نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

العمل التطوّعي في الإسلام


الشيخ إسماعيل حريري


قال الله تعالى في كتابه المجيد في وصف أمّة من أهل الكتاب يؤمنون بالله واليوم الآخر:
﴿... وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ(آل عمران: 114). يستفاد من الآية الكريمة أنّ المسارعة في الخيرات من صفات المؤمنين بالله تعالى حتى أنّ ذلك جعلهم من الصالحين المرضيّين عنده عزّ وجلّ. إن الخيرات عنوان عام يشمل كلّ فعل خيرٍ يقوم به الإنسان، ويطلق على فاعله "فاعل خير"، ويمدحه العقلاء جميعاً على هذا الفعل. ومن مصاديق فعل الخير العمل التطوّعي الذي يقوم به الإنسان خدمة لبني جنسه دون أن يبتغي على ذلك أجراً ماديّاً، ولذلك يقال له: العمل التطوّعي. ولهذا العمل التطوّعي مصاديق عدّة تتضّح من خلال الأمور التالية:

- أولاً: ماهيّة العمل التطوّعي
لا يختصّ العمل التطوّعي (بالمفهوم الإسلامي) بعمل المؤسّسات والجمعيّات حكوميّة كانت أم أهليّة، بل دائرته أوسع من ذلك لتطال الفرد، بل نرى التركيز في النصوص الشرعيّة على تشجيع الأفراد على المبادرة إلى فعل الخير والمعروف وتقديم النفع للناس جميعاً. ومن الحكمة في ذلك أن يشارك الجميع في خدمة الجميع. ولو اقتصر العمل التطوّعي على العمل المؤسّساتي لجعل كثيراً من الناس يعزفون عن المشاركة بدعوى وجود مؤسسات تُعنى بذلك وترعاه، وهذا لا يعطي الغرض المطلوب من هكذا أعمال وتكون الثمرة جزئية حينئذٍ. ومن النصوص المشار إليها ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "الخلق كلّهم عيال الله وأحبّهم إلى الله عزّ وجلّ أنفعهم لعياله"(1). وسُئِل صلى الله عليه وآله: من أحبّ الناس إلى الله؟ قال: "أنفع النّاس للنّاس"(2). وستأتي نصوص أخرى لاحقاً أيضاً.

- ثانياً: أهميّة العمل التطوّعي في الإسلام
من خلال النظر في الآيات والروايات ندرك أهميّة هذا العمل وذلك لشدّة ما ورد من الحثّ عليه، فمن الآيات:

1- قوله تعالى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ (المائدة: 48).
2- قوله تعالى لزكريا عليه السلام وأهله: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ...(الأنبياء:90).
3- وقوله تعالى: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ...(البقرة: 177). والبرّ هو عمل الخير تطوّعاً. وقد ذُكر في الآية مصاديق عدّة له. وقد وردت روايات كثيرة في ذلك منها ما تقدّم عن رسول الله صلى الله عليه وآله إذ إنّ العمل التطوّعي من مصاديق نفع النّاس، بل لا يكون النفع للنّاس إلاّ بخدمتهم بجهد الفرد وطاقته بما يرفع حوائجهم ويكشف كربهم ويفرّج الهمّ والغمّ من خلال تطوّعه في ذلك. ومنها أيضاً: عن مولانا أبي جعفر الباقر عليه السلام: "الخلق عيال الله فأحبّهم إليه أحسنهم صنعاً إلى عياله"(3). وعن مولانا أبي عبد الله الحسين عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "من ردّ عن قوم من المسلمين عادية (ماء) أو ناراً وجبت له الجنّة"(4).

- ثالثاً: دوافع العمل التطوّعي
لا يمكن أن يقدم الإنسان العاقل على فعل إلاّ بدافع يدفعه إلى ذلك، وقد يختلف هذا الدافع من فرد لآخر. ولا نريد أن نتوسّع بذكر هذه الدوافع، بل نريد التركيز على جملة من الدوافع الخيّرة لأنّها الغالبة بين الناس:
1 - حب الخير والإحسان للآخرين، وهذا في الحقيقة موجود في فطرة الإنسان، لولا أن تنازعه عوامل خارجيّة تبعده عن ذلك، ولذلك لا نرى أحداً في شرق الأرض وغربها إلا ويمدح أصحاب هذه الأعمال حتّى ولو لم يكن هو منهم إلاّ ما شذّ، فيقيس عمله بمقياس الربح والخسارة الماديين.

2 - إيثار راحة الآخرين على راحة النفس، وهذا قد نجده في بعض الأفراد ممّن يرون أنّ راحتهم بإسعاد الآخرين وراحتهم، ولا يجدون في ذلك إلاّ الراحة التامّة ولذّة العيش بنفس مطمئنة على ما قام به من عملٍ أراح غيره وإن أتعبه. وهذا ما نراه في أولئك الأنصار الذين استقبلوا المهاجرين في المدينة حيث آثروا المهاجرين على أنفسهم مع ما هم عليه من الفقر والحاجة، وقد حكى الله تعالى حالهم بقوله ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(الحشر: 9).

3 - الأجر الأخروي من أقوى الدوافع التي تحرّك الإنسان لعمل الخير والتطوّع لخدمة الناس ورفع حوائجهم، حيث إنّ من يؤمن بالله واليوم الآخر يدرك أنّ الله تعالى سيجازي في هذا اليوم العباد على أعمالهم إن خيراً فخير وإن شرّاً فشر، قال تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ(الزلزلة: 7-8). كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "من ستر (أسرّ) مسلماً ستره (سرّه) الله عزّ وجلّ في الدنيا والآخرة، ومن فكّ عن مكروب كربه، فكّ الله عزّ وجلّ عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته"(5).

4 - الأخوّة الإنسانيّة فضلاً عن الأخوة الإيمانيّة هي حافز ودافع لكثير من الناس للنهوض في مساعدة إخوانهم من بني جنسهم أو من بني دينهم، فنرى المبادرات الفرديّة والجماعيّة قائمة في عمومها على دافع الإنسانيّة والأخوة في الدين، ولذلك يعبّرون عن المساعدات التطوّعية والأعمال التطوّعية بالمساعدات والأعمال الإنسانيّة لأنّ الذي حرّك إلى المساعدة هو الحسّ الإنساني بالدرجة الأولى.

- رابعاً: مصاديق العمل التطوّعي
هي كثيرة جداً، ويمكن تصنيفها تحت عنوانين:
أ- العمل ويشمل:

1 - خدمة العجزة وكبار السن ممّن أخذ منهم العمر مأخذه فتركهم محتاجين لا معين لهم في حياتهم الشخصية.
2 - خدمة الأيتام، ومن المعلوم أنّ كفالة اليتيم من أفضل العبادات وأشدّ الأعمال ثواباً، فإنّ كافل اليتيم قد ضُمنت له الجنّة بصحبة رسول الله صلى الله عليه وآله، كما أن رعايتهم حياتياً من جميع الجهات من مهمّات الأعمال الصالحة.
3 - خدمة الفقراء والمحتاجين، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (المعارج: 24-25).
4 - خدمة المرضى الذين أضحوا بحاجة إلى رعاية واهتمام بسبب المرض، وهذا يشمل المقعدين والمعوّقين والجرحى وغيرهم.
ب - الإنفاق المالي، وهذا يقدّر بقدر ولا يحدّ بحدّ وإنما يرجع في ذلك إلى رغبة المتبرّع، لكن كلّما كان الإنفاق المالي يسرّع في قضاء الحوائج لا سيّما الديون والعلاج ونحو ذلك كلّما كان العمل المذكور ذا أجر أكثر وثواب أكبر.
ومن أبرز مصاديق الإنفاق المالي: الصدقات، وكذلك القروض الحسنة أي غير الربويّة حيث ورد الحثّ عليها وقدّمت من حيث الثواب على الصدّقات، وقد قال تعالى: ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ...(البقرة: 245- الحديد:11).

ختاماً: إنّ من بادر إلى التطوع في عمل الخير أو قدّم مساعدة ماليّة لسدّ حاجات المحتاجين والفقراء يكون ممّن يسارع في الخيرات، ويعمل خيراً ليراه خيراً يوم القيامة. والعمل التطوّعي يوحّد المجتمع ويقوّيه وينميه والله تعالى يبارك به وبأهله وأصحابه.


(1) قرب الإسناد، ص120، ح421.
(2) الكافي، ج2، ص164، ح7.
(3) الأصول الستة عشر، ص102.
(4) الكافي، ج2، ص164، ح8.
(5) عوالي اللآلي، ج1، ص375،/ ح95.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع