
ماذا يريد المتطوّع وماذا تريد المؤسسة منه؟ أسئلة عديدة نطرحها على رئيس
بلدية الغبيري الحاج محمد سعيد الخنسا.
س: ما هو مفهوم العمل التطوّعي؟ وهل تضع البلديات في
أولوياتها تشجيع العمل التطوّعي؟
منابع العمل التطوّعي تأتي إمّا من مروحة إنسانية أو من حالة فكريّة معينة أو
ارتباط بمفهوم عقائدي. نحن في مجتمعاتنا التي يغلب عليها الطابع الإسلامي
هناك شيء أساسي ألا وهو حبُّ الإنسان، في الارتباط ما بين حبّ الله سبحانه وتعالى
وحب الناس وبالعكس، وفي الحديث الشريف: "الخلق كلّهم عيال الله فأحبهم إلى
الله عزّ وجلّ أنفعهم لعياله"(1)، وفي حديث آخر: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في
الجنة"(2) وأشار الرسول إلى إصبعيه. ومن هنا التركيز على التكافل الاجتماعي
والإنساني وخدمة الناس. وهذا شيء مركّز في المفاهيم العقائدية ما ينشئ حالة
نموّ فكري وثقافي في وسط الإنسان من أجل أن يصبح متطوّعاً. نحن كبلدية في شكلٍ عام
يغلب عليها الطابع الإنسانيّ والرسالي إلتزامنا واضح. وإذا كنا حريصين على خدمة
الناس يعني ذلك أنّنا حريصون على العمل التطوّعي والذي يتأتّى من عدَّة جهات:
- لجان مختصَّة في البلدية.
- دعم المجتمع الأهلي والترابط مع هذه اللجان لنكون بديلاً عنها والتواصل مع أهل
الاختصاص كلٌّ في اختصاصه.
إذاً، العمل التطوّعي هو تعبير عن إرادة فعل الخير من قبل المؤسسة أو المجتمع، أما
تأطيره فيتمُّ إمّا عبر لجان محلية أو هيئات المجتمع الأهلي أو عبر لجان
الأحياء أو ما شابه ذلك.
س: ماذا تريد المؤسسة من المتطوّع وماذا يريد المتطوع من
المؤسسة؟
ج: سعادة الإنسان, لكن إذا لاحظنا عدد المؤسسات التربوية الموجودة في الضاحية
الجنوبيّة نرى أنّ معظم هذه المؤسسات وغيرها من أعمال البر والأعمال
الاجتماعية قد بنيت بفعل عمل تطوّعي. نحن نريد أن ننمِّي حالة التطوّع لتـزيد خبرة
وإمكانيات البلدية مع خبرة وإمكانيات الناس ونخلق بالتالي مجتمعاً حضارياَ
ومتكاملاً.
س: ما هو تقييمكم للعمل التطوّعي ضمن إطار البلديات عموماً
وبلدية الغبيري خصوصاً؟
ج: هناك قسم منه جيد وإيجابي، كالتطوّع في موضوع رعاية الشباب والتطوّع في موضوع
المتسرِّبين والتطوّع في بعض الأندية الشبابية التي تملأ فراغ الشباب. وأيضاً
هناك تطوّع لجان الأحياء لرعاية مشاريع مستمرّة خاصة في الأحياء الفقيرة التي يوجد
فيها إشكالات قانونية. هذا فضلاً عن التطوّع في حركة المستوصفات وكلها أعمال
تطوعيّة تصبُّ في إطار خدمة الناس وراحة المواطنين. كبلدية استطعنا تدريب
ثلاثماية وسبعين فتى من المتسربين وذلك من خلال إقامة دورات فنية ومهنية لمدة ستة
أو سبعة أشهر، وهذا يعتبر أنموذجاً سيستمر بطريقة أو بأخرى بالإضافة إلى وجود
مكتب متخصص بالتنمية يتعاون مع حركة المتطوّعين.
