مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

في قداسة محضرهم

تحقيق: جنان شحادة


هل فكّرتم يوماً ماذا يعني أن تزوروا الإمام في مرقده الشريف، أنْ تمسكوا بأيديكم القفص الطاهر، وأن تشمّوا عبق الرسالة وينهال على وجوهكم شيء من النور؟ أنْ تقفوا بين يدي الإمام لتقولوا له بكلّ جوارحكم، جئناك من أصقاع الدنيا، بجناح أضعفته الذنوب وبعين لم تعد تبصر من غشاوة المعصية؟ هل فكرت يوماً ماذا يعني أن تضع خدّك على القبر الشريف، كما ورد في زيارة الأئمّة عليهم السلام؟

*في حضرة الإمام
أسئلة ربما يجب أن نتوقّف ملياً عندها... أن تكون في حضرة إمام يعني أنْ ترى نور الكون كلّه يشرق من مرقده الشريف ليزيل كلّ عتمة، أن تقف أمام ضريحه وتناجيه بعين دامعة وقلب واله، ولسان لا ينفكّ يردد: "السلام عليكم يا أولياء الله في أرضه، يا ملجأ وملاذ كلّ مؤمن وكلّ ضعيف، السلام عليكم يا نصير كل مظلوم".

أنْ تجمع أمتعتك قاصداً المراقد الشريفة في إيران، والعراق وسوريا أيضاً، يعني أن توضّب قلبك وروحك قبل ثيابك، أن تسير بفؤادك المشتاق قبل أن تخطو قدماك، أن يمنّ الله عليك بنعمة زيارة كربلاء، النجف، قم المقدسة، مشهد أو الشام، يعني أنّك في حفظ الله ورعايته، وأنّ عين الله ترعاك.

*مسير نحو المعشوق
كان عليّ يتحدّث معنا بشوق وشغف عن تجربته الخاصة حيث يخبرنا بأنّه تشرّف بزيارة العتبات المقدّسة في العراق مرّتين: الأولى، في ذكرى أربعين الإمام الحسين عليه السلام منذ عامين، والثانية في العاشر من محرّم منذ عام.

لم يذهب عليّ إلى الزيارة مع حملة تنظّم رحلات إلى المراقد الشريفة، بل قصد العراق مع مجموعة من الشباب والرفاق، يقول مبتسماً: "الوضع الاقتصاديّ صعب، ونحن شباب نقدر أن ندبّر أمورنا خصوصاً أننا في ضيافة أبي عبد الله الحسين عليه السلام، لم نكن نملك أكثر من ثمن تذكرة الطائرة، انتابنا في البداية شعور بالقلق، أين سننام، ماذا سنأكل؟...".

من النجف وصولاً إلى كربلاء، كان الطعام والشراب والطبابة تقدَّم لعليّ ورفاقه. وكانت طريق المشاية مسيرة عشق نحو المعشوق، نحو الإمام الحسين عليه السلام. يتوقّف عليّ عن الحديث، يبتسم ويقول: "كان شعوري لا يوصف، سمعت الكثير عن كربلاء وأبطالها، إلّا أنّ ما سمعته قليل جداً أمام ما رأيت...". هناك تجسّدت لعليّ مبادئ القضيّة العاشورائيّة، وهناك عرف عليّ معنى الشجاعة والتضحية التي جسّدتها الملحمة الحسينيّة، هناك الصغير، والكبير، والعاجز، والمريض يتهافتون لخدمتك.

لا ينسى عليّ اللحظات التي عاشها بجوار مراقد الأئمّة عليهم السلام: "رجعت من الزيارة شخصاً آخر، للزيارة طابع روحيّ كبير، تشعر بأنّك قريب من الله، فتنسى هناك الدنيا وما فيها، ترجع من عند الأئمّة عليهم السلام وقد خضعت لعمليّة صقل في الشخصية، تتعامل مع الآخرين بشكل أفضل، وتصبح حريصا على أن لا تضيّع ما جنيته في زيارته من مغفرة، وطاعة وتوفيق".

*في كربلاء
يشير عليّ إلى أنّ شخصيّته تغيّرت في أرض الإمام الحسين عليه السلام بفعل عوامل عديدة. هناك لا يمكنك أن ترى سخاء الجموع في كربلاء فلا تكون سخياً، أن ترى فقيراً يقدّم قوت يومه إلى الآخرين ولا تدمع عيناك، لا يمكنك أن ترى مريضاً يقدّم العلاج لزوار الإمام الذين يعانون من آلام وأوجاع وأن تجعل ألمك يعيقك عن فعل الكثير. في كربلاء، يضيف عليّ، تعلمت من الصغير والكبير، والشابّ والمسنّ، والمرأة والرجل، كيف تقدّم كلّ ما تملك، وكيف يرخص النفيس. هناك يؤكّد لك الجميع، أنّ حبّ الحسين هو أخلاق وسلوك، "على طول طريق النجف إلى كربلاء، كنت كالسيد المدلل، قدمٍ لنا الجميع الماء والغذاء، والدواء، والمبيت، والعطف أيضاً، هناك تجد أنصاراً يهتفون كل يوم: لبيك يا حسين...".

