إن أسلوب حياته وبساطة معيشته يعيدان إلى الأذهان الصورة
التي كانت عليها حياة الأنبياء والأولياء والصالحين. لقد دُهش الصحافيون الأجانب
الذين زاروا بيت الإمام بعد رحيله لمشاهدتهم البيت الصغير ووسائل المعيشة البسيطة
والحياة المتواضعة التي عاشها الإمام واستطاع خلالها أن يمتلك قلوب الملايين من
مسلمي العالم ومستضعفيه وأن يدك عروش الطواغيت وقوى الاستكبار.
منذ أوائل حياته كان الإمام يعيش في منازل مستأجرة ولم يمتلك منزلاً شخصياً طوال
حياته المباركة. فخلال مدة إقامته في النجف الأشرف كان يسكن في بيت بسيط وقديم لا
يتمايز في بساطته عن منازل عامة الناس وطلبة الحوزة وبقي على هذا الحال بعد انتصار
الثورة سواء أيام إقامته القصيرة في قم أو ما يقارب عشرة أعوام قضاها في منطقة
جمران في طهران. كان يعتقد أن حياة القائد يجب أن تكون مساوية لحياة طبقات المجتمع
العاديين بل أقل منها.
كان للإمام برنامج منظم يلتزم به بدقة بالغة فيقوم دائماً
بكل عمل في وقته المحدد وفي هذا النظام الدقيق الشامل لجميع الأمور يكمن أحد أسرار
نجاح الإمام في أعماله. وإلى جانب التزامه الدقيق ببرنامجه اليومي لم يكن الإمام
يسمح لأي عمل أن يشغله عن عمل آخر فقد كان برنامجه متوازناً يشتمل إضافة إلى
متابعاته اليومية على التعبد وتلاوة القرآن والأدعية ومطالعة الكتب والصحف
والتقارير وغيرها والاستماع للأخبار والمشي والقيام بالتمارين الرياضية ومجالسة
أفراد عائلته والاستراحة وهذا التنظيم كان جارياً في برنامج أعماله الأسبوعية
أيضاً. وكان يقول: "تقسيم الأوقات بدقة يجعل الأوقات والأعمال مباركة".
كان الإمام شديد الأنس بالقرآن، يتوجه بكل وجوده لقراءته والتدبر في آياته ومعانيه
وعلى الرغم من كثرة مشاغله فقد كانت تلاوة القرآن من الفقرات الثابتة في برنامجه
اليومي المنظم بدقة، وكان يلتزم بتلاوة ما يتيسر له منه عدة مرات في اليوم وكان
يختمه كل شهر مرة. عندما كان في النجف الأشرف أصيب الإمام بمرض في عينه فطلب منه
الطبيب أن يستريح من تلاوة القرآن بضعة أيام فابتسم الإمام وقال: أنا أريد العين من
أجل تلاوة القرآن فما جدوى أن تكون لي عين ولا أتلو بها القرآن؟ كان الإمام ملتزماً
بإقامة الصلاة في أول وقتها، يرتدي أنظف ثيابه عند إقامتها وكان يولي النوافل أهمية
خاصة وقد امتاز بذلك منذ بدايات شبابه.
كان دقيقاً للغاية في إقامة الصلاة، شديد
الاهتمام بأسرارها المعنوية كان يتغير حاله عند حلول وقت الصلاة وكانت ابتسامة خاصة
تظهر على محياه في تلك اللحظات تجعل كل من يراه يشعر أنه في انتظار لحظات يعشقها
بكل وجوده لا يمكن لأي شيء أن يؤخره عنها. بالرغم مما عرف به الإمام من جلادة وصبر
في مواجهة المصائب إلا أن الدموع كانت تنهمر على وجنتيه بغزارة ويجهش بالبكاء بحرقة
بمجرد بدء الخطيب الحسيني بتلاوة مجالس العزاء التي كان الإمام يشارك فيها ويشجع
الناس على حضورها وكان يزيد هذه المجالس حرارة بحضوره. طوال مدة إقامته في النجف
الأشرف كان الإمام يخرج كل ليلة وفي جميع فصول السنة لزيارة أمير المؤمنين عليه
السلام ويطوي المسافة من منزله إلى المرقد المطهر مشياً على الأقدام وكان يقول.
واللَّه إن من الظلم أن ينام الإنسان ظمآناً على ساحل بحر علم أمير المؤمنين عليه
السلام.
وكان يسافر إلى كربلاء عدة مرات في السنة بمناسبة الزيارات المخصوصة
للإمام الحسين عليه السلام، وفي قم كان ملتزماً بزيارة الحرم المطهر للسيدة
المعصومة كل يوم بعد انتهاء إلقاء درسه في الصحن الكبير.
لم تكن توجد في برنامج الإمام اليومي ولا دقيقة واحدة ضائعة لم يعيّن لها من قبل
عملاً ورغم كثرة مشاغله فقد كان يُخصّص لعائلته أوقاتاً يدخلون فيها عليه ويعرضون
عليه ما يريدون وخلال هذه الأوقات كان يتوجه بالكامل بفكره وروحه لهم فلا يترك أي
سؤال منهم دون جواب بل كان يتجنب أن يبتدئ هو الحديث عن موضوع معين لكي لا يحرم
أحداً منهم فرصه التكلم بما يريد. كان يتعامل معهم باحترام مشهود وبروح ودودة
تشعرهم بالسكينة. يتحلى الإمام في تعامله مع الأطفال الصغار بحالة عميقة من العطف
والرحمة والصبر فكان يحب الأطفال كثيراً ويوليهم اهتماماً خاصاً ويخصهم بالمودة
والرأفة، وكان حساساً تجاه كل ما يرتبط بهم، كان يوصي بأن يكونوا جادّين في الدراسة
وينصح بأن يتركوا إلى حين بلوغهم سن التكليف يلعبون بحرية.