س: كيف يتم تدريب وتأهيل المتطوِّعين؟
ج: أجرينا دورات متعدِّدة أبرزها دورة لاختصاصيين في التوجيه ومعالجة موضوع الإدمان
ومنع تسرّب المخدِّرات إلى مجتمعنا وذلك بالتعاون مع المواطنين أهل الخبرة
للمساعدة في التدريب والتأهيل مجاناً، بالإضافة إلى بعض الندوات التي نقيمها
باستمرار في البلدية سواء الفكرية أو غيرها وكلها يقع ضمن العمل التطوُّعي
حتى أننا قمنا بأعمال بيئية بالاشتراك مع المدارس في بعض المناطق كزراعة
الأشجار. وفي شهري (محرم وصفر) فإنَّ أكثر الشباب العاملين في رعاية مجالس أبي عبد
الله الحسين عليه السلام في الحقيقة هم متطوِّعون وذلك للحفاظ على النظام
العام ومساعدة الناس. يوجد هناك تعاون إيجابي ما بين المؤسسة وهيئات المجتمع الأهلي
حيث ونتيجة التعاون الأخير مع الكشافة تمكنا من إزالة الشعارات واستطعنا قبل
فترة إنجاز حملة زراعية وكشفية. وفي شهر رمضان قمنا بحملة بالتعاون مع رابطة
النهضة الاجتماعية لتأمين موائد الرحمن ومائدة الإمام زين العابدين عليه السلام
للفقراء. كما تعاونا مع بعض المتموِّلين لتأمين حصة غذائية للفقراء في
المنطقة، وكلها تسمّى تعاوناً وتبرّعاً من مجموعات أهلية.
س: إلى ماذا تعزو ظاهرة التراجع عن العمل التطوعي عند
الشباب؟
ج: هناك عدَّة أسباب:
ـ النظرة الماديّة للحياة واستغراق الناس في المشاكل المادية.
ـ عدم التركيز في زحمة العمل السياسي على علاقة المحبّة بين الناس ونشر روح المحبة
بينهم وعندما يتمّ هذا الأمر تصبح هناك علاقة إنسانية.
ـ ابتعاد بعض المعنيّين الكبار الذين يعتبرون أنموذجاً عن بثِّ روح المفاهيم
المتعلقة بعمل الخير. فالإمام زين العابدين عليه السلام كان يحمل الطعام إلى
بيوت الفقراء ويوصله بنفسه حتى تورّمت كتفاه. في موضوع مساعدة الناس علينا أن
نبتعد قليلاً عن البيروقراطية، فمساعدة الناس ليست ورقة وقلماً وتعاملاً مادياً.
يجب علينا أن نُشعر الإنسان الذي نساعده بأنَّه هو المتفضِّل علينا وليس
العكس، هذا هو السلوك الذي يوصلنا إلى الله. نحن بحاجة إلى إعادة النظر في الذات
أولاً وفي المؤسسات ثانياً وكلنا نتحمّل المسؤولية كلٌّ في موقعه كما جاء في الحديث
الشريف " كلكم راع وكلكم مسوؤل عن رعيته"(3). أدعو المؤسسات الاجتماعية
المعنيَّة بخدمة الناس إلى أن تتجاوز الكثير من البيروقراطيات الموجودة وتلتقي فيما
بينها وتبحث في تقويم هذا العمل وتنظيمه.
س: ما هي التحديات التي تواجه عملكم في هذا الإطار؟
ج: أبرز التحديات هي:
- الموضوع القانوني
- اعتقاد الكثير من الناس أنَّ المال العام ليس بدقّة المال الشرعي، وهذا خطأ
استراتيجي لأنَّهم يعتقدون بعمومية المال والمساعدات لكلِّ الناس وهذه
المشكلة نواجهها أيضاً في التعاطي الرسمي. ولا بدَّ من تصحيح لهذا المفهوم الخاطئ
لأنَّ المال هو مال مقدَّس كالمال الشرعي.
