نسرين إدريس قازان
اسم الأم: غادة السبلاني.
محل الولادة وتاريخها: بعلبك 16/9/1989م.
رقم القيد: 122.
الوضع الاجتماعي: عازب.
تاريخ الاستشهاد: القصير 20/5/2013م.
لكلّ امرئ في الحياة تاريخ مفصليّ تتغيّر فيه وجهته ومصيره إثر حادثة أو موقف،
أو ربّما كلمة. وباكراً جداً حلّ هذا التاريخ في حياة محمد؛ إذ كان في الرابعة من
عمره حين استشهد سماحة السيّد عبّاس الموسوي (رضوان الله عليه)، فجلس الطفل الصغير
أمام التلفاز باكياً ناحباً يصرخ: "يا حبيبي يا سيّد عباس" -ولم يكن آنذاك يعرف أن
يلفظ كلمة "الموسوي" بشكل صحيح-، فخافت عليه أمّه وأخرجته من الغرفة محاولةً
تهدئته. وهي وإن نجحت آنذاك في التخفيف من نحيبه، إلّا أنّها، قطعاً، لم تخفّف من
نار الغضب والرغبة في العقاب التي تولّدت في نفسه من العدو الصهيونيّ. وقد عرف أنّ
طريق المواجهة إنّما يكون بالسير على طريق السيّد عبّاس.
* تربية النفس
لم يخفَ على أحد من الأهل والأقارب والجيران تميُّز محمد عن غيره، فثمة سرّ يحيطه
كهالة لا تبارحه. وإذا أراد أحدهم الحديث عنه، فإنّ الصمت سيسبق أي كلمة لكَثرة
المشاهد التي ستتوارد على ذهنه عن صفاتٍ اجتهد صاحبها كثيراً لتتجلّى في نفسه.
فالصغير الذي كان يقف قرب والدته لأداء الصلاة فيقلّد الحركات والتمتمات، ألزَم
نفسه بالواجبات الشرعية قبل بلوغه سنّ التكليف، ولم يتّكل على تربية والديه الحسنة
له، بل عمد إلى تربية نفسه وتثقيفها عبر برنامج خاصّ وضعه والتزم به.
* روحيّة معنويّة لافتة
بيتٌ من المحبّة والمودّة ضجّ بهَمس الإخوة والأخوات العشرة، وبينهم عاش محمد أجمل
أيام العمر.. كان يتسلّلُ من بين جَمعتهم وقت الصلاة ليكون في المسجد قُبيل رفع
الأذان، وإنْ تأخّر في العودة تعرف أمّه أنّه إمّا ينظّف المسجد، أو يرافق إمام
المسجد إلى منزله.
روحيّة معنويّة لافتة تجلّت في شخصيّة محمد، أثّرت على بيئة المنزل؛ إذ إنّ تعوّد
الأهل والإخوة على رؤية سلوك معين منه كان يكفي لدفعهم للاقتداء به. فأمّه التي
قلّدها في صلاتها صغيراً تأثّرت بنشيج صلاة ليله فحذَت حذْوه. وها هو يقف مقاطعاً
حديث إخوته بأدب قبيل الأذان لافتاً نظرهم إلى ضرورة تحضير أنفسهم للصلاة في أوّل
وقتها. وقد أجابته يوماً أخته أنّ وقت الفضيلة هو ساعة، فأجابها: "إذا زارك ضيف
هل تطلبين إليه الانتظار ساعة ريثما تفتحين له الباب؟". وكان هذا واحداً من
دروسه القصيرة الكثيرة جداً التي زخرت بها حياته.
* بين القرآن والدعاء ارتباط روحيّ
قليلة هي الأوقات التي جلس فيها محمد وكتاب مفاتيح الجنان ليس بيده، حتى وإنْ لم
يكن الوقت وقت دعاء، فالعلاقة بينه وبين القرآن والدعاء تخطّت علاقة العين بالسطور،
بل هي ارتباط روحيّ ينير دربه. فكان رقيباً على نفسه بصيراً بها، لم يقُم بفعل
ينافي القول في طريق سلوكه إلى الكمال. كما واظب على قراءة كتب الإمام الخمينيّ قدس
سره والإمام القائد السيد الخامنئيّ دام ظله ليس من باب حبّه للمطالعة فحسب، بل
للاستفادة من كلّ تفصيل يستطيع تطبيقه في حياته اليومية.
محبٌّ لمن حوله، ومؤثر بصمتٍ، يخفي مساعدته لمن حوله حتّى في همْس قلبه، ويخجل منْ
كلّ ما يقدّمه حتّى وإن كان في نظر الآخرين عظيماً. فركن التقصير هو المكان الذي
وضع نفسه فيه، رغم أنه لم يكن يترك وقت فراغ يمرّ من دون خدمة أو مساعدة أحد. وكان
إذا رأى إحدى الجارات تكنُس أمام المنزل، يبادر مسرعاً طالباً إليها الدخول ويكمل
عنها العمل، فكان غيوراً على أعراض الناس كغيرته على عرضه، وما لا يقبله على أهله
لا يقبله على أحد من الناس.
* المقاومة في عمر مبكر
في السادسة عشرة من عمره التحق محمد بصفوف المقاومة الإسلاميّة، ما أثّر على حضوره
في المعهد الذي يُكمل فيه دراسته، فاعترض المدير على كثرة غيابه ولم يقبل منه أيّ
مبرّر. لذا انتقل محمد إلى معهد آخر وأخبر مديره أنّه لن يستطيع أن يواظب على
الحضور بسبب عمله، واعداً إياه بتحصيل ما يفوته من دروس من رفاقه. وقد لفت نظر
والده كثيراً كتمانه الشديد لطبيعة عمله ومكان تواجده، حتّى إنّه حين سُئل ذات يوم
من قبل أحد الإخوة أسئلة بسيطة لأجل الموافقة على طلب منحة دراسية لمحمد، وكان من
المتوقع أن يعرفها الأب عن ولده، إلّا أنه لم يعرف أيّ معلومة ممّا طرح عليه.
هذه الشخصية الواعية والمسؤولة دفعت والده إلى توكيله بمتابعة بعض الأمور في المنزل
ومساعدته بها. حتى إخوته كانوا يلجأون إليه في متابعة تدبير أمورهم، وكان كلّما
أراد أحدٌ شيئاً ما ينادي "محمد"، حتى قال لوالده ذات يوم: "ألا يوجد غير محمد في
المنزل؟!"، فرد عليه أبوه: "بلى، ولكن إتقانك لما تقوم به يدفعنا كلّنا إلى
الطلب إليك".
* يا صاحب الزمان أدركني الشهادة
في سكون الليل، كان صوته يشقّ الظلام بـ"يا مولاي يا صاحب الزمان أدركني الشهادة"،
فيقطع نياط قلب أمّه، وهي تسمع صوته يتسلّل إلى غرفتها. وكان محمد كثير التحسّر على
الفرصة التي فاتته لنيل الشهادة في حرب تموز 2006 بعد أن سقطت قذيفة بالقرب منه ومن
صديقه أثناء حراستهما إحدى النقاط، وظلّ رهين انتظار الجهاد.
* قافلة النور
حتّى إذا ما لاحت حرب الدفاع عن المقدسات اندفع محمد ناحيــة البوابة التي شُرّعت
لعشـاق الشهادة، فترى السابقون يتوافدون إلى حياضها شوقاً. وقد لاح أمل الفداء من
جديد بعد أن خشي الوالهون تأخّر فرصة الجهاد، وانضمّ محمد إلى قافلة النور التي
سلكت ذاك الطريق وكانت للإسلام فداء.
لأول مرة في حياة محمد بدا واضحاً وصريحاً في ما يقوم به، فصار يتحدّث عن قرب رحيله
عن هذه الدنيا في طيّات كلّ حديث، فأوصى ببيته الذي شارف على الانتهاء إلى أخيه،
وكيفما تلفّت يوسِع والديه تقبيلاً، وزاد اهتمامه بأخواته، وذلك بموازاة تحضير نفسه
للالتحاق بالمعركة المصيريّة الأولى مواجهة القصير؛ المواجهة التي سطّر فيها محمد
ورفاقه المجاهدون أولى سطور الانتصار العظيم. هناك حيث غلت التضحيات، ورخصت الأرواح
فداء للسيّدة زينب عليها السلام، وكانت الأيام أيام رجب الأصبّ عندما رزق الله ثلّة
من المخلصين شهادة ارتضاها لهم. وكان محمد قد خاض مواجهة شرسة مع عدد كبير من
التكفيريين الذين حشدوا الحشود. وبعد قتله عدداً منهم بدأوا بالفرار والاختباء في
الأنفاق فلحق بهم، غير أن عين قنّاص تربّصت به برصاصة، فكان واحداً من أبطال
القصير، من الفئة القليلة التي غلبت الفئة الكثيرة وسقاهم ربّهم ماءً طهوراً.