كان الإمام يلعب مع
أحفاده ويعطيهم الحرية ويقول عن الصغار: اتركوهم يبعثرون الأشياء فهذا شأن الأطفال.
يقول الإمام: "إنني لم أخف في حياتي أبداً ولم أعرف ما هو الخوف". هذه الحقيقة
لمسها كل من عرفه من الأطباء الذين أشرفوا عله طيلة 9 سنوات كانوا يتابعون ضغط دمه
ودقات قلبه خصوصاً في الفترات التي وقعت فيها أحداث مؤلمة فلم يلحظوا أي زيادة في
دقات قلب الإمام أو أي تفاوت في مستوى ضغط دمه وهي من عوارض الخوف. لقد عرفوا أن
الإمام وعلى أثر الرياضة والتهذيب قد سيطر على روحه وجسده تماماً. نتيجة جهده
الدؤوب وحركته الفاعلة ونشاطه المكثف لنشر الوعي السياسي والثقافي في أبناء الشعب
الإيراني وخطاباته المؤثرة فيهم، تعرض الإمام للاعتقال عدة مرات من قبل نظام
الشاه الذي لم يجد حلاً إلا في نفي الإمام وإبعاده إلى خارج البلاد بعدما تزايدت
ردَّة فعل الشعب وانتفاضاته التي كانت تجبرهم في كل مرة على إطلاق سراح الإمام.
لم يترك الإمام الخميني قدس سره أبداً الجهاد في تمام مدة نفيه إلى تركيا والعراق
ثم إلى فرنسا، كانت مرحلة النفي إلى تركيا صعبة وقاسة جداً وقد واجه في فترة إقامته
في النجف حوالي 13 سنة الكثير من المصاعب، إلا أن أي من الضغوط الروحية أو الجسدية
لم يستطع أن يجبر الإمام قدس سره على الاستسلام، وفي نوفل لوشاتو تطرَّق الإمام إلى
شرح القيم والمثل التحررية للإسلام ورسم صورة كاملة لمجتمع قائم على أسس العدالة
الإسلامية. قبل عودته إلى إيران عرف الإمام أن لجنة الاستقبال المستقرة في طهران
قررت القيام بحملة من الأمور لمراسم استقباله مثل فرش المطار بالسجاد ونصب مصابيح
الزينة، ونقل الإمام إلى مقبرة جنة الزهراء بواسطة طائرة عمودية وغير ذلك من
الاجراءات فأرسل إليهم رفضه لذلك قائلاً: لا حاجة لكل هذه الاجراءات، إن الذي خرج
من إيران هو طالب حوزوي والذي يريد العودة إليها الآن هو هذا الطالب الحوزوي نفسه،
إنني أريد أن أكون بين أبناء أمتي وأسير معهم ولو كان مصيري السحق.
إنه يوم من أيام
العمر المجيدة بل يوم من أيام التاريخ. يومها غصَّت طهران بأبناء الشعب ممن قدموا
متآزرين يتلهفون شوقاً وحنيناً لاستقبال إمامهم وقائدهم. في 1ر2ر1979، وصل الإمام
إلى أرض الوطن بعد 15 سنة في المنفى فاستقبله الشعب أيما استقبال وكانت مظاهر الفرح
والسرور تعم الأرجاء، وتحوَّل مشهد الملايين إلى أروع لوحة من لوحات الانتصار،
انتصار الثورة الإسلامية المباركة في إيران.كلما كان الإمام يقترب أكثر من لحظات
عمره الأخيرة كان يشتد به الضعف الجسمي وتزداد آلامه الأمر الذي يستدعي من الناحية
الطبيعية أن يئن أو تظهر عليه آثار التألم والجزع لكنه وهو الذي لم يئن أبداً سوى
أثناء مناجاته لربه استبدل الأنين من الآلام البدنية بذكر اللَّه فكانت تنطلق منه
نغمات السرور بالوصل والقرب واللقاء بالحق تعالى.قضى عمره وهو يجهِّز نفسه لملاقاة
من صرف كل عمره من أجل كسب رضاه، والأنس بقرب من لم يغفل لسانه وقلبه عن ذكره، لم
يكن يرى سواه ولم يفكِّر في غيره.
لم يكن يرى في نفسه سوى عبداً للَّه سبحانه
وتعالى، لم يحن هامته مقابل أي قوة إلاّ للَّه ولم يخشَ أحد سواه ولم تبكِ عيناه
إلا للَّه. من أهم المميزات العظيمة في نهج الإمام تكمن في سلوكه الشريف مع
الناس. فهذا الإمام العظيم الذي هتفت باسمه القلوب وتهاوت أمام صلابته العروش
وأشرقت ثورته المحمدية لتكون الأمل الساطع في ظلام المستضعفين، كان الإمام ينظر
دائماً إلى خدمة المجتمع والناس وتجنب إزعاجهم والسعي لاحترامهم وعدم الترفع في
الامتيازات عنهم ويوصي برعايتهم والاهتمام بمواساتهم وكان يديم الدعاء لهم بالراحة
والسكينة والأمان.