- حجم الواقع الاقتصادي الكبير جداً، وهو ما يضطرنا لتوزيع الأمور بطريقة ضيقة،
كإنشاء مدرسة قد تكلِّفنا خمسة ملايين دولار من أموال البلدية، لكن الناس لا
يعتبرونها مساعدة بينما هي في الواقع مساعدة لهم لتأمين مقاعد دراسية. فبالرغم من
أنَّ هذا حق طبيعي لهم، لكن ارتأينا أن ننشئ هذه المؤسسة التي تعود بالفائدة
على ألف طالب بدلاً من أن نوزِّع عليهم مساعدة بقيمة مئة دولار لكلِّ شخص.
س: هناك إشكالية حول مجانية العمل التطوعي، هل يعني عدم
ابتغاء الجمعيات الربح أن يخضع المتطوعون للاستعباد؟
ج: هناك بعض المساعدات تقدَّم إليهم لكننا لا نحلّ مكان الحكومة في كثير من المواقع.
في بلدية الغبيري هناك مكتب يعنى بالعاطلين عن العمل حيث يتمُّ التعاون مع
بعض المؤسسات لتأمين العمل اللازم لهم واستيعابهم واستطعنا تأمين عمل لعدد كبير
منهم من اختصاصات متعدِّدة ووفقاً لحاجات المؤسسات. إذاً نحن صلة وصل ما بين
ربِّ العمل والعامل ونأمل أن تفعل الدولة ذات الشيء.
س: إذا أجرينا مقارنة بين العمل التطوّعي في الغرب حيث
يتمّ تنظيم التطوّع مقابل نـزعة فردية موجودة وبين العمل التطوُّعي في لبنان
حيث توجد أسس ثقافية للتطوّع تمتد على المستوى العائلي إلى الجيرة والمجتمع الأوسع
لكن يوجد نقص في تنظيمها، فكيف يتمّ تنظيم العمل التطوّعي؟
ج: إنَّ حركة التطوّع سواء أكانت في الغرب أو الشرق فإنَّها تنبع من ضمير إنساني
وإن اختلفت العقائد لأنَّ هناك هامشاً معيَّناً بين كلِّ الأديان والفئات
والإمام علي عليه السلام قال في هذا السياق: "الناس صنفان إمَّا أخ لك في الدين
وإمَّا نظير لك في الخلق"(4). ففي الغرب رغم نظامهم العلمانيّ إلا أنَّهم استطاعوا
أن يؤمِّنوا تكافلاً اجتماعياً لخدمة المواطن وهذا ما نفتقده في مجتمعاتنا العربية
وتحديداً النفطية حيث يوجد الكثير من الفقراء وهذا ما يدعو للأسف. من المعروف أنَّ
المقاومة بُنيَت في جزء كبير منها على تبرّعات الناس وتطوّع الناس فكيف
بالقضايا الأخرى. هنا يُبنى مسجد وهناك حسينية وهكذا. وأذكر أنَّ مركز دار الحوراء
الطبي في بئر العبد قدَّمته امرأة محسنة. فهذه المحطات يجب أن توثَّق حفظاً
لتاريخ المقاومة حيث كانت الهيئات النسائية التي لا تقاتل، تطهو وتبلسم جراح
المجاهدين. من أهمِّ محفِّزات العمل التطوّعي العمل بمفهوم الثواب والعقاب.
لكن في
أكثر المراكز في المجتمع اللبناني هناك فقط مفهوم العقاب أمَّا مفهوم الثواب
فلا يأتي إلا نادراً أو بعد استشهاد أحدهم أو بعد أن يصبح جريحاً دائماً. من
الضروري أن يُصار إلى تكريم الناس التي تعمل في العمل التطوُّعي أثناء
تأديتهم لهذا العمل حتّى تصبح هذا السنّة إيجابية في تطوير هذا النشء لأنَّ هؤلاء
الناس يجب أن يكرَّموا ويقدَّروا.
(1) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج16، ص345.
(2) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج35، ص117.
(3) الدر المنثور، جلال الدين السيوطي، ج3، ص69.
(4) نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، ج3، ص84.