*ماذا غيّرت الزيارة في ريان؟
قرّرت عائلة ريّان الشابة العشرينيّة أن تقوم بزيارة الأماكن المقدسة في إيران. وضّبت ريان أمتعتها، عازمةً على أن تكون هذه الزيارة بادرة للتغيير نحو الأفضل. تقول ريان: "خلال زيارتي إلى إيران تغيّرت نظرتي لأغلب الأشياء. كنت مدلّلة أطلب المساعدة في كلّ شيء. في أرض غريب الغرباء وجدتُ من يفوقني في السنّ، والمعرفة والمنصب أيضاً، وقد وهبوا أنفسهم لخدمة الإمام الرؤوف. تجدهم يتنازعون ليأخذوا منك حذاءك، أو ليحملوا عنك حقيبتك، يتباركون في خدمتك، معتبرين أنّ بركات الإمام كلّها تتجسّد في هذا الزائر. لا تسأل عن طريق أو محلّ هناك إلّا وتجد عدداً من المتبرّعين الذين نذروا أنفسهم لخدمة الزائر. هناك تأكّدت أنّ رضى الإمام كما الله سبحانه وتعالى هو في مدّ يد العون للجميع، من أي بلد كانوا أو انتماء".

*فاطمة والثورة الحسينية
كثيراً ما نذرف الدموع في المجالس الحسينية، وننادي الإمام ونردّد عبارة "يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً".
- "ماذا يعني أن تكون مع الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء"؟

سؤال بدأنا به مقابلتنا مع السيدة فاطمة، التي زارت المراقد الشريفة في العراق للمرة الأولى بعد ثلاثين سنة من الانتظار.

اعتبرت فاطمة أنّ من "يريد أن يفهم الثورة الحسينيّة بحقّ وأن يكرّس مبادئها نمطاً يعيشه في حياته اليوميّة عليه أن يزور كربلاء، ويرى بعقله وبقلبه كيف حدثت واقعة الطفّ، كيف ضحّى الإمام الحسين عليه السلام بنفسه وفدى الإسلام بأهله ورفاقه وأصحابه. لا يمكن أن تزور كربلاء وتعود إلى ديارك وأنت لا تدرك معنى التضحية والفداء والإرادة والصمود".

تعتبر فاطمة أنّ زيارة الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس عليهما السلام تحتاج إلى أن تكون قد بَنيت علاقة مسبقة معهما أو قد زرتهما عن بعد، وقد عاهدتْهما على عدم العودة إلى المعاصي، أنْ تبقى قريباً منهما ولو كنت بعيداً من حيث المسافة....

فاطمة أضاعت مبلغاً من المال خلال زيارتها إلى كربلاء. لم تكن تدري كيف ستدخل الفرحة على قلوب عائلتها وأطفالها الذين ينتظرون الهدايا منها. جلست ووضعت آمال محبيها بعين الإمام وغفت عينها في المرقد الشريف. استيقظت بعد قليل وهي تشعر بفرحة عارمة لم تعرف سببها. عادت إلى الفندق حيث تقيم مع الحملة لتجد أنّ العدد الأكبر من الزوّار قد جمعوا لها مبلغاً من المال، وقدّموه لها وقد كتبوا على ورقة كانت معه: "هديّة الإمام الحسين عليه السلام إلى زوّاره".

نظرت فاطمة إلى المقام من بعيد وهي تردّد: "الحسين عليه السلام لا يكسر قلب زواره".

*كيف نتغيّر عبر الزيارة؟
كثيرون كفاطمة وعلي وريان... هتفت قلوبهم لزيارة المراقد الشريفة، منهم من وفّق للزيارة وهم يعبرون بعفويّة أنّ شيئاً ما تغيّر فيهم وفي نظرتهم للحياة، وأحياناً في تعاملهم وسلوكهم وتفكيرهم... لكن ما هو هذا الشيء بالتحديد وكيف نتغيّر؟

كثيراً ما يتحدّث العلماء عن الأثر التكويني للإمام صاحب المقام أو المشهد الذي يقصده الزائر، لكن هناك أيضاً الأثر الظاهر الذي يمكننا إيجازه عبر النقاط:
1. التعرف إلى صاحب المقام: صحيح أننا نقرأ ونسمع بكربلاء وصعوبات ما مرّ على الحسين عليه السلام. لكن عندما نقوم بفعل الزيارة والحضور إليهم، ننتقل من المعرفة عبر السمع إلى المشاهدة والحضور في المكان فتصير العلاقة أشدّ وأوثق، فهذا مقام من استشهد وضربته السيوف وداسته سنابك الخيل.. وهذا مقام علي الأكبر عليه السلام المدفون قربه كما أخبرتنا الروايات وطفله الرضيع، ثم يعاين الزائر ضريح الأصحاب وأسماءهم المنقوشة... كلّ ذلك يجعله يستحضر كربلاء.. فينتبه ليتعرّف إلى الحسين بوعي أكبر... الحسين عليه السلام الذي اقترب منه وزاره.

2. ترسيخ الحادثة التاريخية في نفسه:
عندما يجول الزائر في كربلاء يتفاجأ بمشاهد كفّ العبّاس عليه السلام، المخيم الحسينيّ، التلّ الزينبيّ... تحاصره مواقع المعركة ليحسب نفسه جزءاً منها..

3. التعرف إلى أثر وجود المعصوم في حياة أهل البلد:
وهو ما عبرت عنه "ريان" بقولها إنّ الزائر يتفاجأ بأنّ من يأخذ منك حذاءك ليضعه في (الكشوانية) هو وزير أو ضابط عسكريّ كبير...

4. توطيد العلاقة مع قضية المعصوم:
إنّ زيارة كلّ إمام في المكان الذي دُفن فيه، تحمل آخر ملامح حياته السياسية التي تستدعي مجموعة أسئلة، وتجعل القضيّة أوضح في ملامحها، بالتالي نتعرف إلى صبر ذاك المعصوم ودوره وتضحياته... وهو الأثر الذي يغيّر سلوكنا ومعارفنا...

فلا نستغرب حين يعود الزائر عن معرفة، يعود كرسول من ذاك المكان، وقد يشعر أنه من ذاك المكان أيضاً فيعود... فزيارة مقبولة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع